مصداقية الإخوان
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و يومين
الثلاثاء 16 ديسمبر-كانون الأول 2014 12:45 م

تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا عام 1928 في فترة حرجة من التاريخ كانت ترزح فيها المنطقة تحت وطأة الاحتلال الأجنبي بغطرسته الفجة ودعمه المكشوف للصهاينة ولأطماعهم التوسعية فجاءت دعوته التي رفعت شعار (المصحف والسيف) ملبية للطموحات والآمال المشروعة للشعوب في الاستقلال والعزة والكرامة والعودة للجذور والهوية الأصيلة لاستلهام الحل الإسلامي المُمكن للمشكلات المعاصرة فلاقت تلك الدعوة تجاوبا شعبيا كبيراً ليطلق على الجماعة بعد فترة وجيزة لقب (كبرى الحركات الإسلامية) لكن تلك الشعبية وذلك الانتشار الجماهيري لم يوازيه بالمقابل أي نجاح سياسي أو إداري يُذكر ففشلت تجارب الإخوان في أكثر من مكان وظلت الجماعة تراوح مكانها منذ ثمانين سنة حتى قيل أن الإخوان مبدعون في المعارضة وتحريك الشارع وإثارة الرأي العام وفاشلون في حل المشكلات وسياسة الدول وإدارة الحكومات باستثناء التجربة التركية الناجحة إلى حد ما على ما فيها من أسلَمَة الشِعار وعَلمَنة المَسار تشهد بذلك القوانين الحالية في تركيا التي تبيح الشذوذ والزنا والخمور والتحالف العسكري التركي مع الناتو وقمع الحكومة التركية للمعارضة واضطهادها للأقلية الكردية وغيرها من الممارسات التي تنافي تعاليم الإسلام جملة وتفصيلاً.
في البداية لا بد من التطرق السريع لحقيقة افتقار الجماعات أو الحركات الدينية أو الفرق التي ظهرت عبر تاريخ هذه الأمة للمرجعية الشرعية أو التأصيل التاريخي أو التفسير الموضوعي الذي يبرر فكرة إقامتها والمعروف أن حسن البنا قام بتأسيس الجماعة وعمره 22 سنة وهو في هذه السن المبكرة بالتأكيد لم يُحِط علما وفهما بشمول الشريعة وفروعها وغاياتها ولا بخصائص المجتمع وما يصلح له بما يؤهله للإمامة والإجتهاد ولا هو تمرس السياسة وتشرب فنونها ليتعامل مع الواقع بدهاء بل كانت تنشئته صوفية على الطريقة الحصافية كما يقول عن نفسه وكان يشتغل بتدريس اللغة العربية في مدينة الإسماعيلية قبل أن يقدم استقالته وكانت له مقدرة شعرية وخطابية جميلة وهذا شيء رائع ولكنه هل يكفي ليجعل المرء من نفسه أميرا لتنظيم دولي عالمي في هذا السن المبكرة ويأخذ لنفسه البيعة والقسم من العامة على السمع والطاعة والكتمان والثقة والانضباط والجهاد. تلك البيعة التي لا تجوز شرعا وعُرفا إلا للحاكم أو ولي الأمر المتمكن بالسلطان كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث التي تحرم التنازع على الملك والرئاسة وإتباع الأهواء والعصبيات والأطماع الشخصية في الزعامة على حساب وحدة المجتمع وأمنه وسكينته وقوته ومنعته، ولو كان الجهاد ممكنا خلف كل دعي أو متهور لصارت الأمور إلى الفوضى والدمار كما هو الحاصل، ثم هل كان اجتهاده ذاك نابع من قناعة واجتهاد شخصي أم ماذا ؟؟
