نعمان: الرئيس صالح كشخص خرج من اللعبة السياسية في اليمن
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يوم واحد
السبت 25 يونيو-حزيران 2011 12:49 م

حاوره لـ الشرق الأوسط/ محمد جميح

الدكتور ياسين سعيد نعمان مفكر وشخصية سياسية يمنية، لعب أدوارا مختلفة على طول فترة حياته الفكرية والسياسية في اليمن قبل وبعد تحقيق الوحدة اليمنية، وهو اليوم رئيس المجلس الأعلى لـ«اللقاء المشترك» اليمني (تكتل المعارضة الأكبر) وأمين عام الحزب الاشتراكي اليمني. التقته «الشرق الأوسط» أثناء وجوده في بريطانيا، وفتحت معه عددا من الملفات اليمنية. هو يرى أن المبادرة الخليجية لا تزال هي أساس الحل للأزمة اليمنية الراهنة، ويعتقد أن أصحاب المبادرة لم يتخذوا موقفا واضحا ممن أفشل المبادرة الخليجية، السلطة اليمنية كما يقول. يميل إلى فكرة الانتقال السلس للسلطة عن طريق نقل مهام الرئيس إلى نائبه، ولا يحبذ تشكيل «مجلس انتقالي» إلا عند الضرورة، يفرق بين «إسقاط النظام» باعتباره مفهوما ثوريا و«تغيير النظام» باعتباره مفهوما سياسيا. الحراك ليس انفصاليا، ويتشكل من مكونات وأطياف مختلفة حسب رؤيته وفي مايلي نص الحوار: الدكتور ياسين سعيد نعمان

* هناك من يطرح أن «اللقاء المشترك» ركب موجة ثورة الشباب، حيث لم يكن له دور في انطلاقها في المرحلة الأولى، غير أنه عندما أدرك أن الطبخة قد اقتربت على النضوج قفز ليستولي عليها. ما تعليقك؟

- لا بد من النظر إلى المقدمات الاجتماعية والسياسية لثورة الشباب، هذه المقدمات تمثلت في مقاومة سياسة النظام بأدوات سياسية. «اللقاء المشترك» قاوم منذ سنوات، وبلغت ذروة المقاومة الانتخابات التنافسية التي خاضها «المشترك» في مواجهة الرئيس بمرشح جاد يومها، وكانت بمثابة المقدمة السياسية الضرورية التي فتحت الآفاق لهذه الثورة. بعد ذلك ظل «اللقاء المشترك» يطرح أهمية القيام بإصلاحات سياسية جذرية، وهذه المطالب التي ظل «المشترك» يطالب بها طوال فترة امتدت من 3 إلى 4 سنوات شكلت حجر الزاوية في ما يخص تعرية النظام السياسي، وكان انحياز «المشترك» إلى المطالب الشعبية الواسعة بضرورة إجراء مثل هذه الإصلاحات السياسية الواسعة هو المقدمة الأخرى (بعد الانتخابات) التي وضعت النظام أمام خيارين: إما الإصلاح الجذري والاعتراف بالمشكلات الحقيقية التي أنتجها النظام، كمشكلتي الجنوب وصعدة، وتراجع المشروع الديمقراطي وتوظيف ملف الإرهاب، والاعتراف بهده القضايا ومعالجتها، أو مواجهة خيار التغيير عن طريق الثورة الشعبية. في هذه الفترة كان «المشترك» هو الحاضر سياسيا، بالإضافة إلى حراك الجنوب والحوثيين وبروز قوى اجتماعية وسياسية أخرى، الأمر الذي دفع «اللقاء المشترك» إلى طرح الحوار الوطني الشامل باعتباره الطريق الذي من شأنه أن يوفر الشروط المناسبة لكل القوى في الإسهام بإيجاد خارطة طريق وطنية لمعالجة كل هذه القضايا. كل ذلك كان مقدمات لا بد منها في التمهيد لثورة الشباب مع وجود مناخات عربية مناسبة بالطبع.

* تقصد ثورتي تونس ومصر؟

- نعم.

