هلع أمريكي من فوضى قادمة لمصر والخليج
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الأحد 04 أغسطس-آب 2013 02:42 ص

لا بد ان نعترف بكل وضوح ان الولايات المتحدة الأمريكية نجحت وحلفاؤها العرب في إجهاض مسيرة الثورات العربية، وإعادة الديكتاتوريات بصيغة جديدة الى سدة الحكم مجددا، سواء كانت ديكتاتوريات عسكرية او مدنية طائفية الطابع، لكنها ستكون ومصالحها، الخاسر الاكبر في نهاية المطاف.

صحيح ان الجيوش العربية الرئيسية الثلاثة (العراق، مصر، سورية) قد تدمرت او أنهكت، ولكن هذا لا يعني ان إسرائيل حليفتها الكبرى في مأمن، فالبديل عن الجيوش هو الفوضى المسلحة، وهذه في حد ذاتها اكثر خطورة على المديين القريب والمتوسط.

الإدارة الأمريكية أوكلت لحلفائها في المنطقة مهمة قتل المسيرة الديمقراطية، سواء من خلال ضخ المليارات من الدولارات، او توظيف قدرات التضليل الإعلامي الهائلة، وقد ادوا هذه المهمة على أكمل وجه طوال العامين الماضيين، ولكن النتائج جاءت معاكسة تماما.

الهلع الأمريكي الأوروبي الذي نراه في أوضح صوره يتجسد حاليا في حجيج المسؤولين الغربيين الى القاهرة لإنقاذ الانقلاب العسكري المصري من المأزق الذي تورط فيه، من حيث عدم القدرة على الحسم وإعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية والسياسية هو المؤشر الأبرز في هذا الخصوص.

فشل الانقلاب العسكري يعني تحول مصر الى دولة فاشلة في المنطقة، وانهيار كل المخططات الأمريكية الغربية في تحقيق الاستقرار وما يتبعه من تدفق النفط رخيصا، وتحقيق الأمن للإسرائيليين، وصعود موجات التشدد الإسلامي، وهذه هي الخطوط الأكثر احمرارا بالنسبة الى الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

بعد عشر سنوات على عملية التفكيك التي خططت لها امريكا جيدا في المنطقة، وبتوصية من حلفائها اليهود الإسرائيليين وغير الإسرائيليين، وبدأت بالحرب على العراق واحتلاله، وها هو السحر ينقلب على الساحر، فالعراق الذي خسرت فيه أمريكا اكثر من الفي مليار دولار بات خارج سيطرتها ويقف في المعسكر الإيراني المعادي لها، والحرب في سورية دخلت مرحلة الجمود وعدم الحسم وتبلور ثلاثة كيانات شبه مستقلة بدلا من الدولة المركزية القوية، ومصر محور الارتكاز الرئيسي في هذا المثلث تنجرف نحو المجهول.

إغلاق الإدارة الأمريكية للعديد من سفاراتها في المنطقة العربية يوم الأحد تحسبا لهجمات قيل انها من تخطيط تنطيم "القاعدة" احد العناوين الرئيسية التي تؤشر لهوية المرحلة المقبلة، وفشل ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وبدء صعود الجيل الثاني من هذه المنظمة التي ترفع راية الإسلام الجهادي.

تنظيم "القاعدة" وبعد عشرين عاما من تأسيسه في السودان (بذرته السياسية الأولى) وأفغانستان (قاعدة انطلاقته العسكرية) بات قوة رئيسية يصيغ تطورات الإحداث في المنطقة سلبا او إيجابا (وفق موقف الناظر وعقيدته الايديولوجية) فقد بات احد القوى الرئيسية في سورية (جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية) ودون أن يخسر وجوده في العراق (شهد الشهر الماضي قفزة نوعية وكمية في عملياته ابرزها اقتحام السجون وتصعيد اعمال التفجير)، وتحول الى قوة ضارية في ليبيا (أقام إمارات في أكثر من مدينة) وبات يسيطر تقريبا على منطقة الساحل الأفريقي، ويثبت تواجده النامي في شبه صحراء سيناء.

مصر هي "بيضة القبان" بالنسبة الى الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهذا ما يفسر حالة الارتباك الراهنة التي نراها في تضارب التصريحات والمواقف الأمريكية، والهجمة الدبلوماسية المتمثلة في تغيير السفيرة الأمريكية (مدام اندرسون) واستبدالها بالسفير روبرت فورد مفجر الحرب في سورية، وإرسال وليم بارنز نائب وزير الخارجية للبحث عن مخارج وتسويات.

أمريكا ضخت أكثر من أربعين مليار دولار منذ اتفاقات فك الارتباط في أواخر السبعينات وقبيل توقيع كامب ديفيد عام 1979، ذهب معظمها الى المؤسسة العسكرية بهدف تدجينها وإخراجها من الصراع مع اسرائيل، هذه المليارات التي حققت اهدافها على مدى أربعين عاما مرشحة حاليا لاعطاء نتائج عكسية تماما، اي فقدان السيطرة على مصر وانجرافها نحو الفوضى.

الخطأ الكارثي الذي ستندم عليه أمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية فيما هو قادم من ايام، هو تشجيع الجيش المصري على الانقلاب واطاحة حكم ديمقراطي ورئيس منتخب، مع تسليمنا الكامل بالأخطاء القاتلة التي ارتكبها الرئيس مرسي ويضيق المجال لتعدادها، فاستخدام الجيش للقوة لتفريق المعتصمين المسالمين في ميداني النهضة ورابعة العدوية، سيشعل الحرب الأهلية، ويدفع بالمتشددين الى العمل السري المسلح، وعدم استخدام القوة يعني الفوضى وتفاقم حالة عدم الاستقرار، وانهيار هيبة الدولة (او ما تبقى منها) والمؤسسة العسكرية، وهي الهيبة التي ظلت مصانة على مدى قرون.

دول خليجية اعتقدت مخطئة ان وأد الثورة المصرية، ودعم الانقلاب سيشكل انتصارا لها، وتحقيق اهدافها بعدم وصول عملية التغيير الديمقراطي الى داخل حدودها، ولم تتصور مطلقا ان عملية الوأد هذه مستحيلة، وان البديل هو الفوضى.

جديد اعتصامات رابعة العدوية أحيا الإسلام السياسي العربي، في السعودية وبعض دول الخليج خاصة، وينعكس هذا بجلاء في وسائل الاتصال الاجتماعي بعد إغلاق القنوات الفضائية الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية امام رموزه ودعاته، فهؤلاء باتوا نجوم التويتر والفيسبوك.

قد تكون مليارات النفط ساهمت في تهدئة الغاضبين في الشارع الخليجي، لكنها في الوقت نفسه، وبعد ان ذهب مفعولها، مثل مسكن الآلام، بات الشارع يطالب بالمزيد منها.

الانعكاسات المباشرة لما يحدث في مصر على منطقة الخليج ستظهر في المستقبل القريب، ايا كانت طرق التعاطي مع معتصمي رابعة العدوية ورئيسهم الشرعي المعتقل، بالقوة او بالحلول السياسية فالإسلام السياسي هو الرابح في الحالين.