كيف فشلت مخططات القصر الجمهوري في احتواء تسونامي التغيير
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و يوم واحد
الإثنين 18 إبريل-نيسان 2011 06:39 م

تعيش الساحة حراك شعبياً بامتياز تتجذر مطالبه في كلمة لا تتعدى أربعة أحرف \"ارحل\" أو في جملة لاتتعدى أربع كلمات \"الشعب يريد إسقاط النظام\" ومابين الكلمة والجملة آلاف من الجرحى ومئات من الشهداء, فجرت الكلمة البسيطة شلال من دم عمد معناها, وفي المقابل ولدت الكلمة أكوام من الهستيريا الجنونية في أروقة برجوازية جمعت بين الثروة والسلطة ورأت في كملة دخيلة على قاموس حكم بلغ من العمر عتيا خطر يهدد استمرارية بقائها كمصاص لثروات الوطن الكبير فأعدت عدتها على عجل لتكون النهاية خطط فاشلة لم تستوعب مجريات مايجري على الأرض.

الإرباكات كانت كثيرة أفقدت القائمين على المخططات معرفة الطريق الصحيح, فاعلان عددا يفوق الخمسين شخصاً من أعضاء الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام الانضمام إلى ثورة الشباب وتأييده لها, غير مسار حزب عريق يحكم البلد منذ تسعة وعشرين عاماً, واقتضى ذلك تغيير المسار الجديد ورسم خطط بديلة, وما إن تم الانتهاء منها والبدء تدشين المخطط الجديد حتى كانت استقالة وزيري الأوقاف والسياحة قد شكلت منعطفاً أخر في مسار ثورة الشباب, وصنعت أمام صناع القرار تحدٍ حقيقاً, فبادر علي عبد الله صالح إلى حل الحكومة وتكليفها بتسيير الأعمال خوفاً من سيل الاستقالات الذي توالى حتى بعد إقالة الحكومة, عندما أعلن وزير النقل استقالته من حكومة تصريف الأعمال, ومع تواصل سيل الاستقالات الذي أربك صانعوا القرارات الرئاسية كان صالح يراهن على القوات المسلحة التي قال عنها ذات يوماً بأنها ستقاتل حتى أخر قطرة دم دفاعاً عن الوحدة والجمهورية, و لم يكن صالح يقصد ذلك بالطبع , إذ أن ظاهر كلامه يوحي بحرصه على الوطن بينما باطنه الخفي يقول أن الجيش سيدافع عن كرسي الرئاسة حتى أخر قطرة دم.

كان الرهان على الجيش هو الرهان الأقوى لدى صالح باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة, وبالتالي كان هناك خطين متوازيين للتعامل مع الأزمة, أولهما: أن يتم الزج بالبد في حرب أهلية , وبدلاً من أن يتم الحديث عن التغيير والرحيل ينشغل الجميع ببناء متارس الحرب على قمم الجبال, ويترك الشباب ساحات الحرية والتغيير, في تسارع لتلبية نداء داعي النجدة وبالتالي تصبح ساحات الاعتصام اثراً بعد عين , وبعد أن كانت تصبح حافلة برواد التغيير تمسي خاوية على عروشها, وعندئذ يعمل صالح على ترتيب أوراقه من جديد تمهيداً لبناء تحالفات جديدة على أسس متغيرة عن تلك التحالفات التي بنيت طيلة العشرين عاماً الماضية , وخصوصاً بعد أن اكتشفت صالح أن المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه لم يقم على أسس الولاء بقدر ماقام على اعتبارات المصلحة , وعمليات الاختراق الممنهج من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي كشفت سوءة النظام بعد توجيهات عليا من قيادة \" التجمع اليمني للإصلاح\" لعدد من أعضاء الحركة المنخرطين في الحزب المخترق \" المؤتمر الشعبي العام\" بسرعة الانضمام لثورة الشباب.