* هناك، على ما يبدو، فرق بين رؤيتكم ورؤية الشباب في الميادين، لماذا لا تتبنون مطالب الشباب بشكل واضح بدلا من اللعب والإمساك بالعصا من المنتصف؟

- أعتقد أنه لا توجد فجوة كبيرة بين مطالب الشباب والأحزاب. كل المطالب تلتقي عند عملية التغيير، أي تغيير النظام السياسي مع اختلاف في التعبيرات. الشباب يتحدثون عن «إسقاط النظام»، وهو تعبير ثوري وأدواته ثورية، ونحن نتحدث عن «تغيير النظام» كتعبير سياسي وأدواته سياسية، لكن المهم أن نصل إلى تغيير هذا النظام.

* لماذا إذن يشكو الشباب من خذلان «اللقاء المشترك» لقضيتهم إذن؟

- لا بد من تقدير حالة الغضب التي سادت الشارع اليمني، وبخاصة الشباب، بسبب فساد الوضع، وهيمنة هذه القوى التي لم تستطع أن تخرج اليمن من مشكلاته، إضافة إلى طبيعة التعقيدات والمشكلات الضخمة التي سببها النظام، مما خلق حالة ثورية بشكل عام في المجتمع، والحالة الثورية لها منطقها دائما. ولكن نحن كأحزاب سياسية كان علينا التعامل مع هذه الحالة الثورية بهدوء، ولكن باستجابة واعية لمطالبها، وقلنا ونحن نخوض العملية السياسية إننا إذا لم نتمكن من استيعاب مطالب الحالة الثورية، ونترجمها إلى مشروع سياسي، فعلينا أن نترك الخيار لقادة الحالة الثورية.

* حتى لو كان خيارا صداميا؟

- نعم.. حتى لو كان خيارا صداميا، لكن بقراءة متأنية وبحوار مع الشباب، ورؤيتنا أن الهدف واحد وهو تغيير النظام السياسي. فإذا كانت العملية السياسية تستطيع أن تساعد في تحقيق هذا الهدف فلنمض، ولكن دون أن تحل محل العملية الثورية. ولذلك حرصنا على أن تبقى هناك مساحة بين العملية السياسية والشباب خلال الفترة الماضية ونصحناهم بأن لا ينخرطوا في العملية السياسية.

* من أجل أن يكون لكم الفوز بالكعكة، ويكون لهم شرف التضحية؟

- لا.. لا.. حتى ذلك الوقت لم تكن هناك كعكة نفوز بها، كانت هناك تضحيات. أريد أن أقول إن الكثير من الشباب هم جزء من الأحزاب، وإن هناك آخرين مستقلون. والفكرة هي بقاؤهم بعيدا عن العملية السياسية في صيغتها التقليدية، أن يظلوا أداة ضغط على العملية السياسية، على العكس إذا ما انخرطوا فيها. وأستطيع اليوم أن أقول إن العملية السياسية سارت على النحو الذي يخدم العملية الثورية ولم تتصادم معها. ولو سألت لماذا؟ أقول لأن العملية السياسية سارت في اتجاه تحقيق الهدف. أعتقد أنه تم إنجاز 70 في المائة من المهمة، ولم يبق سوى تلك القوى التي عملت خلال الفترة الماضية على تحويل الرئيس من رئيس للدولة إلى شرطي لحماية مصالحها.

* ما هي تلك القوى التي تتحدث عنها؟

- بقايا النظام المتمترسة وراء السلاح التي تبحث اليوم عن شرطي جديد لحماية مصالحها.

* ولماذا في رأيك يقبل الرئيس بأن يكون شرطيا لحماية مصالح تلك القوى؟

- هذا هو السؤال المهم الذي يفترض أن يرد عليه كثير من الرؤساء عندما يرضون بأن يلعبوا هذا الدور لصالح القلة القليلة مع إهمال مصالح الملايين. لأن النظام السياسي والاجتماعي القائم على الولاء الشخصي، وليس الوطني، ينتهي في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة.

