ما الإرهاب، من الإرهابي، ولماذ؟
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 7 سنوات و 5 أشهر و 10 أيام
الثلاثاء 06 يونيو-حزيران 2017 01:58 م

السفيرة الأميركية في قطر قالت، على تويتر، إن قطر دولة تكافح الإرهاب، وأنها حليف موثوق. التعليق الأميركي جاء كصوت باهت داخل الجلبة التي أثارتها مجموعة من الدول العربية اتهمت قطر بدعم الإرهاب، وتمويله. البيانات العربية الصادرة عن بعض تلك الدول وضعت قطر في مصاف الدول الإرهابية، ليس الدولة وحسب، بل الشعب أيضاً. فقد قررت ثلاث دول خليجية طرد كل مواطن يحمل الجنسية القطرية من أراضيها. على حد علمي فهي سابقة تاريخية لنظام العلاقات الدولية، أن تقوم حكومة بطرد شعب حكومة أخرى. 

من الصعب القول إن الدولة التي تقوم بطرد شعب ينتمي لجنسية معينة هي دولة تقدم على ذلك الفعل لتكافح الإرهاب. فاستخدام القوة البيروقراطية لطرد البشر عشوائياً، وتهديد استقرارهم على ذلك النحو، هو إرهاب هدفه تحقيق هدف سياسي. في نهاية المطاف فالإرهاب ليس سوى إيقاع الأذية والضرر بأمة من الناس لم ترتكب ذنباً. يرتقي لمستوى الجريمة الأخلاقية القول إن الشعب القطري شعبٌ إرهابي يستحق الطرد والملاحقة. غير أن المؤكد هو أن ما سيتعرض له شعب قطر في الأيام القادمة هو فعل يرتقي لمصاف الأفعال الإرهابية العمياء، إرهاب الدولة. إذا أضفنا إلى ذلك كون الشعب العربي في قطر هو شعب شقيق لشعوب الدول التي عزمت على إلحاق الأذية به، فالمعنى الأخلاقي لهذه الجريمة يصبح أكثر فداحة. 

لكن ما هو الإرهاب؟ ثمة تعريف إجرائي يذهب إلى اعتبار الإرهاب هو كل فعل ينطوي على "استخدام السلاح أو التهديد باستخدامه لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إثنية". كذلك فإن دعم الجماعات التي تمارس الإرهاب، طبقاً لهذا التعريف الإجرائي، هو فعل إرهابي. داخل هذا التعريف، وهو تكييف رياضي وعملي لدالة الإرهاب، يمكن اعتبار جماعة الحوثي ودولة إيران جهتين إرهابيتين. كذلك يمكن اعتبار الجماعات الشعبوية التي تستخدم السلاح أو تهدد باستخدامه لإحداث تغيير ديموغرافي أو سياسي في مناطق بعينها هي جماعات إرهابية، وكذلك يوفر لها الآلة اللازمة.

على نحو متواصل تنشر الصحف الأوروبية الكبرى، مثل فرانكفورتر ألغيماينة والإندبندنت، تقاريرَ ومقالات تتهم السعودية بدعم الإرهاب وتربيته. تنطلق الفكرة، أوروبياً، مستندة إلى دعم السعودية للجماعات الوهابية. في التقدير الأوروبي تعتبر الوهابية هي الباب الذهبي للولوج إلى عالم الإرهاب. فقد اعترفت وزارة الداخلية الألمانية أنها تنظر إلى السلفيين بحسبانهم إرهابيين محتملين، كما تجري اتصالات مع أهالي اليافعين الذين يُشاهدون وهم يرتادون مساجد سلفية. استناد السلفيين إلى السعودية جعل الأخيرة تبدو على نحو متزايد وكأنها تخلق الظروف المواتية لنشوء ظاهرة الإرهاب.

 مؤخراً اختارت الإمارات السير في الطريق نفسه، وتبنت التيارات الراديكالية الوهابية في اليمن ومصر وليبيا والمغرب. في تقدير الدولتين، السعودية والإمارات، فإن الوهابية ليست موضوعاً إرهابياً. بينما يعتقد الأوروبيون أن الوهابية تفضي في مراحل متقدمة إلى الإرهاب. فقد قام السلفيون الأوروبيون بتجنيد مقاتلين لخوض الصراع السوري. المقاتلون الذين وصلوا إلى سوريا كسلفيين سرعان ما التحقوا بداعش. هذه الملاحظة، بشواهدها الكثيرة، هي ما تجعل من القول إن السلفية باب للإرهاب ليست مقولة بلا دليل. 

القرار السعودي ـ الإماراتي بفرض الحصار على قطر وقطع العلاقات الدبلوماسية معها ربما يعود في بعض تفاصيله إلى دعم قطر للإخوان المسلمين. هناك، بالتأكيد، أسباب اقتصادية وسياسية لا علاقة لها بموقف قطر من حركة الإخوان المسلمين ولا ثورة الربيع العربي. على سبيل المثال: مشروع نقل السلطة من الملك سلمان إلى نجله، متجاوزاً ولي عهده. وهو المشروع الذي تعمل الإمارات على خلق الشروط الملائمة له داخل الحقل الغربي، والأميركي تحديداً.

