في النهاية لا خيار سوى خيار المقاومة
بقلم/ طه الحاج علي الإدريسي
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 4 أيام
الإثنين 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 04:13 م

أمامنا الكثير من العراقيل كعرب ، وبلداننا العربية في بداية النفق كما يبدو ، الأنفاق هنا ليست وسيلة حضارية بل وسيلة خاصة نستخدمها دون غيرنا في البحث عن أفق لكل المشاكل التي تعصف بنا وهو بحث في المقلوب ـ نبحث عن أفق بالأنفاق ..نبدأ من العراق نفق العراق يبدو بلا نهاية .. لم يعترف المتحكمون في العراق بالديمقراطية ولم يقبلوا بالديكتاتور ولا يحبوا المقاومة ، الإحصاءات في العراق تشيب لها الرؤوس من عدد القتلى إلى الجرحى إلى الأسرى إلى الأرامل إلى اليتامى هذا بالإضافة إلى الحالة الصحية المتردية والنقص الكبير في الغذاء والماء ، فمن شاهد العراق قبل الإحتلال ويشاهدها الآن يدرك حجم المأساة الحقيقية ، وكم أن لعنة التاريخ ستصيب كل من أدخل الأمريكان أو أسهم في إدخالهم ومن حكم تحت إمرتهم ،ويرى كيف أن العراق اصبح مرتهنا للخارج ولم يعد ثمة دولة أصلاً ، العراق تاريخاً وحضارة وعمارة وصناعة وعقل كل هذا أنتهى بتفكير رهط من العراقين المعارضين المؤيدين بأيدي أسرائيلية وأطماع أمريكية أوربية ..

ليس ثمة خيار سوى المقاومة ، وهي هنا كما يراها أصحابها..

لبنان بلد يعيش على الحافة باستمرار، ربما تعود البلد على ذلك ، يرقد هذا البلد في مكان توقد فيه النيران باستمرار بسبب التعدد الطائفي والثقافي ، من ينظر إلى جمال لبنان وثقافة اللبنانيين يدرك أن هذا البلد أيضاً فيه من الحكمة ما يوازي ما فيه من الطيش السياسي والطائفي ، وفيه فقط تجتمع الحكمة والطيش ، الرعونة والعقل ، إنه بلد المتناقضات ، تستطيع أن ترى لبنان من خلال خطابات الزعامات في لبنان ، خطاباتهم تجعلك تحلق في فضاء سياسي ثقافي فريد ، الكل يحشد الجماهير في الساحات ليحدثهم عن رؤيته السياسية والثقافية والدينية أحياناً ويعباً الرأي العام ، والكل يقبل بالآخر كما هو في النهاية ، في هذا البلد ليس بالضرورة أن يكون رئيس الوزراء متوافق مع الرئيس في التصريح والخطاب والتحرك ، وليس بالضرورة أن يكون رئيس مجلس النواب متوافق مع الإثنين ، لكن طبيعة لبنان والإتفاقيات الموقعة بشأن هذا البلد تجعله وطناً مختلفاً تماماً كما يبدو ، كما أن التدخل المستمر في شؤونه أيضاً دليل على قوة هذا البلد والتي تكمن في قربه من الكيان الإسرائيلي، فهناك من يريد لبنان كيان عربي مشارك في قضايا العرب وهناك من يريده لبنان آخر ، هذا العدوان والتدخل في شؤون هذا البلد يتم من طرفين الطرف المؤيد للمقاومة والطرف المؤيد للتطبيع بالإضافة إلى تطويع المقاومة وهنا يكمن خطر الطرف الثاني ، حين يريد أن يلغي المقاومة التي كبدت الإسرائيليين خسارة سياسية فادحة في حرب تموز2006م باعتراف الكيان اللقيط ، والإنجرار وراء وهم السلام ، السلام الذي يدمر أوطان العرب ليعيش الكيان الإسرائيلي ،السلام الذي يحمي طرف ويلغي جميع حقوق الطرف الآخر ، ليحدث الإستسلام والخنوع وكأن المسألة مسألة خيار وخيار وحيد وبدون هذا الخيار سوف يخسر الناس كل شيء وهنا تكمن المهزلة إذ كيف يخسر من لا يملك شيئاً ؟ السودان بلد الثروات والتعدد العرقي والثقافي ، يسوده القلق والتوتر ، فقد اقترب موعد الإستفتاء على إنفصال شمال السودان عن جنوبه ، العرب في حالة ترقب والعربي لا يحب أن يرى بلد عربي يتقسم ، إنها من سمات العربي ، ولا يمكن أن ينتهي بعربي يهمه الشأن العربي والوحدة العربية للموافقة على إنفصال جنوب السودان عن شماله وجعل الجنوب منطقة للعبث الإسرائيلي ..أخطاء الدولة السودانية فادحة والشريك الجنوبي لا يريد أن يقر بما أقر به سابقيه ، أحياناً كثيرة يحكم على الإنفصاليين بالإعدام خاصة بعد أن يقتربوا كثيراً من الوحدة ، كما يحكم على رواد السلام بالإعدام حينما يبتعدوا باتجاه المقاومة ، إنها معادلة خطيرة تحذر من الإنجرار إلى ما لا يجب التراجع عنه في نظر الكيانات الكبيرة التي تعبث في المنطقة العربية ..