* أين أنتم بين خياري تشكيل «مجلس انتقالي» والانتقال السلس للسلطة عن طريق نائب الرئيس؟

- نحن في مسار العملية السياسية التي قبلنا بها كنا وما زلنا نرى أن انتقال السلطة إلى النائب هو الطريقة الأسلم لترتيب أوضاع البلد على قاعدة التوافق الوطني بين كل القوى. وهذا الشكل من الانتقال لا يعني إغفال المطلب الشعبي الذي خرج من أجله الناس إلى الشارع وهو تغيير النظام السياسي. لكن إذا استمر المؤتمر الشعبي العام في المناورة، واستمرت القوى المتبقية من النظام، والمتنفذة فيه، في رفض هذا الخيار الوطني فلا شك أن خيار «المجلس الانتقالي» الذي يطرحه الشعب سيكون هو الخيار الذي يصعب تجاهله.

* ما هي فرص نجاح إعلان «المجلس الانتقالي»، وما هي مخاطر الإعلان عن تشكيل هذا المجلس؟

- هذا هو خيار الضرورة، ولكننا ما زلنا نتمسك بخيار العملية السياسية التي قبلنا بها منذ البداية، وهو انتقال السلطة إلى نائب الرئيس، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة القوى السياسية. والأهم من تشكيل الحكومة هو الدعوة إلى مائدة مستديرة لحوار وطني شامل لكل القوى السياسية. والخطوات ترتب على النحو التالي: انتقال السلطة إلى النائب، ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تدعو إلى الحوار الوطني الشامل حول معظم القضايا المطروحة سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

* ولكن إذا كانت بقايا النظام كما تسميها لا توافق على فكرة تشكيل المجلس الانتقالي، وإذا كان المحيط الإقليمي والدولي لا يدعم تشكيل هذا المجلس فما هي فرص نجاح هذا المجلس؟

- قبل الإجابة عن السؤال، أعتقد أنه إذا وضعت القوى الأمنية والعسكرية العراقيل أمام نجاح العملية السياسية بالصيغة التي يدعمها المجتمع الدولي الآن، فإن المطلوب من المجتمع الدولي أن يأخذ موقفا حاسما من هذه القوى، وعلى القوى الشبابية أن تأخذ طريقها إلى تشكيل هذا المجلس على قاعدة تشكيل ائتلاف وطني واسع، وعلى المجتمع الدولي الذي يكون قد استنفد كل إمكانيات إنجاح العملية السياسية بسبب تعنت ما تبقى من النظام، عليه أن يدعم مثل هذا الاتجاه. أقول هذا لأنه لا يجوز لمجموعة وضعت في يدها مقدرات السلاح والقوة في مرحلة معينة أن تتحكم في مصير البلد دون أن تتحمل مسؤولية الإسهام في إيجاد الحل السياسي. ولذلك؛ فإن على النخب السياسية في المؤتمر الشعبي العام أن تحدد موقفا واضحا من هذه المسألة إذا أرادت أن تكون جزءا من المشروع السياسي الوطني خلال المرحلة المقبلة، وإلا تكون سببا إلى جر البلد إلى مزيد من الانهيارات السياسية والاقتصادية والأمنية.

* إذن أنتم في «اللقاء المشترك» لا تتبنون فكرة إلغاء المؤتمر الشعبي العام، بعد عملية التغيير؟

- لا.. لا.. نحن نرى أن الجميع يجب أن يكون حاضرا في عملية التغيير القادم، وأن المؤتمر فيه من القوى ما يمكن أن يكون رافدا يقوي عملية التغيير والإسهام بشكل فاعل في إنقاذ اليمن. عملية التغيير ستخرج كثيرا من «المؤتمريين» من الثلاجة التي وضعوا فيها إلى مركز الفعل السياسي والوطني والعملي الذي يحتاجه البلد في المرحلة المقبلة.

* إذن أنتم لا تريدون المؤتمر الشعبي العام أن يلقى مصير التجمع الوطني الدستوري الذي كان يحكم تونس؟

- كما قلت لك.. تجربتنا في اليمن ينبغي أن تأخذ مختلف الفعاليات السياسية الموجودة في الساحة، باستثناء الدمويين والفاسدين في أي جهة كانوا.