 ما يعنينا هنا هو دالة الإرهاب، الدالة التي واجهت بها الديكتاتوريات العربية الربيعَ العربي. فقطر التي تدعم الإخوان المسلمين اعتُبرت إرهابية، أو على الأقل مساندة للإرهاب، بينما يجري النظر إلى خزانات الوهابية بوصفها دول اعتدال. ثمة فرق بين الإخوان المسلمين والسلفيين. فبينما يبادر الإخوان للانخراط في الحياة السياسية، ويحاولون مد الجسور مع الآخر، كما في الحالة التونسية واليمنية، فإن السلفيين ينكفئون داخل حقلهم الخاص، رافضين للسياسة وغير قادرين على بناء أوطأ الجسور مع الآخرين.

 

من المهم ملاحظة عودة محور الاعتدال إلى الواجهة بعد أن أربكته الثورة العربية الحديثة. يصنف محور الاعتدال القوى الداخلية التي تختار العمل السياسي إرهاباً. ذلك ما دفع الإمارات إلى الاشتباك مع بريطانيا بين العامين 2014 و2015، وصل حد ترحيل عسكريين بريطانيين من الإمارات وإخراج شركات بريطانية من المنافسة على استثمارات في أبو ظبي، كما في تقرير شهير لصحيفة الغارديان 2015. فقد وجدت الحكومة البريطانية صعوبة جسيمة في تصنيف منظمات اجتماعية ذات علاقة بالإخوان المسلمين كإرهابية. فلا توجد أفعال إرهابية صدرت عن الإخوان المسلمين، كما دونت هيلاري كلينتون في مذكراتها. ذلك الموقف أغضب الإماراتيين ودفعهم إلى الانتقام العاجل من دولة قانون كبريطانيا.

إذا عدنا إلى تعريف الإرهاب سنجد أن جماعة الحوثي جماعة إرهابية، فهي تسعى لتحقيق أهداف سياسية ودينية عبر استخدام السلاح. مثل الحرس الجمهوري، الذي يقوده نجل صالح، العمود الفقري لجماعة الحوثي. مؤخراً ظهرت معلومات تقول إن دولة الإمارات تجري اتصالاً مع دول عظمى لتمكين نجل صالح من حكم اليمن. من غير اللائق أن ننسى أن نجل صالح هو أهم داعمي الإرهاب، وأن دعم هذا النجل أيضاً ليس سوى دعماً للإهارب في نهاية المطاف، الإرهاب بمعناه المنفلت والبربري.

في 30 مايو الماضي أصدر مركز الحديث في الفيوش، أكبر مركز للحديث في جنوب اليمن، بياناً قال فيه إن بن بريك، حليف الإمارات الأقوى في الجنوب، متورط في اغتيال مؤسس المرك الشيخ عبدالرحمن العدني وشيوخ سلفيين آخرين، كما تستر على إرهابيين غير يمنيين في العام 2014، وأخفاهم عن نظر السلطات آنذاك. اختار الإماراتيون الركوب على ظهر هذا النمر، علانية. 

 

ثمة جزء غير مرئي من الصراع الخليجي ـ القطري لا علاقة له بدالة الإرهاب. وفيما يخص الإرهاب فإن التصدي له لن يكون من خلال رعاية الجماعات السلفية الراديكالية وتقويض الحياة السياسية، ولا عن طريق الدول التي تحظر الحياة السياسية وتقوض التنوع الثقافي والمعرفي الخلاق. فالجماعات السلفية التي ستملأ فراغ الحياة السياسية، مع غياب تام للحياة الحزبية والتنوع السياسي، ستشكل عبر أكثر من طريق أهم محركات الإرهاب العابر للحدود، فلا جرس إنذار بمقدروه أن يقرَع في الوقت المناسب، ولا بديل سياسي أمام الفرد الغاضب والضجر. كان ت. فريدمان قد لاحظ، 2010، خلو معتقل غوانتانامو، وكان يحوي 35 ألف معتقل، من أي مواطن مسلم هندي الجنسية، رغم احتواء الهند على زهاء ثلث مليار مسلم. إنها الديموقراطية، والبدائل السياسية السلمية التي توفرها الحياة في الهند، يعتقد فريدمان. 

النظام العربي، إجمالاً، غير مؤهل للحديث عن مكافحة الإرهاب. ففي نهاية المطاف يؤدي إرهاب الجماعات المنفلتة إلى النتيجة نفسها التي يؤدي إليها إرهاب الدولة المتوحشة. فالدولة التي تعمل على تحويل الكائن إلى مستهلك أحادي البعد، وتجرده من خياله، إنما تفقده عناصر مقاومته وتبدد بصيرته، وتجعله عرضة للغة الرومانسية، كالجهاد والاستشهاد والفداء. فهي لغة قادرة على شغل الفراغ الذي تخلقه الدولة المتوحشة.