|
تتأسس الحياة في سياقها العام والخاص على قوانين مختلفة منها ما هو كوني أو أبدي، ومنها ما هو نسبي، ولعل من أهم القوانين التي أثبتت أنها في سياق الواقع السياسي والاجتماعي تنتمي إلى ما هو أبدي، ما يمكن أن نسميه بقانون "استبداد القوي وسيادته وحكمه على الضعيف"، وهو الأمر الذي ولَّد من رحمه قانوناً آخر، يتجسد في "محاولات الضعيف المتكررة في سبيل الخلاص من بطش القوي والانتقام منه"، وهو ما تبديه لنا بوضوح فلسفة ثورات التاريخ المتعاقبة.
ما نقرأه اليوم في واقعنا المعاصر ونشاهده يؤكد حقيقة هذين القانونين، فيد القوي هي اليد الطولى، وسلطته هي السلطة الغالبة وبالتالي فهو سيد الضعيف ومرجعيته وبوصلة حركته ووجوده، وفي المقابل لا يدخر الضعيف أية وسيلة في محاولاته لتغيير واقعه المعيش.
عقود من الزمن المعاصر وأمريكا هي القوة العظمى الضاربة في العالم بأسره، تتعربد بفعل قوتها وجبروتها ذات يمين وذات شمال، وتفرض إرادتها وقوانينها الجائرة كيف وحيث تشاء. ولكن من الملاحظ أنها أكثر عربدة وبطشاً في حيز جغرافي ذات نسق ثقافي وتاريخي واجتماعي معلوم، وهو العالم الإسلامي والعربي.
قد تتباين الرؤى حول مبررات هذا الفعل أو السلوك العدائي تجاه العرب والمسلمين، ولكن الاحتمالات التي نعتقدها الأقرب للمنطق والصواب ترتبط بقانون "سيادة القوي على الضعيف"، فمن المعلوم أن شعوب العالم العربي والإسلامي تعيش حالة ضعف وهزال تفوق تصور العقل والخيال معاً، إنهم عبيد العالم.
ومن المهم الإشارة إلى أن الحديث عن "الضعيف" يرتبط بالمعنى الروحي أو الإرادي، لا المعنى المادي، ألم نقرأ في كتب التاريخ والسير تمكن الضعيف صاحب الإرادة والعزيمة من هزيمة القوي وتركيعه، ألم تكن الدول الاستعمارية أكثر قوة وبطشا من الشعوب المُستَعمَرة أو المضطَهَدة، ومع ذلك انتصرت ثورات تحرير الشعوب من الاستعمار؟. وفي المقابل، أليست اسرائيل اليوم أضعف من العرب من المنظور العام جغرافياً ومادياً وحضارياً، ومع ذلك تعد الأكثر هيمنة ومهابةً في المنطقة، بفعل موت إرادة الهوية العربية والإسلامية؟.
ومن هنا فإن قيمة الحديث عن الضعيف تتأتى من عمق المعنى الروحي والمعنوي للمفردة أي المعنى المعبر عن ضعف الإرادة والتصميم والرغبة.
قد يُطرح سؤال وجيه، لماذا استخدمت القوة المهيمنة/امريكا مخالبها في افغانستان والعراق، ولم تلتفت مطلقاً إلى مصر والأردن ودول الخليج مثلاً؟ لماذا كانت امريكا ودول الغرب تبني بنفسها المفاعلات النووية الإيرانية في عهد الشاه، بينما اليوم لا يغمض لها جفن بحثاً عن كيفية الخلاص من برنامج إيران النووي؟. ستكون الإجابة حتماً أنه التوهم أو الشك أو خشية القوي من توافر إرادة التمرد لدى الأنظمة المستهدفة أو الرغبة في استقلال الرأي والقرار أو محاولتها تأسيس مشروع يناهض وجود ومصالح قوى الاستعمار والتسلط. ولن نناقش رغبة أو أرادة نظامي طالبان وصدام في عض أيادي قوى الاستكبار في العالم الإسلامي والعربي، فثمة إشارات كثيرة تدركها تلك القوى وتوحي حقا بتوافر تلك الرغبة.
وهكذا الحال اليوم في سوريا ولبنان، فعندما هَزمَ الضعيفُ/حزب الله القويَّ/اسرائيل في عام 2006م، أو في أقل تقدير اندهاش القوي بعزيمة الضعيف وصلابة إرداته، وشعوره بخطر حقيقي يحدق به، بدأ يخطط وينفذ القانون الأزلي وهو استعباد الضعيف وقطع دابره (ودابر من يقف وراءه) قبل أن يشب عن الطوق ويخرج عن السيطرة.
إن كل ما يحدث في المنطقة ليس عبثاً، ولا بريئاً، ولكنه وليد فقه أو فلسفة القوي وتخطيطه لإسكات الضعيف على نحو مستمر، خاصة وهو يدرك ويتابع نمو مشروع قوي في المنطقة تتوافر له إمكانات مادية وبشرية، وكذلك امتلاكه رغبة سياسية ذات أبعاد دينية وحضارية وتاريخية، بالإضافة إلى أن هذه الإرادة مصممة على المواجهة ومستعدة لدفع ضريبة البروز والتمكين، ومناهضة إرادة سيد العالم/امريكا، في ظل ظروف واضطرابات وتحولات سياسية ومجتمعية في المنطقة تخدم حركة المشروع الجديد واتساع جغرافيته.
هذا هو محور الصراع الذي يتكبده الإنسان العربي، ويدفع في سبيله دمه وثروته ومستقبله، دون أن يدرك أنه كـ "الأطرش في الزفة"، وأن لا ناقة له في قرارات ومجريات ما يحدث في المنطقة ولا جمل، بل إنه يستخدم أداة من أدوات صراع المشاريع الكبرى في المنطقة، صراع المشروع القوي المستبد مع المشروع الجديد الحالم بإعادة أمجاد الماضي.
ومضة:
في بلادي (العربية)
كلُّ شيءٍ مغرمٌ بالزوبعةْ
كلُّ شيءٍ مثقلٌ بالأقنعةْ
كلها الأجسادُ
والأنهارُ
والأزهارُ
والأسوارُ
تسقطُ جائعةْ
آه
عريٌ
ومجاذيبٌ
ومرايا إمعةْ
آه
حتى نوايا الريحِ جاءتْ مفزعةْ.
في الثلاثاء 10 سبتمبر-أيلول 2013 05:35:45 م