* هناك فاسدون ودمويون في «المشترك» إذن؟

- أنا لست جهة قضائية.. «المشترك» لم يتسلم السلطة حتى نحكم له أو عليه.

* ألا ترى أنكم في «المشترك» «مشرق على مغرب»، أليس «المشترك» هو مجموعة من المتناقضين آيديولوجيا وفكريا، هم يساريون على إسلاميين على قوميين؟

- هذا سؤال قديم قد أجبنا عنه مرارا. وقد أثبتت الأحداث أن تكتل اللقاء المشترك تجربة حظي بها اليمن ولم تحظَ بها أي دولة أخرى، وهذه ربما من إيجابيات الحياة السياسية اليمنية، حيث استطاعت القوى، التي اختلفت واحتربت وتصارعت، في لحظة تاريخية معينة أن تنشئ في ما بينها قاعدة بالتفهم والتعايش والنضال المشترك متجاوزة عبث الآيديولوجيات.

* هل معنى هذه أن «اللقاء المشترك» سيظل تكتلا واحدا بعد التغيير؟

- نعم «اللقاء المشترك» سيظل تكتلا واحدا لأن مهمته ليست تكتيكية تتعلق بتغيير النظام، وإنما ترتبط مهمته ببناء الدولة. هذه الدولة الوطنية الديمقراطية اللامركزية هي التي ستفتح الآفاق أمام المشروع الديمقراطي الحقيقي، وستمهد الطريق للعودة إلى التعايش بين مكونات «اللقاء المشترك» وغيرها. ومعنى ذلك أنه بعد بناء الدولة بشكلها الديمقراطي اللامركزي ستنشأ تحالفات أخرى.

* الحراك الجنوبي الذي تتهمه السلطة بالسعي إلى الانفصال والذي رفع فعليا مطلب «فك الارتباط» ومارس بعض عناصره أعمالا مسلحة، خرج من رحم الحزب الاشتراكي اليمني. أنتم في الحزب تمثلون الغطاء السياسي للحراك. كيف ترى الأمر؟

- الحراك في الجنوب لم يخرج من رحم الحزب الاشتراكي، الحراك خرج من رحم الجنوب، إذا جاز التعبير، وهو حركة شعبية سياسية وليست حزبا بعينه. الحزب الاشتراكي حاضر في هذا الحراك كغيره من الأحزاب الأخرى ما دام أن هناك قضية عادلة يناضل من أجلها المجتمع في إطار الحراك. وهو بطبيعته ليس انفصاليا كما ترى السلطة، لأن الحراك من وجهة نظره يرى أن السلطة هي الانفصالية.

* كيف يكون ذلك؟ السلطة لم تدعُ إلى انفصال الشمال عن الجنوب. الحراك هو من دعا إلى انفصال الجنوب عن الشمال..

- السلطة مارست كل أساليب الانفصال لأنه لو كان لديها مشروع وحدوي لما خرج الناس في الجنوب يطالبون بالانفصال. بعد حرب 1994 التي قوضت الوحدة السلمية لم تستطع السلطة أن تقدم أي مشروع وحدوي للجنوب، بل نظرت إلى الجنوب باعتباره إضافة جغرافية لا أقل ولا أكثر، وأعادت إنتاج نظام الجمهورية العربية اليمنية بكل تفاصيله.. بكل شخوصه وأجهزته ومنهجه. إذن هل الوحدوي هو من يتمسك بمنهج نظام بهذه المواصفات، أم هو من يعمل على إنتاج النظام أو الدولة المعبرين عن الوحدة العميقة؟

* لكن الحراك لم يطرح فكرة بناء الدولة المعبرة عن الوحدة العميقة كما تحاول أن تلمح..

- أنا أقول إن الحراك أجنحة، هناك مشاريع مختلفة جاءت إلى الحراك؛ هناك مشروع فك الارتباط، وهناك مشروع بناء الدولة الوطنية اللامركزية، وهناك مشاريع كثيرة.

* تقصد مشاريع «سلاطينية»؟

- دعنا نقول هناك مشاريع كثيرة.

