هل خيار الثورة الإسلامية في مصر واردا لتحدي إرادة الدبابات؟
بقلم/ د.عبدالحي علي قاسم
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 28 يوماً
الأربعاء 21 أغسطس-آب 2013 04:21 م

وحده الإفلاس الأخلاقي والسياسي الصارخ وغير المتوقع من قبل القوى التي تصم آذان المجتمع العربي والمصري بأولوية الحرية والتعايش والحوار والديمقراطية هو بضاعة القوى القومجية، فالنمط الفكري المتطرف في اغتصاب السلطة المصرية على جماجم الشعب ومعاناته وآلامه التي خلفتها المجازر المروعة والمستمرة يدحض كل تلك المغالطات الفكرية والإعلامية المسمومة والموجهة للعقل العربي والمصري المسطح، فحوى هذه المغالطات أن المجتمع العربي والمصري بحاجة لمجزرة بحق جزء رئيسي من المجتمع حتى يتسنى لها وضع مداميك الدولة الحديثة، وتأسيس تجربة ديمقراطية ناجحة. إذ لا بد للديمقراطية ذاتها أن تقربن نفسها حتى يستقيم عودها وتأتي ثمارها، هذه المغالطات ذاتها هي من استغلت طمع ونزوة بعض العسكر والبلطجية من الأمن وبقايا الحزب الوطني بالسلطة لتنفيذ معركتها الدموية ضد الديمقراطية والمؤمنين بها، وألحقت بهم محرقة دموية وسياسية مروعة، مع قناعة الكثير من العقلاء بأن ضربا من تلك الطروحات السابقة للقوى المفلسة تنذر بمستقبل غير آمن للديمقراطية والحريات في مصر والمنطقة، سوى تلك الحريات التي تغرد بصوت الحزب الواحد، وحرية الرأي والرأي الواحد، الذي يتسع فقط لنهم ومصالح النخب العسكرية، ورموز الفساد من القوى الليبرالية الحليفة.

إن المحاولة المستميتة والمروعة من قبل العسكر وحلفائهم من بعض القوى التي تنتحل المسوح الليبرالية والقومية في مصر لإزاحة القوى الإسلامية عن السلطة، أو إبادتها بتلك الوحشية والهمجية لن تترك للإسلاميين وحلفائهم من خيار سوى منطق الثورة على هذا الواقع الأسود أو الانقراظ من المشهد السياسي المصري، إن المنطق الإعدامي الذي تطفح به بعض القوى الليبرالية والقومية، وتبث سمومه الآلة الإعلامية المصرية تجاه القوى المناصرة للشرعية وتحديدا منها الإسلامية ربما يؤول إلى ثورة إسلامية على غرار ما حدث في إيران تقود لأسلمة الدولة والمجتمع والإعلام، فالمنطق الإعدامي السائد في الشارع الأمني المصري، والإعلام، والسجون التي امتلأت بها القوى الإسلامية وحلفائها ينبئ بأنه لم يعد من خيار أمام جموع الشعب المصري الرافضة للانقلاب، وفي مقدمتها القوى الإسلامية التي فازت بثقة الشعب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوى الاستسلام لمنطق الإعدام والسجون، والسجون هذه المرة لن تكون بتلك السجون الآمنة لبقية حياتهم المؤلمة، ولن تقف عند حدود التعذيب النفسي والجسدي، بل إنها معرضة للتصفية تحت أي ذرائع ومبررات واهية، كما هي حادثة الحافلة التي راح ضحيتها حسب رواية الداخلية 36، ومصدر عن الإخوان المسلمين 52 قتيلا، أثناء نقل سجناء المعارضين للانقلاب، وإزهاق أرواحهم بتلك الطريقة المخيفة التي هي أشبه بالمحرقة من قبل عتاولة الجريمة في الداخلية المصرية.

الثقافة الإعدامية ليس عقيدة عتاولة العسكر والأمن فقط، بل هي هواية القوى الليبرالية والقومية المفلسة شعبيا، ومراهقي السياسة من الشباب الأجوف والأخرق من حركة تمرد المبلطجة التي صرح أحد الناطقين باسمها محمود بدر بأنه لا ضير بأن يكون تكلفة فظ اعتصامات رابعة والنهضة، وغيرها من الاعتصامات للقوى المناهضة للانقلاب كما يحلو له إبادة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية، فهؤلاء في نظره ليس بشر، وهم مخلوقات غازية جاءت من كوكب آخر، وليس لهم ولا يستحقون الحياة بكرامة وأمن، بل مصيرهم هو الموت والموت فقط. ما هذا المنطق الإعدامي المخيف الذي يظهر به هؤلاء الرموز في الإعلام والمؤتمرات؟ إنها بحق كارثة حقد مروعة ومؤشرات مخيفة لا تمت للإنسانية بصلة، ولا بأبجديات التعايش البسيطة أن يتسلح هؤلاء بكل تلك الأفكار المتطرفة، ويروجوا في نفس الوقت بأنهم يحاربون الإرهاب، والأحرى بهم أن يلتفتوا إلى لوثة وكارثة ما تحمله عقولهم من أفكار متطرفة تترجم كل يوم بسفك وإراقة دماء الأبرياء والمظلومين في كل شوارع مصر، ومباركة كل المذابح المخيفة التي يرتكبها الجيش والأمن.