يقول تعالى \"إنما المؤمنون إخوة\" ويقول \"ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون\" و\"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول\" و\"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا\" ويقول صلى الله عليه وسلم \"أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا\" ويقول \"آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا وتعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا وتطيعوا لمن ولاه الله أمركم...\" وعن أبي الدرداء قال\"أوصاني رسول الله بتسع وذكر منها ولا تنازعن ولاة الأمر وإن رأيت انك أنت أفضل منهم فلا تنازعهم\" والحديث \"من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله\" و\"ما من قوم مشوا إلى ذي سلطان ليذلوه إلا أذلهم الله قبل يوم القيامة\" و\"من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه\" ومن حديث حذيفة بن اليمان \"قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم فيها قذفوه فيها قلت : يا رسول الله صفهم لنا فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك\"
والحقيقة أن صِغَر سِن المرشد وضعف خبرته ليس حكراً على الإخوان فحسب ولكنها صفة تلازم أغلب الجماعات والمثال القريب هو ناصر الوحيشي زعيم أنصار الشريعة القاعدة في اليمن الذي يبلغ 36 من العمر وكذلك زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي الذي سيطرت مليشياته على العاصمة والعديد من المحافظات ويبلغ 35 سنة وكلاهما لم يحصل على أي مؤهل دراسي ولا تميز بالنبوغ في شيء عدا حمل السلاح وإلقاء الخطب ولعن أمريكا واليهود وأعوانهم، والحديث عن أنصار الله أو أنصار الشريعة يطول ويستدعي إفراد كتابات قادمة إن شاء الله.
عودة لكبرى الجماعات (الإخوان) فهي ذات بناء هرمي وطابع سري منظم يتكون من خلايا وأسر يقبع المرشد العام على قمتها، أما الأفراد فيتم تجنيدهم في سن صغيرة وإشغالهم بالرحلات والمخيمات والأناشيد وغسل عقولهم بالكتب الحركية وشحن صدورهم بقصص الأخوان وتاريخ المحاكمات والسجون والتعذيب التي مُزجت فيها الحقيقة بالكثير من المبالغة والخيال، كل ذلك للإعداد للحظة الحاسمة التي يقول عنها حسن البنا في رسائله المنشورة (يجب عليك أيها الإخواني أن تحيط القيادة علما بكل ظروفك وأن لا تقدم على عمل إلا بإذن وأن تكون دائم الاستعداد للحظة الحسم وأن تعتبر نفسك جنديا في الثكنات تنتظر الأمر) ويقول (في الوقت الذي يبلغ عددكم معشر المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت نفسها فكريا وروحيا وبدنيا عندها فقط طالبوني بأن أقتحم بكم لجاج البحار وأغزو بكم كل جبار عنيد).
ولزيادة تماسك الجماعة تم تضييق مبدأ الولاء والبراء لينحصر في إطارها بدلا عن الإخوة الإيمانية الواسعة، ومن أجل تجنب الخلافات داخل الجماعة قال حسن البنا مقولته الشهيرة (نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) لتصبح الشعارات العاطفية والخطابات الحماسية سلوك أصيل ومنهج متبع ولو نتج عنه ضبابية وعدم وضوح رؤية الإخوان للعديد من القضايا، كل ذلك بدعوى التجميع وتكثير الإتباع وزيادة الشعبية والتلاحم كهدف يفوق في أهميته تماسك المجتمع ككل !