* أنتم، في «اللقاء المشترك»، أين تقفون في المسافة الفاصلة بين السلطة والحراك الجنوبي؟

- نحن كـ«مشترك» لدينا وثيقة، نتحدث عن بناء دولة لا مركزية، ولدينا 3 خيارات في ما يتعلق بهيكلية الدولة، من ضمنها الفيدرالية، والخياران الآخران هما: وثيقة العهد والاتفاق، وحكم محلي كامل الصلاحيات. نحن في الحزب الاشتراكي مع خيار الفيدرالية، وهذه المسألة ننطلق فيها من أن قضية الجنوب ينبغي أن تعالج في الإطار الوطني. وخلال الفترة الماضية ركزنا على عملية التغيير، وقضية الجنوب بعد عملية التغيير سيتحاور حولها الناس بشكل مفتوح، وستنشأ ظروف جديدة غير ضاغطة كما هو الحال الآن، وقد طرحنا شعار «شركاء في التغيير.. شركاء في تقرير المستقبل». وأنا أدعو كل الإخوة في اللحظة الراهنة إلى أن يتجهوا نحو عملية التغيير، دون أن يقتحموا هذه اللحظة التاريخية المهمة بمشاريع تضر بعملية التغيير، لأنه لو لم تمت عملية التغيير بالشكل المطلوب فلن يجدوا جنوبا يحكمونه ولا شمالا يحكمونه، ولن يجدوا يمنا يختلفون عليه.

* هل يمكن في تقديرك أن يتنازل قادة الحراك عن مطلب فك الارتباط مقابل بناء الدولة الاتحادية الديمقراطية التي أشرت إليها؟

- أنا في رأيي أن الانفصال، أو فك الارتباط، سمه ما شئت، ليس له أفق وهو يضر بالجنوب أكثر مما يفيده من وجهة نظري. الجنوب كدولة موحدة استمرت 23 سنة فقط من بعد رحيل المستعمر البريطاني إلى تاريخ إعادة الوحدة اليمنية، بينما السلطنات والإمارات التي تكون منها الجنوب تجاوز الكثير منها 200 إلى 250 سنة، أي أن هوية هذه السلطنات والإمارات ستطغى على هوية الجنوب في صيغته الموحدة، وهذه المسألة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار. علينا أن لا نتعامل مع قضية الجنوب بشكل عاطفي أو بمنطق رد فعل لفشل نظام سياسي في الحفاظ على الوحدة. الجنوب يستحق من أبنائه التفكير بعمق في مستقبله ومن دون مزايدات أو عواطف. لذلك أعتقد أن الدولة الاتحادية الديمقراطية بنظامها السياسي العادل هي الحامل الفعلي للحل العادل لقضية الجنوب والشمال على السواء.

* ياسين سعيد نعمان هو رئيس الوزراء المقبل؟

- (ضاحكا) أنت ربما لم تقرأ ما أعلنته قبل شهرين عندما قلت إن الطبقة السياسية اليمنية بتكويناتها الحالية، وبخاصة التي قد شغلت الكثير من المناصب الحكومية خلال المرحلة الماضية، عليها أن تعلن أنها لن تشارك في أي حكومة قادمة حتى يسهل ذلك عملية التغيير. ولابد من التفكير بجدية في أن يفتح الطريق أمام القيادات الشابة ودعمها بقوة، لأن عملية التغيير الحقيقي لن تكون ولن تتم إلا على أيدي وعقول هذه القوى.

* إذن لا مكان للحرس القديم في السلطة أو المعارضة في قيادة مرحلة التغيير؟

- نعم هذا هو رأيي الشخصي.

* هل سيلتزم «المشترك» بذلك؟

- هذا هو رأيي الشخصي، وأنا أعتقد أن «المشترك» لديه التوجه ذاته، وأنا لم أستوعب هذه الفكرة إلا بعد نقاشات جادة مع الأطراف المعنية في «المشترك».

* لكن حسن زيد، وهو من قيادات «المشترك»، ذهب إلى «ساحة التغيير» وألقى محاضرة قال فيها إن الشباب لم يخرجوا ليكونوا وزراء، وهذا معناه: يا شباب قدموا التضحيات ونحن الذين سنكون وزراء..

