لو كنت مكان الرئيس
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 11 إبريل-نيسان 2008 04:29 م

لا شك أن الرئيس علي عبدالله صالح واجه طوال سنوات حكمه الثلاثين مخاطر ومصاعب كبيرة ساعدته عوامل كثيرة على التغلب عليها. من بين هذه العوامل دهاؤه الكبير، وهشاشة خصومه، والرضا الخارجي النسبي عن أدائه. ولكن الوضع تغير بعد 30 سنة إذ أن الدهاء تحول إلى غرور، والخصوم أصبحوا أكثر قوة، والخارج أصبح يخشى فعليا من أن يؤدي الأداء الحالي للنظام إلى انهيار شامل يزعزع حالة الاستقرار الدولي ويوجد للإرهاب ملاذا جديدا في اليمن.

لو كنت مكان الرئيس علي عبدالله صالح، فإني لن أتخلى عن السلطة في هذه الظروف، لأن التخلي سيكون نوعا من الهروب، ولكني أيضا لن أقبل بدخول كتب التاريخ كسياد بري، بصفتي الرجل الذي مزق اليمن بدلا من إيراد اسمي كموحد لها. ولهذا فمن أجل إنقاذ سمعتي والحفاظ على تاريخي، وتخليص ذمتي من المسؤولية الملقاة على عاتقي فسأقوم بالتالي:

أولاً: سأعلن استقالتي من المؤتمر الشعبي العام أو أقيل المؤتمر مني، وأتمسك بمنصب رئيس الجمهورية ومنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ثانياً: سوف أدعو لانتخابات برلمانية مبكرة بعد تشكيل لجنة انتخابات محايدة فعلا تقبل بها المعارضة عن قناعة، وسوف أعمل بصدق على أن أكون محايداً في الانتخابات ولا أسمح باستخدام المال العام أو الإعلام العام لصالح أي حزب أو أي مرشح.

ثالثاً: بعد الانتخابات سأكلف الحزب الفائز أو مجموعة الأحزاب الحائزة على الأغلبية بتشكيل حكومة جديدة، ولن أتدخل في اختيار رئيس الحكومة ولا في اختيار الوزراء لأني أريد الفائزين في الانتخابات أن يتحملوا مسؤوليتهم بأنفسهم، فإن نجحوا نكون قد أنقذنا البلاد سوية وإن فشلوا فلن أكون أنا المسؤول عن الفشل.

رابعاً: سأطلب من رئيس الحكومة تخصيص ميزانية محددة لقصر الرئاسة، لا أتجاوزها، وسوف أتوقف عن توزيع الهبات لأني كلما اشتريت شخصاً خسرت عشرة، وقد قررت أن أشتري الشعب كله بالجملة بمثل هذا القرار. وسأتوقف حتى عن شراء السيارات الجديدة التي أقوم بتوزيعها لكسب الولاءات، فهذه السيارات أنهكت ميزانية القصر، وأساءت إلى سمعتي بين المواطنين البسطاء من ركاب الباصات، كما خلقت شعوراً عاماً من الازدراء بين أفراد الشعب.

خامسا: سأتوقف عن توزيع الأراضي ومنح العطايا لأنني تذكرت أني لست معاوية بن أبي سفيان ولا هارون الرشيد بل رئيس دستوري من رؤساء القرن الحادي والعشرين، وهناك مؤسسات تتولى الإشراف على الثروة وتوزيعها بما يخدم الشعب كل الشعب وليس أفراداً بعينهم.

سادساً: سأترك للحكومة حرية التصرف في كل ما يهم اليمنيين ويؤثر على حياتهم، وعلى البرلمان محاسبة الحكومة على أخطائها، ومحاكمة الفاسدين، ولكني لن أتخلى عن الإشراف على القوات المسلحة لأنها الضمان الوحيد لي كي أشعر بالأمان لأني ما زلت أخشى أن يطالب بعض المتهورين بمحاكمتي على أخطائي السابقة.

سابعاً: سأطلب من مشايخ البلاد أن يعفوني من الهبات التي أمنحها لهم، وعليهم أن يرشحوا أنفسهم في المجالس المحلية لو أرادوا ممارسة العمل العام كي تكون سلطاتهم شرعية، وسيتعرضون للمحاسبة على أخطائهم بعيداً عني.

ثامناً: سأطلب من الحكومة أن تكون حرة تماما في محاكمة أي مسؤول أو متنفذ يحاول استغلال المستثمرين حتى لو كان هؤلاء المستغلون من أقاربي، لأن الاستثمار أصبح يهرب من البلاد نتيجة لهذه الممارسات السيئة التي حرمت آلاف الشباب من العمل في مشاريع إنتاجية بسبب أنانية قلة قليلة من الأفراد المتنفذين الذين يستغلون قربهم مني.

تاسعاً: سأترك للحكومة الجديدة حرية صياغة مشروع دستور جديد يتم استفتاء الشعب عليه وتطبيقه بعد انتهاء فترة رئاستي، ولن أحاول التحايل على الدستور بإعادة ترشيح نفسي مرة أخرى، بل سيكون الباب مفتوحاً لكل اليمنيين للتنافس على المنصب، ومن يُحزْ أكثر الأصوات سوف أبارك له نجاحه.

عاشراً: سأكون أول رئيس يمني يسلَّم قصر الرئاسة لخلفه في حفل بهيج تشتعل خلاله الفرحة بدلاً من لعلعة الرصاص، وسأغادر القصر سلمياً إلى بيتي المتواضع، وأقرأ صحف اليوم التالي بنفسي، وربما أتجول في شوارع صنعاء وعدن مطمئن القلب بحراسة بسيطة مع عزيز ملفي أو طارق ابن أخي. وسوف أبدأ في كتابة مذكراتي لأكشف فيها خفايا كثيرة من تاريخ اليمن المعاصر بمساعدة أخي وصديقي عبده بورجي، كما سأشارك في المؤتمرات الدولية كمحاضر عن الديمقراطيات الناشئة في العالم الثالث، وسوف أساهم في حل نزاعات دولية عديدة لأني أثبت نجاحاً في حل مشكلة بلدي المستعصية وهي التبادل السلمي للسلطة.