وفي حين تتهم الجماعة الأنظمة بالاستبداد وعدم الأخذ بالشورى وتطلق على الحكام لفظ الطواغيت وعلى الشعوب أنها ميتة وخانعة تعبد الطواغيت وتعيش في جاهلية ثانية، نجد أن الإخوان لا يضربون المثل والأسوة الحسنة في مناهضة استبداد قيادات الجماعة لكنهم يطيعون سماحة المرشد طاعة عمياء لما في أعناقهم من بيعة مفروضة، ومن يجرؤ على الاعتراض عليه أو مطالبته بالرحيل أو يدعوا لتغيير أحد القيادات أو الأخذ بالشورى في اتخاذ القرارات أو ينتقد الفساد المتغلغل داخل الجماعة فإنه يفصل ويهاجم ويتم تشويهه وجعله عبرة للبقية، لهذا تستمر تلك القيادات في مناصبها حتى يأتيها الموت أو يصيبها الخرف، بل أن المغالاة في حب المرشد قد وصلت ببعضهم لاعتقاد عصمته وقداسته فقال شاعرهم (قد كنت أؤثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء) وقال آخر (إن للإسلام صرح كل ما فيه حسن. لا تسلني من بناه إنه البنا حسن) وقال الآخر (منكر الذات حكيم السير في خطوته. طب أرواح لا تخفى عليه خافية) فانظر لهذا الجهل المركب وكيف جعل هذا الأحمق للمرشد من خصائص الإلوهية واعتقد انه لا تخفى عليه خافيه وانظر لجمال ما قال نبينا الكريم عن نفسه \"أنتم أعلم بأمور دنياكم\" وقوله جل شأنه مخاطبا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم \"قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون\" وانظر لما قاله ابن تيميه رحمه الله \"فأهل السنة والجماعة لا يكون قائدهم بحق إلى النبي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي أما غيره من البشر فيؤخذ من كلامه ويرد\"
والإخوان يعيشون عزلة شعورية هي من وصايا سيد قطب أحد مؤسسي الجماعة الذي ذهب إلى أن المجتمعات المحسوبة على الإسلام تعيش في جاهلية ثانية هي أسوء من الجاهلية الأولى ! ولهذا فقد شيد الإخوان دولتهم الخاصة بمؤسساتها التعليمية والصحية والتجارية والإعلامية والمخابراتية التي لا يعمل فيها إلا أهل الثقة والطاعة، وسيد قطب هذا هو من أصل للفكر الانقلابي والثوري عامةً، لهذا فأغلب الجماعات الجهادية المتشددة التي انشقت عن الإخوان وأخذت تكفر وتقتل الجميع كالقاعدة تعتبر كتابات سيد قطب مرجعا فكريا لها وقد بلغ به الحد من السفه إلى أن قال: أن الثورة التي انتهت بمقتل الخليقة عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت تنبع من صميم روح الإسلام. وسيد قطب هذا لم يكن فقيها ولا دارساً للشريعة بل كان ناقدا شعريا وأديبا أنظم لجماعة الإخوان بعد عودته من دراسة الفلسفة في أمريكا ولهذا يصدق عليه القول (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) حتى أن كتاب التفسير الذي ألفه وسماه (في ظلال القران) يزخر بالمخالفات العقائدية الجسمية التي يعذر بها لجهله ولكن لا يمكن أن يُبرر له جرأته على القول في الدين بغير علم وانظر على سبيل المثال لا الحصر تفسيره سورة الإخلاص التي قال فيها بالحلول وأحادية الوجود.
إن تتبع ذلك الخرف والعبث والخبط الفكري هي حُجة أدعياء الحداثة والعلمنة لينفروا الناس من التدين ومن المتدينين قائلين لهم: (انتبهوا لهؤلاء الملتحين فلا هم لهم عدا البحث عن المبررات لتكفيركم وذبحكم على الطريقة الإسلامية، انظروا كيف يكفر بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وكيف تدعي كل جماعة منهم الفهم والتطبيق الأمثل للإسلام والأحقية بتمثيله وانظروا كيف لا زالوا يتجادلون كالمغيبين فيما شجر بين الصحابة قبل 14 قرن وأيهم كان أحق بالخلافة وانظروا كيف يسوقون الشباب نحو الهاوية باسم تحكيم الشريعة وباسم نصرة الإسلام. وانظروا.. وانظروا..) والحقيقة أن الإسلام العظيم بريء من هؤلاء المتمسحين بعتباته اللاهثين وراء المناصب والكراسي عديمو المصداقية وهذه ليست مجرد اتهامات ولكنها حقيقة لها شواهد كثيرة، ولذلك لا تستغرب إن رأيتهم يصافحون بيد ويطعنون بالأخرى ولا تُدهش إن سمعتهم يناقضون اليوم ما قالوه بالأمس وإليك بعض الشواهد :
1- السلمية التي يتغنون بها لا يلجئون لها إلا في موقف الضعف أما إن امتلكوا زمام القوة فهم أول من يهرع للسلاح، ويدل على ذلك اعترافهم بالاشتراك في القتال الدائر في ليبيا وسوريا. واقرأ إن أردت التاريخ الأسود للتنظيم الخاص الذي أنشأه حسن البنا ومدى عنف وإجرامية الاغتيالات والتفجيرات والعمليات السرية التي قام بها التنظيم الذي كان يعتبر نفسه في تلك الفترة هو القانون وهو الدولة,
2- الديمقراطية والحرية التي يقدسونها ليست إلا وسيلة للتشهير بالخصوم والتحريض ضد الحكومات وزعزعة استقرار الدول أما إن أقترب أحدهم من الجماعة باسم حرية التعبير فعندئذ ترى الشتائم تنهمر عليه من كل حدب وصوب ليتهم بالجنون والنفاق وسوء الطوية والعمالة والجاسوسية وبأنه يبحث عن شهرة ومال.