- أعتقد إذا صدر هذا من الأستاذ حسن زيد...

* هذا الكلام موثق، لا يمكن إنكاره..

- على كل أعتقد أن الأخ حسن زيد كان يتحدث برومانسية الثورة، وهذا شيء جميل. وفي التاريخ دائما كانت هناك الثورة في إطارها الرومانسي، وأخلاقياتها التي تتعارض مع براغماتية الدولة، وربما خشي حسن زيد على الشباب من هذه البراغماتية التي ربما تكون سببا في التأثير على أخلاق الثائر، لا سيما أن السلطة في بلداننا مدعاة لكثير من المشكلات. ولكن هذا لا يعني أنني أتفق معه في الرأي. أنا أرى أن الشباب عليهم أن يقتحموا ميدان الدولة ويتحملوا مسؤولية التغيير، لأن الدولة بما تمتلكه من أدوات هي أداة التغيير. وإذا لم تمتلك سلطة التغيير فلن تكون قادرا عليه. ستظل مجرد داعية ومرشد اجتماعي وأخلاقي، ونحن لا نريد ثورة الشباب أن تتحول إلى مجرد إرشاد اجتماعي وأخلاقي.

* هناك من يطرح أن «اللقاء المشترك» أعاق عملية التغيير الثوري بطروحاته السياسية. والدليل على ذلك أن غياب معارضة قوية في مصر وتونس هو الذي سرع وتيرة إنجاز المهمة الثورية. كيف تنظر إلى الأمر؟

- السؤال؛ هل غياب المعارضة في ليبيا أدى إلى سرعة إنجاز الثورة؟ وهل غياب المعارضة في سوريا أدى إلى المهمة ذاتها؟ القضية لا تكمن في وجود أو غياب المعارضة، وإنما في تركيبة الدولة ذاتها، وشروط أخرى سياسية واجتماعية. فمثلا الجيش في مصر، هو مؤسسة وطنية، وقف في بادئ الأمر على الحياد ثم حمى المتظاهرين وحمى النظام في المراحل الأولى، أي أنه حمى الدولة بشكل عام بكل ما حدث فيها من تفاعلات سياسية، ثم حسم الأمر في نهاية المطاف لصالح الثورة. في اليمن وليبيا الوضع مختلف، لأنه تم إعادة هيكلة الدولة لصالح نظام عائلي، وجرى إعادة هيكلة كل المؤسسات الأمنية والعسكرية لصالح هذا النظام الذي يقف الآن في مواجهة الثورة. الدور الذي لعبته المعارضة كان دور حماية الثورة، عندما اختارت المعارضة السير في العملية السياسية، وحققت قدرا من التوازن الداخلي بين العملية السياسية والعملية الثورية، وتمسكت بالهدف الرئيسي الذي هو عملية التغيير، مع توظيف كل الأدوات السياسية في العلاقات مع كل العوامل المؤثرة في الأوضاع الداخلية اليمنية سواء كانت هذه العوامل إقليمية أو دولية.

* هناك خلافات بين مكونات «اللقاء المشترك» إزاء النظر إلى العمليتين، الثورية والسياسية، وخصوصا في ما يخص ضرورة تشكيل «مجلس انتقالي» أو انتقال السلطة إلى النائب، ما مدى عمق هذه الخلافات؟

- لا توجد خلافات جوهرية حول هذا الموضوع، وهناك آراء، ولكن «اللقاء المشترك» وشركاءه كانوا كثيرا ما أداروا نقاشاتهم حول هذه القضايا بالتوافق، وكانت في معظم الأحيان تصب في صالح العملية السياسية. وأنا أعتقد أن الطريق الذي سار فيه «المشترك» وشركاؤه قد عكس رغبة «المشترك» السياسية في إيجاد توافق وطني حقيقي مع كل القوى السياسية من دون استثناء.

