رسائل دول الخليج من العاصمة دمشق لسوريا وللعرب وللمحور الإيراني المليشيا تجبر طلاب جامعة ذمار على إيقاف الدراسة للإلتحاق بدروات طائفية وعسكرية تشمل التدرب على الأسلحة المتوسطة والثقيلة تعرف على الأموال التي سيجنيها ريال مدريد في حال تتويجه بكأس العالم للأندية 2025؟ أول دولة أوروبية تعلن تقديمها الدعم المالي لسوريا توكل كرمان : الشرع يدير سوريا وفق الشرعية الثورية وتشكيل حكومة شاملة بُعَيْدَ سقوط نظام الأسد نكتة سخيفة خمسون قائداً عسكريًا سوريا ينالون أول ترقيات في الجيش السوري شملت وزير الدفاع.. مأرب برس يعيد نشر أسماء ورتب القيادات العسكرية 1200 شخصية تتحضر للاجتماع في دمشق لصناعة مستقبل سوريا .. تفاصيل عاجل الإنذار الأخير ... واتساب سيتوقف عن العمل على هذه الهواتف نهائياً أجهزة الأمن بمحافظة عدن تلقي القبض على عصابة تورطت بإختطاف النساء ...تفاصيل صحيفة هآرتس: الاتفاق السعودي الحوثي معضلة أمام إسرائيل في حربها ضد الحوثيين ... قراءة تل ابيب لمشهد الحسم العسكري المتأرجح
ما مثلته قناة «الجزيرة» التي تبث من دولة قطر أكبر بكثير من كونها قناة إخبارية تضاف إلى كوم القنوات الفضائية العربية، التي ازدادت من حيث الكم في أعقاب انفتاح الفضاء الإعلامي العالمي على بعضه في حقبة تسعينيات القرن الماضي، كنتاج مستحق لانتفاء الثنائية القطبية بين الشرق والغرب، وبروز الأحادية القطبية وما تعارف على تسميته بـ «العولمة». وكل هذه الكثرة العربية التي انتشرت كالفطر البري في غابات أوروبا، من الفضائيات العربية سواءً الفنية أو التخصصية أو السياسية ناهيك عن الرسمية منها، لا تصنف في خانة التحول الديمقراطي، اللهم إلا ما يلامس قشور التجربة الديمقراطية ولا يصل إلى «لبِّ» وقلب هذه التجربة، لسبب بسيط يرتبط بعدم تحرير الإعلام من الهيمنة واحتكار الدولة، وتمثله لقيم الحرية كما تفترضها ليبرالية الحكومات الديمقراطية القائمة في العالم، والعذر ميسر في هذه الحالة للإعلام العربي لارتباط أي تحول حقيقي نحو تحريره ديمقراطياً بمدى التحول الديمقراطي الشامل وبخاصة ما يذهب عمقاً لتغيير الأوضاع والتشكيلات السياسية القائمة، باعتبار أن الديمقراطية منظومة أحكام شاملة لا تستثني شيئاً قائماً، يتساوق ويتهادى ويستقيم في ظلها نوع وهوية النظام السياسي والاجتماعي الجديد. ويجوز أن نتذكر في السياق ذاته أن حرية الكلمة قد ارتهنت منذ البدء بتحرير السلعة من أية قيود ماعدا مقدرتها على المنافسة في السوق بالاعتماد على قيمة العمل المبذول فيها، مما حدا تجاوباً معه إلى تحرير الكلمة من أية ضغوط أو مؤثرات - والكلام هنا عن بدايات ظهور الدولة البرجوازية الصناعية في أوروبا من داخل أحشاء النظم الإقطاعية السائدة أوانئذ - وقد جرت على مدى القرنين الماضيين عملية تأصيل وتجذير لقيم الحرية في تلك المجتمعات ولكنها لا تخلو أيضاً من هنات وزلات هنا وهناك رافقت حقبة الاستعمار الأوروبي لدول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وما يبرز بشاكلة أو بأخرى في سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها الولايات المتحدة في مضمار الصراع العربي - الإسرائيلي، ضداً على الحقوق العربية لصالح إسرائيل، أو ما تمارسه من خروقات لحقوق الإنسان في العراق وفي سجن جوانتنامو وفي السجون السرية في بعض الدول الأوروبية والتي صبحت فضيحة تهدد وضع الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية القادمة.
مما لا شك فيه أن قناة «الجزيرة» خطوة جريئة في محيط متجمد، كان حكراً على عقيدة سياسية مارست رؤية الذات في مرآتها الوحيدة، وهي قد جاءت استجابة لمتطلبات واقع جديد، الدافعة إلى بلورته وتهيئة بزوغه ذات القوى العالمية (الديمقراطية) التي رعته في فترات ماضية بهيئته التقليدية المعادية للديمقراطية. وفي الحالتين (الثابت الوحيد هو التبدل المستمر) كما يقول هيراقليطس، كما هي المصالح تتبدل وتتغير بنواشئ تكوينية جديدة تخدم الأهداف الاستراتيجية المرسومة والموضوعة سلفاً، وفي المتغير الجديد (الديمقراطي) منافع جمة للمواطن والفرد لا يمكن وضعها في سلة واحدة مع التفاح الفاسد (الأوضاع الشمولية والديكتاتورية السابقة) مع الاقتصاد في الأخذ والرد فيما يتعلق بالطرائق والسبل وما هو ذاتي وموضوعي في المسألة.
