كيلو 16 ...
بقلم/ أحمد غراب
نشر منذ: 14 سنة و 3 أسابيع
الأحد 05 ديسمبر-كانون الأول 2010 08:39 م

نوادر المخبرين في بلادنا أكثر من أن تعد فعلاوة على أنهم مثل الملح في كل طبخة اينما سرت وهم تجاهك، فهناك مخبر يرافقك مثل ظلك ويسكن غالبا وسط جيبك اسمه التلفون فهو مراقب وما تلفظ من قول الا لديك رقيب عتيد وربما اذا أنت صحفي يسجلوا كل مكالماتك ابتداءا من مكالمة صاحب الوايت والمقوت وصاحب البقالة مرورا بكل المكالمات الشخصية من اس اس السلام عليكم حتى شيل الواد مِ الارض وادي الواد لأبوه، مكالمات ليست لها أية علاقة من قريب أو بعيد بالوطن أو السياسة أو الأمن أو التمرد أو عجلة التنمية.

تقرير رقم 1: (إنه في الساعة الواحدة ظهرا اتصل المدعو عبده أفلاطون صاحب عربية البطاط في الصافية بأمه في القرية وقال لها ألوه فردت عليه غاضبة :«ناهي لك يا عبده ما ذلحين قد انا «الوه» ما عادناش «امك» ...).

سؤال حلقة «من سينزل البدروم؟ يقول : ماهو المكان الذي لايوجد فيه مخبر؟

بعد طول تفكير أجبت: « عنبر المجانين» فإذا بي أكتشف أن نص المجانين اللي في صنعاء «مخبرين» واحد يدهن نفسه بسليط ترتر وثاني يولف مغاريف .. والثالث ماسك تلفون من حق الجهال ويمشي في باب اليمن وهو يهتف « كلم كلم» ، وهذا هو التلفون الوحيد غير المراقب.

قبل مايقارب الثلاثة أعوام كنت ألمح شخصا بدا لي للوهلة الأولى أنه مجنون يرتدي ملابس ممزقة يفترش كراتين على بعد أمتار من الشارع ويدهن نفسه بزيت أسود وينام على الرصيف ولفت انتباهي أنه كان يتواجد في توقيت محدد من بعد العاشرة ليلا وكأنه في دوام رسمي.

وكنت أسأل نفسي دائما: «كيف بيأكل هذا الآدمي؟»، وبعد الاستقصاء تبين أن رزقه يأتيه إلى أحد براميل القمامة بدءا من الأكل وصولا إلى علاقية القات.وكنت كلما يممت يمينا أو شمالا أجده أمامي، وذات ليلة وبالتحديد قبيل العيد بيومين كنت أتمشى في الشارع والبرد في شدته فوجدته يتمدد على الرصيف بحركته المعهودة فضحكت وهتفت بتلقائية :«كم بيدوا لك على هذه الجعجعة والله لو يدوا لي مليون بالشهر ما اجلس وسط هذا البرد وافلت جهالي في العيد». فارتسمت ابتسامة ذكية على وجهه ونهض من مكانه وانصرف.

بعد اسبوع كنت راكب باص فلمحته وقد انتقل إلى شارع ثاني وممدد على رصيف أمام أحد المحلات فخرجت رأسي من طاقة الباص وهتفت :«مكانك ما رضيت تعقل».

وحصل قبل فترة اني كنت متعود اسير إلى إحدى البوفيات اشرب حليب وكان يوجد شخص كان يعجبه كلامي وكان يسميني «النابغة الغرابي» وينتظرني يوميا حتى أصل وهات يا أسئلة وكأننا في استديو إذاعة لندن، وايش رأيك في الاوضاع ، وماذا تقول في ... وما هي رؤيتك للـ ... أسئلة كلها أبو أسد أقل سؤال منها يركبك موتر طريق صحراوي.

وانا أشبّ رأسي وامكنها طحطحة وتحليلات ولاعبده أفلاطون.

بعد فترة سرت البوفية ما حصلته فاستغربت ووجدت شخص مكانه سألت صاحب البوفية أين سار صاحبنا اللي بيجلس هنا؟ فأجاب الشخص اللي جالس مكانه وكأنه يتحدث عن أدهم صبري الرجل المستحيل:

 « معه مهمة خاصة»!

فضربت على صدري وهتفت: ليش ايش بيشتغل؟

ـ أكبر حرّبي في المنطقة

فهتفت على طريقة عادل إمام: «دانا باخاف من النامس يطلع لي حرّبي».

دااااانا غلباااان !!

ومايميز المخبر عندنا عن بقية المخبرين في العالم هو انه مخبر مجعجع، حالته تصعب على الكافر ، يتسلف حق المواصلات سلف ، وقد تجده مكلّف بمراقبة واحد كل شوية يقول له « عزي ، معك حبة شقارة» ، وقد يدخل جامع في مهمة وطنية فيسرقوا عليه الاحذي ويخرج بلا احذي ويمشي حافي وهو يردد العبارة المأثورة :«من راقب الناس مات هماً».

يميزه أيضا أنه «مخزن» يعني المخبر في أي دولة في العالم لاقدوه مجنون يسوي تقرير ثلاث صفحات في حين المخبر عندنا يخزن بعلاقية قطل ويقتلب عبده الزمخشري ويألف فيك كتاب، فيجعل صاحب العربية عبده ربل أخطر من " سفاح تكساس" ، ويحول من عربية البطاط دبابة ومن طاسة السحاوق قنبلة بسباسية.

إن حماية الوطن مسؤوليتنا جميعا وأمنه هو أمن لنا ولأطفالنا ولمستقبلنا ونحن أول من يطالب بالرقابة على الناهبين والمتهبشين والمخربين والارهابيين، لكن أن أكتشف كمواطن أو كصحفي أن هناك من يتنصت على مكالماتي الشخصية فذلك سوء استغلال للمسؤولية وانتهاك للقيم والأعراف والمبادئ الاسلامية والوطنية والحقوق الدستورية قال تعالى :«ولاتجسّسوا...».