* هل ما زال «المشترك» يعول على المبادرة الخليجية لإيجاد حل للمشكلة اليمنية، بعيدا عن الفعل الثوري؟

- بالنسبة للمبادرة لا تكمن المشكلة في ما يراه «المشترك» منفردا، ولكن في ما تراه الأطراف كلها، بمن في ذلك أصحاب المبادرة والمجتمع الدولي الذي دعم المبادرة. والسؤال هو كيف ينظر هؤلاء جميعا إلى المبادرة اليوم؟ أما «المشترك» فإنه قد اختار الطريق السياسي إيمانا منه بأن الظروف المعقدة في اليمن تحتاج إلى جهد الجميع في عملية التغيير. لكن السلطة والمؤتمر الشعبي العام خذلوا المبادرة. وأصحاب المبادرة إلى اليوم لم نسمع منهم موقفا واضحا وصريحا من أولئك الذين خذلوا المبادرة، وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الدولي الذي اتضح أنه ليس لديه استراتيجية مستقلة خاصة باليمن، بل كشفت المبادرة أنه يتخفى وراء الإقليم، فما تراه دول الإقليم جيدا لليمن أيدوه وشجعوه. وهذا في رأيي وضع يجعل المسألة أكثر تعقيدا.

* هل ألمح من كلامك أن المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية لا تقف على مسافة واحدة من أطراف العملية السياسية في اليمن؟

- لا.. ليس هذا ما قصدته. أنا قصدت من كلامي أن السلطة والنظام هما اللذان خذلا المبادرة برفضها، وكان ضروريا وجود موقف معلن من قبل أصحاب المبادرة في ما يخص عملية الرفض. لماذا أقول ذلك؟ أقول ذلك لأن الأشقاء في الخليج لم يقحموا أنفسهم في الشأن اليمني إلا بعد أن طلب منهم ذلك، واستشعارا منهم بأهمية المشاركة في إيجاد حل لهذا الوضع تشاوروا مع كل الأطراف قبل أن يقدموا مبادرتهم. وانطلقت المبادرة التي قدموها من الأسس نفسها التي قدمتها السلطة في 23 مارس (آذار) 2011، وهي أن ينقل الرئيس سلطاته إلى النائب، وقد كان هذا هو المنطلق الذي ارتكزت عليه المبادرة في شقها الأول، أما الشق الثاني فهو يركز على ضرورة التأكيد على أهمية التوافق الوطني بين كافة القوى السياسية (تشكيل حكومة والحوار وما إلى ذلك) وهنا كان لا بد لأصحاب المبادرة والمجتمع الدولي الذي أيد المبادرة من حماية مبادرتهم. لا سيما أن هذه الأطراف هي شريك إقليمي ودولي لليمن، والشراكة تعني أن ما يتعرض له هذا البلد من انهيارات سيكون له أثر على الجميع.

* أجبني بشكل صريح.. هل هناك ضغوط تُمارس على «المشترك» بخفض سقف مطالبه ضمن المبادرة الخليجية؟

- أولا لا أفهم ما هو المقصود بتخفيض سقف المطالب. لا أرى أن هناك مطالب تخفض حتى تكون هناك ضغوط. وفي ما يخص عملية التغيير، فإن الجميع متفق على ذلك، وهذا ما ورد في المبادرة في الجزء الثاني منها، وهو موضوع التوافق الوطني سواء في ما يخص تشكيل حكومة أو الحوار. هذا في الأساس هو مطلب «اللقاء المشترك»، فمن أين ستأتي الضغوط عليه؟ أعتقد أن ما جاء في المبادرة، وخصوصا إشراك كافة القوى السياسية في الحكومة وفي الحوار، كان هو مطلب «اللقاء المشترك». ومع ذلك فقبول الشراكة الدولية والإقليمية لا بد أن تنشأ عنه استجابة لتفهمات تراعي مصالح جميع الشركاء.