كان هذا هو الخيار الأول – الحرب الأهلية - الذي عمل \" صالح \" على تجسيده إلى واقع ملموس على الأرض, وقد فشل الرهان على الخيار هذا بسبب عدم استيعاب القائمين على سيناريوهات الصراع للمتغيرات التي طرت على المنطقة العربية بشكل عام واليمن بشكل خاص , إذ أن تكنولوجيا المعلومات وتسارع التقنية في وسائل الاتصال قعد عملت على تغيير العقلية التقليدية في اليمن من عقلية القبيلي الثائر إلى عقلية المتعلم المسالم, وحولت فزاعة الخوف إلى وسيلة للتحدي, واكتشف \" صالح \" أن فزاعة الحرب الأهلية اسطوانة مشروخة لم تعد تستوعبها التغييرات المتلاحقة هنا وهناك على أكثر من صعيد, ومثلها تهديدات الانفصال التي أصبح الجميع يرى أنها خدعة لم تعد تنطلي على احد, وبات في حكم المؤكد بعد كل هذا أن اللجوء إلى مصطلحات المناطقية والطائفية خيار فاشل, وتخويف الغرب بان اليمن قنبلة موقوتة انتقاداً جناه \" صالح \" على نفسه ليصبح في نظر الآخرين \" حاكم فاشل \" , وكانت ثالتة الأثافي كما يقال أن يكتشف اليمنيون بعد 33 عاماً أن صالح لم يرسي دولة مؤسسات, بل عمل على صنع قنبلة موقته.

ثمت خيار أخر كان بديلاً لسابقة الذي اثبت فشله , يتمثل في سحب وحدات الأمن العام والمركزي والنجدة من عواصم المحافظات إلى عاصمة الجمهورية لتعمل مع قوات الحرس الجمهوري على حماية القصر الجمهوري ودار الرئاسية بالإضافة إلى المواقع الهامة والوزارات السيادية, بينما يتم إقحام الجيش في مواجهات مسلحة مع الشباب المطالبيين بالتغيير خارج أسوار العاصمة صنعاء ويتكفل الأمن المركزي وكتيبة المهمات الخاصة بالحرس الجمهوري بمهمة إخلاء ساحة التغيير \" ساحة الجامعة الجديدة \" وهو السيناريو الذي عمل صالح على تنفيذه وتحويله إلى واقع ملموس وبدء تنفيذ هذا السيناريو المقزز يوم الجمعة 18 مارس .

بدئت مجموعة من كتيبة المهمات الخاصة وبعض وحدات الأمن المركزي بمساندة بلاطجة محسوبين على المؤتمر الشعبي العام بتنفيذ المهمة بعد صلاة جمعة \" الكرامة \" 18 مارس وأدت هذه الجريمة التي أثارت استنكار الرأي المحلي والدولي إلى استشهاد 53 شاباً وجرح أكثر من ستمائة وعشرين شخصاً, وإذا كانت الاعتداءات السابقة قد انحصرت في قنابل الغاز المسيلة للدموع التي اتضح فيما بعد أنها قنابل سامة قدمت من الولايات المتحدة الأمريكية كمساعدة لليمن في إطار الجهود المشتركة للقضاء على مسمى \" الإرهاب \" بالإضافة إلى أن معظم تلك القنابل كانت منتهية الصلاحية, فان استخدام القناصة قد اخذ بالأمور في منحى أخر اشد تعقيداً .

كان سوء التصرف في التعامل مع الأزمة قد جعل هذا الخيار خيار له تأثيراته السلبية التي أحدثت شرخاً لايلتئم في المؤسسة العسكرية, بعد أن أصبح \" صالح \" أمام خيارين أحلاهما مر أما مواجهة الشباب العُزل بالة الدمار والموت أو الرحيل بحثاً عن مكان آمناً كذلك المكان الذي اختاره زين العابدين بن علي بعد ثورة الشعب التونسي.

زنقة النظام الأشد حرجاً

 

نظراً لتداعيات أحداث الجمعة 18 مارس بدئت الأمور تتجه في مسار تضييق الخناق على صالح, وكانت ابرز تلك التداعيات هو انضمام الجنرال الأقوى في الجيش أو الأب الروحي للجيش – كما يروق للبعض أن يسميه - اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع إلى ثورة الشباب وتأييده لمطالب الشباب, وتعهده بحماية المعتصمين السلميين يوم الاثنين 21 مارس والذي ترتب عليه انضمام قيادات عليا في الجيش إلى ثورة الشباب أمثال اللواء عبدالاه القاضي قائد محور العند, وعلي بن علي الجايفي قائد لواء العمالقة, وصالح الظنين المستشار العسكري للقائد الأعلى للقوات المسلحة, واللواء عبد الله علي عليوه, ومحمد علي محسن قائد المنطقة الجنوبية الشرقية, وحمود القشيبي, والطيار يحيى محمد إسماعيل, وفيصل رجب, وجواس وعدداً كبير من قادة وضباط الجيش , بالإضافة إلى إعلان عدداً من السفراء في الخارج تأييدهم وانضمامهم لثورة الشباب السلمية المطالبة بتنحي \" صالح \" وأبنائه وأبناء أخيه من سدة الحكم.

