في الهجمة على السعودية
بقلم/ سوسن الشاعر
نشر منذ: 5 سنوات و 11 شهراً و 5 أيام
الإثنين 21 يناير-كانون الثاني 2019 07:52 م

 كانت من أكثر الأدوات التي عززت ثقة المواطن الأميركي بالسلطة في الولايات المتحدة الأميركية «الدراما»، وهي فن من الفنون الثقافية.

وقد صور مثقفوها أجهزة الدولة الفيدرالية كالبيت الأبيض والقوات الخاصة والجيش ووكالة الاستخبارات والأمن... وغيرها من الأجهزة، كمؤسسات بطولية قوية، بل خارقة أحياناً. وساهمت تلك الأدوات الثقافية في نشر القيم والمبادئ الأميركية من وجهة نظر سلطوية، خاصة محاربتها للفكر الشيوعي المناهض.

ولم يكن ذلك يجري عشوائياً أو اعتباطياً من قبل المؤلفين، بل بتعاون تام مع تلك الأجهزة التي تبنت استراتيجية وطنية شاملة، تسخّر لها منظومة أدوات تعزز الهوية الوطنية، وتعزز الثقة بالسلطة الاتحادية وبقدرتها على حماية الشعب والحفاظ على أمنه، ولطالما زودت تلك الأجهزة كُتّاب الدراما في هوليوود وفي استديوهات التصوير التلفزيونية بقصص ومحتوى وملفات يستمدون منها سيناريوهاتهم وقصصهم،

ومن ثم تعمل بقية الأدوات الدرامية على عوامل الإثارة والإبهار كي تكتمل الصورة. ولم يقتصر الأمر على أفلام هوليوود، بل شمل أيضاً الآداب والفنون والصحافة والإعلام، خاصة في ترويجهم محاسن النظام الرأسمالي ومحاربتهم للشيوعية في أوروبا، أي أن الأثر الثقافي امتدّ خارج حدود الدولة من كُتاب ومؤلفين تعاونوا مع السلطة الأميركية للدفاع عن المصالح الأميركية والأمن الأميركي،

ولم يجدوا في ذلك تهمة بالارتزاق. في مقالة نشرت في موقع «ساسة بوست»، بعنوان اختراق «سي آي إيه» عالم الفنون والآداب، كتب إسلام محمد: «خصصت حكومة الولايات المتحدة موارد هائلة من أجل برنامج سري للدعاية الثقافية في أوروبا الغربية، وكان أحد ملامحه الأساسية هو أن يبدو كأنه لا وجود له. أما الذي يديره فكان جهاز المخابرات، المعروف اصطلاحاً (سي آي إيه - CIA)، الذي أنشأته الولايات المتحدة عام 1947 ليتولّى الجانب الثقافي في الحرب الباردة.

وكانت منظمة الحرية الثقافية، التي كان يترأسها رجل المخابرات مايكل جوسيلسون في الفترة من 1950 حتى 1967، هي ركيزة هذا البرنامج السري. وكان لهذه المنظمة مكاتب في 35 دولة، وتصدر أكثر من 20 مجلة لها نفوذ ثقافي مهم، وتنظِّم المعارض الفنية والمؤتمرات العالمية التي تحضرها شخصياتٌ بارزة، كما أنها كانت ترعى معارض الفنانين والموسيقيين وتكافئهم بالجوائز.

باختصار، أُنشئتْ منظمة الحرية الثقافية لحثّ مثقفي أوروبا الشرقية على التخلِّي عن بقايا ولعهم بالشيوعية والماركسية وتوجيههم نحو رؤية أكثر توافقاً مع الثقافة الأميركية التي تمنح الفن حرية تامة غير مشروطة أو محدودة بالضوابط التي وضعتها الشيوعية». انتهى. التعاون بين الكُتاب وتلك الأجهزة في قضية الأمن الوطني والهوية الوطنية ليس سراً وليس عيباً ولا عاراً يتبرأ منه الأميركيون أو الأوروبيون. وحدنا العرب من يرى أن تعاون المثقف مع السلطة في وطنه هو ارتزاق وتطبيل. في تغريدة للكاتب السعودي تركي الحمد يقول فيها: «البعض يرى أنه كي تكون مثقفاً يجب أن تكون ضد السلطة بشكل مطلق، بغض النظر عن القضية المطروحة، وهذا في ظني خطأ محض، وهذا جزء من أزمة المثقف العربي المعاصر.

الموقف الصحيح في ظني هو موقفك من القضية المطروحة، لا من مصدر القضية». يوجد بيننا من يرى أنه على المثقف ألا يكون مع السلطة، لأن «السلطة هي عدو الشعب» كما يدعي هؤلاء! وتلك مقولة لا توجد في الدول التي نتغنى بديمقراطيتها، فالمثقف هناك لا يعادي السلطة بالمطلق، حتى إن كان منتمياً لحزب معارض، كما يراد للمثقف العربي أن يفعل، ولطالما وقفت أحزاب المعارضة من السلطة موقف مؤيد، والأهم أن لكل حزب مثقفيه الذين يروجون أفكاره وبرامجه، حتى إن وصل إلى سدة الحكم، ولا يعد ذلك ارتزاقاً أو تطبيلاً. وبينما ممنوع على المثقف العربي أن يقف أو يصفق لأي عمل أو إنجاز تقوم به السلطة في صالح الناس، وإلا عدّ تطبيلاً لدى البعض، مسموح للمثقف الغربي أن يشيد بأي إنجاز تقوم به سلطته، وإلا اعتبر موضوعياً! الأدهى حين يتملق «المثقف» العربي المجتمع الغربي بمواقفه المتشددة من سلطاته، ويتاجر بعدائه لها للترويج لنفسه كمثقف موضوعي ومحايد.

أما الطامة الكبرى فهي حين يُسوق المثقف نفسه من خلال الهجوم والانتقاد المطلق للسلطة في دولته ووطنه، وهو مهدد أو يمر بمرحلة حرجة، هنا تبرز أقبح الوجوه لأزمة هؤلاء المثقفين العرب. هنا يعد موقفه خيانة، لا متاجرة بوطنه فحسب، ولن أخفف الوطء، ولا يعدّ الرأي توزيعاً لصكوك الوطنية وتوزيعاً للتهم المعلبة كما تدافع تلك الفئة عن نفسها حين تحشر في زاوية المواجهة مع استحقاقات وطنها، بل هي مواقف مخزية لا يقوم بها «مثقف» غربي، وإلا أدانه الوسط الثقافي الغربي، قبل أن يدينه المجتمع الغربي.