القذافي يفسد عرس الرياض
بقلم/ سليم عزوز
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الأربعاء 04 إبريل-نيسان 2007 09:04 ص

احفظوا هذا التاريخ جيدا: الجمعة 23 آذار (مارس)، ففي هذا اليوم الطيب المبارك ابتسمت مذيعة قناة الجزيرة ليلي الشايب، علي غير عادتها، حتي بانت أسنانها، فإذا هي بيضاء من غير سوء تسر الناظرين، وكان ذلك بعد ان انتهت من قراءة النشرة، وخيل لي ان المخرج هو الذي حرضها علي ذلك من وراء الكاميرا، ومن يدري فربما غني لها أغنية عفاف راضي: تبسم للنبي.. للنبي تبسم!

كنت قد كتبت في هذه ال زاوية ان ليلي من مدرسة عمنا جميل عازر، ومن يشاهدهما يتصور انهما قدما توا من جبال تورا بورا الي استوديوهات الجزيرة ، وقد تلقيت رسالة من أفغاني يعتب علي ذكر جبال بلاده.. لا بأس، فلنقل هبطا في التو واللحظة من صحراء نجد. وتكشيرة جميل عازر أصبحت تمثل علامة مسجلة له، وهي تكشيرة محببة للمشاهد، الذي مل الوجوه الخشبية التي تطل من شاشات التلفزيونات العربية المملوكة للأنظمة. وقد اكتشفت يا قراء ان ليلي جميلة سواء وهي توشك ان تخرج يدها من الشاشة فتصفع المشاهد علي وجهه، او وهي ترسل له ابتسامتها العريضة سالفة الوصف!

بعد بضعة أيام من ابتسامة صاحبتنا ضبطت الكاميرا جميل عازر مبتسما، وهو يحاور العقيد القذافي قائد الثورة الليبية، لكن سرعان ما استدعي تكشيرته، ليرسمها علي وجهه في حوار فكاهي، من الصعب علي المذيع ان تصل إليه بعض أقوال القذافي فلا يضحك ولا يبتسم. عن نفسي فقد اعتبرت حديث القذافي للجزيرة ضربة معلم، فقد كان بمثابة إلقاء كرسي في الكلوب. فبينما كان الفرح منصوبا في الرياض، اذا بالرجل يفسده باستخفافه بما يجري، وسخريته من القوم المجتمعين، الذين قدموا أنفسهم للعالم العربي علي انهم (سيسوون) الهوايل في قمتهم، مع انهم كالعنكبوت اتخذ بيتا.

القذافي كان هو الحاضر الغائب، في حين ان هناك من يعد حضورهم يشبه غيابهم، وهو ممتع عندما يتكلم، لولا انه يحرص علي ان يقوم بدور المفكر، فيضع الخطط الاستراتيجية للصراع العربي الإسرائيلي، وهو معذور عندما يقوم بهذا الدور، فربما من احتكاكه بالقوم استقر في يقينه انه (علامة) بالقياس بهم، ومنهم من لم يقرأ كتابا في حياته، في حين ان الزعيم الليبي يبدو قارئا جيدا للتاريخ، وقد يكون كلامه في الهجوم علي زملائه الزعماء العرب مقبولا اذا كان زعيما جماهيريا، لكن المشكلة انه في السلطة، ويمارس نفس ممارسات الزملاء، من تشبث بالكرسي، وتغييب للحريات، وقمع للخـــــــصوم السياسيين.

لست مهتما بتحليل شخصية القذافي، لكنه يستحق الشــكر لانه كان سببا في ان نري ابتسامة جميل عازر، ولا اخفي أنني ابتسمت عندما رأيت القذافي علي الشاشة، وكان معي زميل يشاهد اللقاء معي فعلق بقوله: (ملعوبة)، فقد حرص القوم في المملكة العربية وبمساعدة الإعلام العربي علي التعامل مع هذه القمة، كما لو كانت قمة القمم، مع انه لا جديد تحت الشمس، فالمبادرة العربية الخلاقة تم إقرارها في قمة بيروت منذ خمس سنوات، وهي مبادرة تم التطبيل لها إعلاميا حتي قبل إطلاقها، وفي وقت كان يقال انها لا تزال في درج مكتب صاحبها الأمير عبد الله، وبات معلوما منها بالضرورة انها لم تكن من بنات أفكار الأمير، وانما أوحي له بها الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، ومنذ ذلك الحين، والقمم العربية تتقبلها بقبول حسن، وليس هناك جديد في الأمر عندما يقال ان قمة الرياض قد أعادت إقرارها. الجديد الوحيد ان قمة بيروت حضرها ممثلا عن الرئيس صدام حسين، عزت الدوري (متعه الله بالصحة والعافية)، في حين ان الذي كان حاضرا هذه القمة هو جلال طالباني الرئيس العراقي الذي أنتجه الاحتلال الامريكي.