لقد اختزلت قناة «الجزيرة» حقبة زمنية من التحول الايجابي في منطقة مغلقة، استجابت لتأثيرات الصوت والصورة مصحوبة هذه المرة بجرأة في الطرح تتجاوز (تابوهات) السياسة العربية، وإذا كان للحظة التاريخية فعلها الذي لا يدحض كتوقيت ينبغي استثماره فإن «الجزيرة» ومن يقف وراءها كان جاهزاً ومستوعباً لفعل الزمن/ اللحظة التاريخية قبل عشر من السنين، عندما بدأت تبث فقراتها الإخبارية من دولة قطر العائمة على بحيرة من نفط وغاز وغير بعيدة عن أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط. وبها، بهذه القناة الفضائية التي تحتل عمارة صغيرة في دولة صغيرة، أصبحت دولة قطر كبيرة بحكم المساحة الفضائية واللغة الجديدة التي تحتلها وتتحدث بها قناة «الجزيرة».
لقد حملت قناة «الجزيرة» بإدراك مسبق أو بعفوية إرث هيئة الإذاعة البريطانية ( BBC ) ليس بالإرشيف الذي انتقل إلى النقطة الساخنة الجديدة في قلب الخليج العربي، وإنما بالطريقة المبتكرة في طرق ما لا يطرق، وتقحم المحظور عربياً، وإفساح المجال للمقموعين والمقهورين ولمن لا صوت لهم، والاقتراب بل وتجاوز الخطوط الحمراء حتى مع (سحرة) الديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية - إذا جاز التعبير طبعاً - ليتبادر إلى ذهن العربي أن السحر قد انقلب على الساحر كما يقال، وإذا عددنا الحوادث التقاطعية بين «الجزيرة» وتداعيات الحرب في أفغانستان، وما تعرض له مقر «الجزيرة» من قصف أمريكي مباشر هناك، وما أعقب ذلك من اتهام مراسل «الجزيرة» تيسير علوني بتهمة العلاقة مع القاعدة، ومحاكمته في إسبانيا وسجنه واعتقال المصور في جوانتنامو، علاوة على تغطيتها للأحداث في فلسطين وفي العراق وما يتعرض له الشعبان الفلسطيني من عدوان وقتل وتدمير بأيدي القوات الإسرائيلية، والعراقي وما يعانيه من مسلسل القتل اليومي في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، كل ذلك يجعل «الجزيرة» قد حافظت على نهجها الديمقراطي في مصداقية النقل والطرح دون تحيز وإن جر عليها ذلك غضب الأمريكان، ولكنها بالمقابل أصبحت مصدراً مهماً من مصادر الأخبار تستقي منه المعلومة المرئية العديد من الفضائيات العالمية ومنها ( CNN ) التي كانت في حرب الخليج الأولى المصدر الإخباري الأول الذي نقل مشاهد ووقائع تحرير الكويت من قبل دول التحالف الدولي إلى كل بيت في العالم لتصبح ( CNN ) المصدر الأول للأخبار عالمياً، قبل أن تنافسها «الجزيرة» على هذه المكانة ابتداء من الحرب في أفغانستان ثم حرب الخليج الثانية، التي انتهت بدخول القوات الأمريكية والبريطانية إلى العراق بدعم من عدد محدود من الدول سنة 2003م.
إن تشكيل الذهنية العربية بالاعتماد على الوسيلة الإعلامية قد لعبته وسائط البث المسموع في حقبة الخمسينات من القرن الماضي وما تلاها مثل هيئة الإذاعة البريطانية التي اعتمدت على (مصداقية) القول لتخطب به ود المستمع العربي النافر من انعدام هذه المصداقية في الخطاب الإعلامي العربي، وإن استطاع «صوت العرب» من القاهرة في فترة الغليان الثوري العربي وبالاعتماد على (كاريزما) الزعيم العربي جمال عبدالناصر، وحب الجماهير العربية له أن يكتسح - صوت الثورة والتحرر القادم من «صوت العرب» - الشارع العربي إلى حين جاءت نكسة 5 يونيو 1967م لتكشف للجماهير حجم التضليل الذي مارسه الإعلام في نقل حقيقة ما يجري من وقائع مؤلمة على الأرض. وتقوم «الجزيرة» بدور مماثل ولكن بجرعات من الحرية الممنوحة لها أكثر مما كان متاحاً في الستينات مثلاً، ومن زوايا متعددة وليست أحادية، مما وضعها في صدر اهتمام المواطن العربي الذي يلهث وراء الأحداث المتسارعة في منطقته والعالم، ومع ذلك استطاعت «الجزيرة» أن تختزل سنوات من التطبيع مع إسرائيل، عبر إدخالها للطرف الإسرائيلي إلى كل بيت عربي دون ضجة أو انفعال وهو ما لم تستطع دول التطبيع العربي أن تفعله بسبب رفض التطبيع شعبياً، بالاعتماد - الجزيرة - على حضوتها لدى المواطن العربي وتجيير ذلك في خطاب ينزع إلى معرفة الرأي الآخر عن كثب بدلاً من التوجس وإغلاق المنافذ في وجهه، كما لا يخفى مساحة الود التي تسود «الجزيرة» مع البلد المضيف بعيداً عن سياسة كشف المستور التي تمارسها القناة مع الآخرين وخاصة دول الجوار.
ورغم ذلك تبقى «الجزيرة» حدثاً إنقلابياً في الإعلام الإعلامي باتجاه تأصيل قيم الحرية والديمقراطية وتحرير القلوب والعقول من الهيمنة أياً تكون.