ماهي الخيارات الممكنة أمام القوى الشعبية المناهضة للانقلاب الذي يقوده الجنرالات؟ وبدعم بعض القوى في الداخل والغرف الأمنية في الخليج وعمان وبعض الدوائر الغربية، بعد أن سرقت من تلك القوى شرعيتها، وأودعت في السجون، والاتهامات السخيفة التي توجه لها بدون أبسط أساسيات العدالة والمروءة، ويقتل كل أنصارها ويواجهون بقوة الحديد والنار، وبكل وسائل الإرهاب والتخويف، وتنتهك حرماتهم الشخصية حتى في بيوتهم وفي سجون الدولة.

إن هناك مصير أسود ينتظر القوى الإسلامية في ظل المعطيات القائمة، والحقائق التي تتكشف كل يوم بعد أن أعلناها مبعوثا الحكومة الأمريكية للقيام ببعض الاقترابات الدبلوماسية لحل الأزمة جون ماكين وليندسي، وكشفهم عن النوايا التي لمسوها خلال تحركاتهم الدبلوماسية للسيطرة على الوضع، والحيلولة ووقوع الكارثة من السيسي القائد الانقلابي ورغبته الجامحة في الحكم حد "السكر" حسب واصفوه، وعدم استعداده للقبول بحلول دبلوماسية وسط، وإطلاق معارضيه من السجون وتحديدا من قيادات الإخوان المسلمين، وأكثر من ذلك حديثهم عن المواعظ التي أمطرهم بها حازم الببلاوي عن عدم قانونية الجماعة الإخوانية، وحكومته الشرعية التي نسي أنها لم تحضى بصوت واحد عندما صفعه لندسي بتلك الإشارة، وأن حكومته "سفاح" ولا تتمتع بأي شرعية انتخابية. رئيس الدولة الفاقد للفعل السياسي، لم يكن بمقدوره سوى إعلان فشل الحلول الدبلوماسية لقطع الطريق أمام أي جهود تحول ووقوع الأسوأ المبيت من تلك القوى الانقلابية وأنصارها، مثل هذه الحقائق تدحض وتفند التخدير المغناطيسي الذي دندن به السيسي من خلال إطلالته المرتبكة في الإعلام المصري بأن البلد تتسع لكل القوى، ويدعو فيها القوى التي يذبحها في الشارع والسجون بمراجعة نفسها والعودة إلى حضنه الدافئ، إنه ضربا من السذاجة أن تنطلي تلك الدعوات على القوى الرافضة للانقلاب، والمطالبة بعودة الشرعية لأصحابها خصوصا في ظل كل تلك المؤشرات الدموية والإقصائية، وصولا إلا ذبح المعتقلين بتلك الطريقة المروعة وكأنهم حشرات وليس بشر كرمهم الله وحمى حقوقهم وصانها من كل من يلحق الأذى بها، ناهيك عن قتلها بتلك البشاعة.

أمام تلك الهمجية والعنف الممنهج والإقصاء المؤلم لن يكون أمام القوى الإسلامية سوى أن ترضخ لواقع الانقلاب، وتعتزل الحياة السياسية حفاظا على أرواح أعضائها، أو تخرج كما اعتادت للموت والملاحقة وتصفى في السجون، أو خيار الخروج بإرادة عظيمة لا تقبل الخوف، وبكامل قوتها البشرية والقوى المناصرة لها من وطنية رافضة للانقلاب العسكري لتحدي إرادة الدبابات، وكسر إرادة تلك الأخيرة مهما كلفها من تضحيات حتى تعود تلك العربات الهمجية لثكناتها، وتترك عالم السياسة لكي تحكمه إرادة الشعب وليس العسكر.

من مميزات هذه الثورة هي أن يكون لها طابع ثوري إسلامي "سنى" مسالم كاستحقاق تمليه ظروف التحالف الإسلامي الواسع للقوى الإسلامية المناصرة للشرعية، وهو ما تنجر له الأمور على غرار الثورة التي قامت في إيران على حكم الشاه عندما تحدى الثوار إرادة الدبابات بعقيدة لا تلين أو تخاف، أو أن ترهبها التضحيات، وقد بدأ الإخوان المسلمين يدفعون تلك التكلفة، وبقي أن يدشن الإخوان تلك الثورة الإسلامية بشكل رسمي، ويقوم نظام إسلامي له مبادئه وثوابته التي تحكم الدولة واللعبة السياسية برمتها، بحيث لا تستطيع أن تنقلب عليها إرادة العسكر مرة أخرى، أو تلك القوى المفلسة فكريا وسياسيا من بقايا القوميات ذات المنطق الإعدامي، والتي تبارك جرائم العسكر، وتصفية القوى الإسلامية حتى يتسنى لها وراثة المجتمع والسلطة بدون عناء التنافس مع قوى إسلامية تحسن تعبئة وتنظيم الشارع بطريقة لا تستطيع تحمل تبعاتها تلك القوى.