لا بأس فالعملية ـ كما نقول ـ في بيتها فليس هناك من بين الحاضرين من يعد وجوده علي كرسيه ضد الإرادة الأمريكية، ولا بأس عندما يقال ان صحافية إسرائيلية كانت موجودة في الرياض لتغطية القمة، فهي قمة كانت تهدف للتدشين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بمجرد ان يعلن قبوله بالمبادرة في الجملة، حتي وان رفض أهم بنودها، لكن إسرائيل رفضتها، لان القادة العرب خلعوا ملابسهم قطعة قطعة، وتمسكوا بما يستر عوراتهم أمام شعوبهم، واولمرت يريدهم (بلابيص) كما ولدتهم أمهاتهم.

القذافي كان (فاكهة القمة) حتي وان لم يحضرها، والجزيرة شفت صدورنا ببث مقابلته، مع انها شاركت في حلقة الذكر المنصوبة لقمة القمم، والتي هدف أولو الأمر في المملكة من ورائها إلي ابراز دورهم الجديد في المنطقة، بعد ان دانت لهم، وصارت السعودية هي الشقيقة الكبري، برضاء كامل من أولي الأمر منا في مصر، الذين تخلوا طواعية عن هذا الدور، ربما لانهم لم يعودوا قادرين علي القيام به، وربما لانهم زهدوا فيه، وربما لان مشاهدة (روتانا سينما مش ح تقدر تغمض عينك) افضل من وجع القلب والدماغ، الذي ينتج عن قيامهم بدور الكبير في المنطقة، وربما لان العملية في بيتها، فليس بين الخيرين حساب، واهل الحكم في المملكة احب إليهم من الشعب المصري شخصيا، وأقرب إليهم من حبل الوريد.

لقد كانت التغطية الإعلامية للقمة تجعل الحليم حيرانا، فالجزيرة تبث من هناك بثا مباشرا، فتذهب الي الحوار فتجدها شرحة، فتخطف رجلك الي التلفزيون المصري فتجده علي نفس الحالة، هذا ناهيك عن قناة العربية ، وغيرها من القنوات، وهو اهتمام لم نجد له مثيلا الا في مباريات كرة القدم في كأس العالم، وان كان خفف من أهميتها ان الشيخ صالح كامل قد احتكر البث عبر تلفزيونه.

في يوم الختام تمثلت قول الشاعر صبرت علي كره قد أصابني.. ومن لم يجد مندوحة فهو صابر. فقد جلست استمع الي كلمات أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، كلمات محنطة تخرج من أفواه كالقبور، علي الرغم من محاولات إضفاء البهجة علي الكلام والمكان، وعلي الرغم من سعي الحضور الكريم الي إظهار السعادة، علي النحو الذي يبدو عليه من دعت لهم أمهاتهم في الفجرية، فكانوا من ضيوف الجنادرية (اللهم اوعدنا).

فهل هذا الكلام المكرر والمعاد يستحق ان تقف الفضائيات الناطقة بلغة الضاد كالبنيان المرصوص وتتسابق في نقله الي المشاهدين؟.. أعلم أننا في زمن الإعلام السعودي، وان القوم يستطيعون بإعلامهم الذي يملكوه، واعلام المؤلفة قلوبهم، ان يحولوا من حفلة (طهور) لأمير، او من خبر نجاح أمير في الثانوية العامة، حدثا إعلاميا كبيرا، لا يقل روعة عن ما إذا كان (المحروس) قد حصل علي جائزة نوبل في علوم الذرة. لكن الجزيرة ليست من اعلام القوم.. اذن فربما يكون الاهتمام والنقل من موقع الحدث لانهم يعلمون ان القمة سوف تقرر فجأة قرارا ضخما يليق بضخامة الحدث.