3- يتهمون الحكومات بالخيانة لتعاملها مع أمريكا أو لتوقيعها المعاهدات مع اليهود ولا يتحرجوا من فعل قياداتهم لنفس الأمر وانظر لخطاب مرسي الحنون لرئيس وزراء إسرائيل والذي استهله بلفظ (صديقي بيريز) وانظر للقاءات قياداتهم المتكررة مع السفير الأمريكي وابتساماتهم الدافئة لبعض التي لا يستهجنها منهم أحد من باب حسن الظن ! ناهيك عن تحالف تركيا العسكري مع الناتو وتعاون قطر الاقتصادي مع اليهود وموقف إخوان العراق عقب الاحتلال الأمريكي ورفضهم الاشتراك بالمقاومة وتعيينهم مندوبين في المجلس الانتقالي بقيادة بول بريمر.
4- أفتى شيوخ الإخوان بأن النار التي أحرق بها بوعزيزي نفسه نار مقدسة ستلتهم عروش الطغاة والمستبدين وستقتلع أعوانهم وستحرق جيوشهم وصعد القرضاوي على المنبر وراح يستعطف ويستنجد أمريكا ومجلس الأمن ! وصدقته الشعوب المسكينة فبلغ أعداد الضحايا من الأبرياء في سنوات قليلة ما لم تقتله إسرائيل خلال سبعين سنة \"وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون\" ومن أعجب العجب أن بعض قيادات الإخوان يمتلكون من الشركات والعقارات ما لا يصدقه عقل ومع ذلك لا يستحوا من التحدث باسم الكادحين والفقراء ! وعموما ففد أتفق أئمة السلف وفقهائهم على وجوب العمل بما اصطلح عليه سد الذرائع الذي يقول بقطع الوسائل التي يمكن أن تؤدي للإفساد في الأرض ولو كنت ترى أنها مندوبة أو مباحة، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما هو معلوم.
5- يغيرون ويبدلون فتاواهم بين غمضة وأخرى ويقولون الواقع تغير والمصلحة توجب التجديد ولا يدري المستمع ما المصلحة المقصودة ؟ فطاعة ولي الأمر واجبة والخروج عليه لا يجوز إن كان من الإخوان عدا ذلك فهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد في سبيل الله وفرض عين ! والمثال القريب هو الزنداني الذي اشتهر بإطلاق الفتاوى الغريبة كإباحة زواج الفريند وبمقولته الشهيرة للمعتصمين (أحرجتمونا أحرجتمونا ! تستحقون براءة اختراع) وقد بلغ به الاستخفاف بعقول من حوله حتى زعم في مؤتمر صحفي أنه اكتشف دواء لبعض الأمراض المستعصية كالإيدز والسرطان التي عجزت عن علاجها أحدث مراكز الأبحاث في الجامعات الأوروبية والأمريكية وأنه يريد (براءة اختراع) بالمقابل حتى يكشف عن تراكيب تلك الوصفات الطبية المزعومة والعجيب أن شيخنا العبقري هذا لم يكمل سنته الثانية في دراسة الصيدلة فماذا كان سيخترع إن أكمل الماجستير أو الدكتوراه !