* ما هو موقف «المشترك» من طروحات الشباب التي تقول بضرورة محاكمة رموز الفساد، الذين سفكوا الدماء طوال الأشهر الماضية؟

- من الأسباب التي جعلت الشباب يتحفظون على المبادرة؛ أنها اشتملت على ضمانات، والمؤسف أن النظام بممارساته أساء إلى هذه المبادرات بمواصلة سفك الدماء والقتل، وكل ذلك كان يتم في ظل هذه المبادرة، وكان الناس يقولون إن هذه المبادرات تقدم مظلة لنظام لا يتردد في القتل وسفك الدماء، وإن النظام ما دام قد ضمن أنه سيحصل على ضمانات فلا يهمه بعد ذلك أن يستمر في القتل وسفك الدماء. وموقف «المشترك» أن الذين أقدموا على القتل وسفك الدماء واستخدام الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين هؤلاء لا يوجد قانونا ولا منطقا يعفيهم من هذه الجرائم، ولا يستطيع أحد أن يسامح غير أولياء الدم. وقد كان نداؤنا منذ البداية للسلطة، أنه ما دام الخروج سلميا فعليكم تجنب إسالة الدماء، وأما في الحقوق الخاصة فلا أحد يستطيع تقديم ضمانات.

* هل يرى «المشترك» كأحد مكونات العملية السياسية أن انضمام بعض القيادات العسكرية والقبلية إلى ثورة الشباب أعطاها زخما أوسع، أم أنه ربما يحرف الثورة عن مسارها؟

- لو أن علي عبد الله صالح، وعبد ربه منصور هادي، وبقية أركان النظام، انضموا إلى الثورة وأعلنوا إيمانهم بمبادئها، هل كان سيزيدها زخما أم سينحرف بها عن المسار؟ في تقديري لو أنهم انضموا إلى الثورة لكنا نجونا من كل هذه الإشكالات التي حدثت، ولتسارعت عملية التغيير بشكل سلس. إذن ما ينطبق على هؤلاء ينطبق على غيرهم. جزء من النظام انضم إلى الثورة وآمن بمبادئها وأصبح جزءا منها، والآخر قاوم وتمترس وراء السلاح، واعتدى على الثورة، وسفك الدماء أوصل البلد إلى ما وصلت إليه. هذه هي المعادلة.

* يُتهم النظام من قبل المعارضة بأنه يستخدم «القاعدة» كفزاعة لجلب الدعم الدولي، ولكن هناك تقارير شبه يوميه في صحف غربية معتبرة تشير إلى تمكن عناصر مرتبطة بـ«القاعدة» في بعض مناطق اليمن. ولعل أحداث محافظة أبين خير شاهد على عمق التهديد الذي تشكله «القاعدة» التي استغلت الانفلات الأمني في الشهور الأخيرة.. ما هي رؤيتك لملف «القاعدة» والإرهاب في اليمن؟

- ملف «القاعدة» من الملفات الثقيلة في اليمن، ومن الصعب في حديث موجز أن نقول كل شيء عن هذا الموضوع، ولكن دعني أقول إن المعارضة لا تتهم النظام جزافا باستخدام «القاعدة» كفزاعة، وإنما أكثر الوقائع خلال الفترة الماضية تشير إلى أن النظام أراد أن يقيم شراكته الدولية على أساس مكافحة الإرهاب، ولم يجد من عناصر أخرى تقدمه للعالم غير هذا العنصر. ولذلك فإنه وظف هذا الملف توظيفا ممتازا لصالح بقائه والاعتراف بدوره شريكا في عملية مكافحة الإرهاب. واليوم وبعد هذه المرحلة الطويلة من الشراكة والمراوغة والتوظيف من قبل النظام، علينا أن لا نستهين بوضع تنظيم القاعدة في اليمن، لأن الإرهاب آفة حقيقية من موروثات هذا النظام التي عبر عنها ذات يوم عندما قال إن اليمن قنبلة موقوتة، وكأن هذا النظام أمضى 33 سنة يعمل على صناعة هذه القنبلة الموقوتة.

* في رأيك.. هل خرج الرئيس علي عبد الله صالح من اللعبة السياسية في اليمن؟

- إذا قصدت الرئيس علي عبد الله صالح كشخص، فأنا أقول نعم، وإذا أردت علي عبد الله صالح كنظام فأعتقد أنه ما زال حاضرا.