بعد انضمام الجنرال الأحمر وعدداً من قيادات الجيش إلى ثورة الشباب لم يعد الحديث عن إقحام الجيش في صراعات مع الشباب خارج أسوار العاصمة , أو تهديدات الأمن القومي وشائعات الأمن السياسي باقتحام ساحة التغيير في هجوم مباغت أو شيء من هذا القبيل .

بهذا أصبح الوضع اشد خطورة وانتقل إلى ماهو اشد ضيقاً وحرجاً وأصبح صالح محشوراً في زاوية ضيقة, وقد يبدوا انه يعيش اسواء أيامه وأتعسها وبظروف سيئة لم يمر بها أحدا من زعماء اليمن الذين سبقوه إلى منصب الرئاسة , وعلى نفس الطريقة التي عاشها حسني مبارك والتي أدلى بها في محضر التحقيقات في مستشفى شرم الشيخ, إضافة إلى ذلك فان تصعيد الشباب اعتصاماتهم وتحويلها إلى مسيرات مليونية في تعز وصنعاء, وضخ حشوداً كبيرة في محافظات الحديدة والبيضاء والمكلاء وعدن وذمار, مع احتفاظ الشباب بافتراش الميادين والساحات العامة.

لا يفتى النظام يطرق أبواب مخارج الطوارئ هروباً من الأزمة في سبيل احتفاظ صالح بمنصبة الرئاسي, ولو كان ذلك الباب خطراً يمنع الاقتراب منه حتى يطرقه, في تجلٍ واضح إلى مستوى الهبوط والإفلاس السياسي في معالجة الأزمة التي لن يكون حلها بغير \" الرحيل \" , هذه المرة جاءت فكرة الاغتيالات السياسة التي مابات النظام يلجئ إليها للتخلص من مصادر الخطر ضده , والتي كان من نتائجها اغتيال جارالله عمر الكهالي ويحيى المتوكل واحمد الغشمي ومحمد إسماعيل واحمد فرج وعوض السنيدي وآخرين .

الخطر يبدو أن مصدره هذه المرة اللواء علي محسن الأحمر المنافس الحقيقي لكرسي الرئاسة بحسب تصور صانعوا القررارات في القصر الجمهوري, الذي يحظى بتأييد قبلي وعسكري وديني واسع النطاق, فقرر النظام الترتيب لحادثة الاغتيال الفاشلة التي جرت يوم الثلاثاء 5 ابريل, إمام بوابة الفرقة الأولى مدرع والتي أدين فيها ضباط في الحرس الجمهوري والأمن المركزي, ولم تكن هذه هي الحادثة الأولى للتخلص من الجنرال القوي بل سبقتها عشرات المحاولات في صعدة وصنعاء, وكان أخرها ماكشفته وثائق ويكيليكس عن تحديد إحداثيات خاطئة للطيران السعودي بهدف القضاء على الجنرال الذي مابات ينظر إليه بأنه حجر عثرة في مشروع التوريث الذي كان صالح يعد له العدة.

وقد تزامنت محاولة الاغتيال هذه مع استيلاء شباب الثورة في صنعاء على خمس سيارات مجهولة كان يستقلها بلاطجة يتبعون الحزب الحاكم, وجد بداخلها مخططات لاغتيال شخصيات اجتماعية وسياسية بارزة, وبإشراف بعض من أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام, وكان مكتب الشيخ حمير الأحمر نائب رئيس مجلس النواب قد ألقى قبل حوالي شهر تقريباً القبض على مجموعة من أفراد الأمن القومي يقومون برصد منازل المعارضين السياسيين , إضافة إلى ماكشفته الرسالة التي أرسلها الشيخ صادق الأحمر إلى \" صالح \" والتي قال فيها أن هناك مخطط لاغتيال قيادات سياسية وعسكرية واجتماعية وان تنفيذه سيكون الحالقة.

وأخيراً باعتقادي أن انكشاف سيناريو الاغتيالات قد دفع بالرئيس وزبانيته في جمهورية السبعين و القصر الجمهوري إلى مخططات أخرى اشد فتكاً, وهي خطط لاتعتمد على القوة الحديدية والقمع بقدر ماتعتمد على اللطف وحيل المكر والخديعة, وهذا ماسنكشفه في تقرير الأسبوع القادم بمشيئة الله.