في انتظار المفاجأة

وجود مفاجأة هو ما سيطر علي، وفي انتظارها ذهبت أتسلي بين القنوات، فراعني ان كل الفضائيات الناقلة تبث الحدث في ذات اللحظة، لكن لفت انتباهي ان قناة الحوار متأخرة في البث بضع ثوان، ولم افهم الحكمة، فأنا جاهل في التكنولوجي، لدرجة أنني احتاس حوسة الصعيدي في محطة مصر، في التعامل مع القمر الفضائي (عرب سات)، الذي اشعر ان عفريتا يركبه فاستعين بمن يضبط لي محطاته، وبعد أسبوع اكتشف ان محطات اختفت واخري انتقلت من مكان الي مكان، والأصدقاء يظلون يعلمونني كيفية التعامل مع الموقف في البحث والتنقيب والربط، ولكن لا حياة لمن تنادي.

هناك مشهد كان سببا في ان ترتسم علي شفتي ابتسامة عريضة، كتلك التي شاهدناها لليلي الشايب في يوم الجمعة الموافق 23 آذار (مارس) سنة 2007 ميلادية. فقد كان القادة العرب يفتتحون كلماتهم كالعادة بتوجيه الشكر والتحية للزملاء الحاضرين، فلقاءات القادة سواء في الرياض، او في شرم الشيخ، او في صحراء نجد، يغلب عليها فقه الأفراح البلدي، عندما يبدأ النقوط من عينة: (فلان الفلاني يدحرج التماسي علي العريس، والعروسة، والمعازيم، واصحاب الفرح، ومأمور المركز)!

المشهد تمثل في ان وصلة الشكر لاحد القادة شملت عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية، وعندما حطت عليه الكاميرا وجدناه غير مكترث، وكان يمضغ شيئا ما خيل لي انه حبة فستق او ما شابه، وبعد قليل حطت الكاميرا علي زعيم من الزعماء فكان أيضا في نفس الحالة وهي المضغ، وذهبت اسلي نفسي بالبحث علي أطباق الفستق وما شابه، فلم اعثر لها علي جرة، قلت ربما يحملها النادل الذي يوزع علي أصحاب الفخامة والجلالة والسمو أقداح الشاي، التي كلما شاهدتها عبر الشاشة الصغيرة في لقاءات الأشقاء السعوديين مع ضيوفهم سألت نفسي عن الحكمة في صغرها، فهي تمتلئ عن آخرها برشفة او رشفتين.

النادل لم يكن يحمل سوي ابريق الشاي والأكواب الصغيرة التي لا تُري بالعين المجردة، وقلت ربما كان الممضوغ محمولا في الجيوب، لأنني لا أتصور انهما كانا يمضغان اللبان، لان هذا لا يتسق مع ضخامة الحدث، وسعي الأشقاء في الشقيقة الكبري لان يكون التأريخ للقمم العربية من هذه القمة.

المصورون في الصحف المصرية التقطت عدساتهم رئيس الوزراء المصري وهو يجلس في البرلمان و(يقزقز اللب)، وبعد نشر الصور قرر رئيس البرلمان منعهم من دخول القاعة او التصوير، واتمني ان يكون ما جري سببا في ان يتوقف القوم عن نقل القمم العربية مستقبلا علي الهواء مباشرة، كي لا يصيبونا بالملل، وبالشكل الذي جعلني اسلي وقتي بالبحث في موضوعات لا قيمة لها مثل مكان وجود (الفستق) وأخواته، لان شغل الشاشات الفضائية بكلام معاد ومكرر فيه ظلم للمشاهد!

عموما لقد انتظرت ان أجد علي النار هدي، فكنت كمن رأي سرابا ظن انه ماء، وما هو بماء.

افضل شيء فعله القذافي انه لم يشارك في القمة، وافضل شيء فعلته الجزيرة انها استضافته ليفسد فرح العمدة الذي نصبوه في الرياض، وافضل شيء في هذه المقابلة ان جميل عازر ابتسم، وافضل مشهد في شهر آذار (مارس) الماضي، ان ليلي الشايب ابتسمت ابتسامة تاريخية عريضة.

ارض ـ جو

ـ بات من المعلوم بالضرورة ان تراث التلفزيون المصري تم نهبه، وهناك كلام كثير في هذا الموضوع يدخل في باب (الف ليلة وليلة)، ومؤخرا قال رئيس قطاع الامن في التلفزيون المذكور ان سرقة التراث تتم خارج المبني، وهو كلام يستحق التحقيق فيه.. فهل يجرؤ وزير الإعلام انس الفقي علي ذلك؟!

ـ جاء صاحب قناة روتانا الي القاهرة مؤخرا، واشهدوا قريبا طي ملف هالة سرحان لنعود نراها علي الشاشة بضحكاتها الفجة!

كاتب وصحافي من مصر

azzoz66@maktoob.com