التآمر قائم والأخطاء قائمة ، فحينما يرى أحد الأطراف في بلد واحد نفسه مواطن من الدرجة الثانية ويرى أن هناك مواطنين من الدرجة الأولى يتمتعوا بامتيازات خاصة ومعاملة خاصة وشؤون خاصة ومستشفيات خاصة وحقوق خاصة فإن الأمر يتدرج من تذمر إلى كره مضمر ، إلى عداء مبطن ، إلى عداء ظاهر، إلى ثورة عارمة يصعب التراجع عنها في ظل توسع دائرة المطالب ، وعندما تتوسع دائرة المطالب يصعب على الحاكم تحقيق بعضها ، بينما كان يمكن أن تحل تلك ولا تزال بجملة من القرارات الصادقة والقرب من مشاكل المساكين الذين ننصر بهم والتخلي عن فئة الأقوياء الذين يبررون ما يصنعون لكي يستمروا كما هم في مراكزهم..

وصل الحد في بلد متعدد كالسودان إلى إقرار الإستفتاء على إنفصال الجنوب ليطرح هذا الإستفتاء سؤال أهم من الإستفتاء نفسه ، هو ماذا بعد الإنفصال ؟ لا أظن أن السلم سوف يكون واقعاً بعد الإنفصال فستكون الأمور أسوأ بكثير كما أنها ستكون في حال تم إقرار الوحدة ، الإستفتاءات العربية غير مضمونة النتائج ، وليس اسهل من إطلاق التصريحات بأنها استفتاءات مزورة في حال فوز الوحدويين واللجوء إلى الخيار المسلح الشمالي من أجل إقرار نتائج الإستفتاء بالقوة والجنوبي من أجل تحقيق الإنفصال بحالة الشغب والسلاح ،إنها سمة عربية ولن يكون هناك ملجأ سوى خيار تقاسم الدولة السودانية بين شريكي الحكم في السودان ليتم إشراك الجنوب السوداني في الحكم والثروة مع الحفاظ على وحدة هذا البلد ..

مصر أم الدنيا كما كان يقال ، الأفضل لكلمة الدنيا أن تكون الدنية لنشرح الواقع المصري الحالي ، تحاصر مصر غزة وتغلق الأبواب أمام أهالي القطاع ، والمصالحة الفلسطينية مرهونة بتعقيدات صناعة مصرية ، والتعذيب في السجون لا حدود له ..

تتخلى مصر العربية عن قضايا العرب شيئاً فشيئاًو مخاوف الساسة المصرين من إستطاعة إسرائيل عزل مصر عن العالم العربي قد تحققت و الكيان الإسرائيلي متكئاً ومرتاحاً من السياسة المصرية وهذا ما يهم الرئيس المصري ،هذا الإنتقال للمراكز المتأخرة بالنسبة للسياسة المصرية مدفوعاً بعامل مهم تدعمه القوى الغربية ويغذيه الإعلام السلطوي ويغزله النخب ألا وهو الإستبداد السياسي الذي يقمع الحريات ويجعل من السجون الوسيلة المثلى لإخراس الألسن وتجميد العمل الوطني ، كما أن الدولة المصرية وهي المهمتة ً بالشأن السوداني لديها ممثل للجنوب السوداني في مصر وتبدو مصر أول دولة عربية سوف تبارك إنفصال الجنوب في السودان في حال تحققه ، فبعد أن كانت مصر هي التي تغذي الوحدة أصبحت مصرأكثر إسترخاء عندما تسمع عن الإنفصال في غزة أولاً والجنوب السوداني ثانياً ..

في الأيام الأخيرة قمعت الدولة المصرية الإخوان المسلمين ومنعتهم من رفع شعاراتهم الدينية في إنتخاباتهم التشريعية وحزب الوفد يتحدث عن مقاطعة الإنتخابات في حال إحتكار الإعلام على شعارات الحاكم ،وكما تهاجر الدول نحو مستقبل زاهر لأبنائها فإن مصر تهاجر إلى الظلام وليس ثمة مستقبل يلوح لأبناء مصر بعد أن أصبح المصري يوصف بأوصاف ما وصف بها منذ قرن تقريباً ..

عموماً لا أحد يستطيع أن يعالج مشكلة مستبد في تهيئة ضميرة ليحس بشعبه بعد أن وصل بهم الإتقان إلى تركيع الشعوب ومحاولة إخراصها بثلاثي العسكر والفقر والتخلف سوى خيار وحيد ووحيد فقط هو المقاومة ، المقاومة ليس بالسلاح ولكن بعدم طاعة المستبد والإنصياع لأوامره..