6- فيهم جرأة عجيبة على القول على الله بغير علم بدعوى أن الشخص يستحق المثوبة ولو كان مخطئا لمجرد شرف المحاولة حتى لو كان اجتهاده فاسد الاعتبار لمخالفته القران والسنة ولهم في ذلك طرق مبتكرة لتمييع الأحكام وتتبع الرُخص والزلات والاستشهاد بأقوال سين أو صاد من القيادات على أنها كلام منزه عن الخطأ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم \"إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الناس ولكن ينزع العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا\" وقد صرنا إلى هذا فبلغ الاستخفاف بالدين حتى قال فيه كل من ناعق أحمق يضع عمامة ولحية ويحفظ ثلاثة آيات وأربعة أحاديث ! وقد كان الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم يتهيبون من أمر الفتوى على غزارة علمهم وشدة ورعهم حتى إذا لم يجد الواحد منهم بداً تكلم وهو يرعد ويعرق وقد امتقع لونه وقد قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله \"من تكلم بشيء من العلم وهو يظن أن الله تعالى لن يسأله عنه يوم القيامة فقد هانت عليه نفسه ودينه\" وقيل لأحدهم: ألا تستحي من قول لا أدري وأنت فقيه أهل العراق فقال: لكن الملائكة لم تستحي أن تقول سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، وورد أن أحد الأئمة سئل في مسألة وبعد أن ذهب السائل فكر فعلم أنه أخطأ فبحث عن صاحب الفتوى فقيل له أنه من قرية تبعد أربعة فراسخ فسافر إليه واكترى مناديا ليطوف قائلا: أن فلان سُئل يوم كذا فأخطأ فأين صاحب الفتوى حتى وجده وأعلمه بالصواب وكان بعدها إذا سئل عن شيء تمهل وقال: ما في قوة عندي أسافر أربعة فراسخ!
7- شعار (تحكيم الشريعة) الذي يتغنى به الإخوان لا يصدقه سلوك الجماعة، فلم يطبق الإخوان الشريعة في تركيا ولا في مصر عندما حكموها فرخصوا للمراقص والكباريهات للعمل ثلاث سنين بينما كان نظام مبارك يرخص لها سنة واحدة، حتى قال مرسي في مقابلة تلفزيونية موجودة في اليوتيوب (أن تطبيق الحدود ليس من الشريعة بل هو من أحكام الفقه الخاضعة للخلاف والإجتهاد والتعديل حسب الحاجة والمسألة تحتاج للنقاش والتوافق حولها والمزاج العام للشعب المصري مع الإسلام) ! أما عصام العريان فقال جازماً (لا يوجد حلال وحرام في السياسة) وكان أبو الفتوح قبل أن يستقيل من الجماعة يقول (أن شعارات المصحف والسيف والقران دستورنا شعارات أدبية وعاطفية فقط)
يقول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عارُ عليك إذا فعلت عظيم.. لكن الشبهات والتعصب للأهواء والأشخاص والأحزاب تعمي المرء عن رؤية الحقيقة وتصده عن إتباعها، يقول تعالى \"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة\" و\"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم\" وفي الحديث \"فمن اتقى الشبهات فقد إستبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام\" و\"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك\"
إن الإصلاح المنشود لا بد أن يؤسس على قاعدة متينة قوامها العلم والأخلاق ومن هنا تكمن أهمية النصيحة لتصبح هي الدين فالدين النصيحة كما في الحديث الشريف، إن الإصلاح الحقيقي لا بد أن يبدأ من الذات باستشعار أهمية التقوى وإصلاح النفس قبل الدعوة لإصلاح المجتمع فـ \"إن أكرمكم عند الله أتقاكم\" و\"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم\"