يوميات عُرْي
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 8 أيام
الجمعة 06 أغسطس-آب 2010 05:26 م

السبت

فتح عينيه ثم مد قوائمه وأخذ يرفع جسده عن الأرض ويمطه وينشب مخالبه في الإسفلت وينفش فروه الذي وقف كأن قوة مغناطيسية قد نافرت بين كل شعرة وجارتها، وسرت في جسده قشعريرة لتنفض عنه النوم والخمول وقطرات الندى التي بللت ظهره ليلة البارحة ...

أخذ يتلفت يمنة ويسرة ويبحث عن إفطاره حول برميل القمامة الذي تكدست حوله النفايات بالأطنان .. وقعت عيناه على صحيفة يومية ملفوفة قد برز منها راس سمكة مشوية، قفز على الجريدة بخفة متناهية ثم قام بتمزيقها حتى وصل الى غايته وبدا يلتهم وجبته المفضلة وفجأة ظهر أمامه مانشيت عريض كتب على الصحيفة يقول \" الجهاز المركز للرقابة والمحاسبة يكشف عن فساد بأكثر من 2 مليار ريال في صندوق نظافة العاصمة \"

-2 مليار ريال ؟؟!!!

كاد أن يختنق فقد وقفت اللقمة في حلقة وغص بها ولكنه غالبها حتى بلعها بشق الأنفس ...

- 2 مليار ريال ؟؟ كيف بلعوها أولاد الـ ............؟؟ لم يكمل الكلمة فلقد تذكر نصيحة جده التي تقول أن من يذكر عدوه اللدود من الصباح الباكر يكون يومه مشئوما فسحب الكلمة وتذكر أنه لولا فساد صناديق النظافة لمات الآلاف من أبناء جلدته القطط جوعا وفاقة ، ولكن فساد القائمين على نظافة المدن هو ما يتسبب في بقائهم أحياء ، ورغم أن رائحة فسادهم تفوق ما ينبعث حوله الآن إلا أنه ممتنٌ لهم ولفسادهم الذي يجعله يعيش في هذا النعيم ..

الخبر المقزز سد شهيته فتوقف عن الأكل ومضى في طريقه الى الشجرة المنتصبة أمام دكانة الحج حسين وطوى جسده تحتها ودخل في غفوة عميقة ...

الأحد

الجلبة والضجيج التي أحدثها أحدهم وهو يفتش الأكياس وينثر ما بداخلها و يجمع فتات الخبز ويضعها في سلة يحملها جعلته يصحو مذعورا فقد كان يعتقد أن البلدية قد استفاقت مؤخرا من سباتها وقررت تنظيف المكان ، لكن الله سلم ، ولم يكن بالجوار سوى شيخ كبير السن يجمع فضلات الطعام، زمجر صاحبنا متضجرا وحدث نفسه -البشر ورانا ورانا حتى إلى براميل القمامة ..

-لكن صحيح ناس تستاهل ..

أنا أحب الفاسدين لأنهم يطعمونني ، طيب هذه المخلوقات ليش تحب الفاسدين الذين يجيعونهم ؟ صحيح الله يرحم جدي كان يقول عن البسس التي ترافق من يقسو عليها \" مثل اليمني يحب خنَاقه \"

الإثنين

لم يتمالك نفسه وهو يرى قطة تنبش الأكياس وتبحث عما يسد رمقها فصرخ في وجهها -أيش هي زبالة من غير بواب ؟ وانقض عليها ودارت بينهما معركة حامية الوطيس فتشابكا بالأيدي والأرجل وعضا رقبتي بعضهما وتطايرت الأشياء حولهما في كل مكان حتى أنهكهما التعب فاستلقيا جوار بعضهما وهما يلهثان بقوة، قالت له وهي تلهث

- صحيح أنتم البسس حق المدينة ما عندكم رحمة ولا شفقة صرتم زي البشر بالضبط .

رد عليها

- يعني تعتدي على برميلي واسكت لك !! ليش أبوك ضابط ؟؟

- ولا اعتداء ولا حاجة يا ابن العم لكن أنا ميتة جوع 4 أيام مسافرة من صعدة وما أكلت شي ..

سألها متهكما

- - ليش مافيش عندكم مكاتب لصناديق النظافة ؟

- ما عندنا بشر كلهم هربوا من الحرب بين الحكومة والحوثي ..

سألها بخبث

- - ليش في حوثيين في صعدة ؟

- مشكلتك انك عري مش فاهم حاجة ولا تقرا ولا تتابع الأخبار

- يا بنت البس أنا اقرا الأخبار طازجة من كشك التحرير لكن من كثرة ما قرأت عن هذه الحرب وكيف تدار تأكد لي إن الحوثيين الحقيقيين عندي هنا في صنعا ...

قومي قومي كلي لقمتين قبل ما يسمعنا جاري المخبر ، وأشار الى المجنون الرث الثياب الذي يتكوم في مكان قريب منها ..

الثلاثاء

- قم قم يا دحباشي قم ... مش كفاية من يوم السبت وأنت مكوش على كل حاجة .. كانت هذه الكلمات هي أول كلمتين سمعهم من صباح هذا اليوم .. فتح عيونه فوجد قطا آخر مكشرا عن أنيابه يقف فوق رأسه ويوبخه من الصبح ..

- شوف يا حبيبي أنا سهران طول الليل ومش فاضي اسمع أي شي خذ البرميل كله لك ، وانسحب إلى تحت الشجرة وهو يتمتم بتذمر الجماعة أخذوا كل حاجة واحنا جالسين نتقاتل على البرميل!!! صحيح مافيش فايدة .

ثم غط في نوم عميق ...

الأربعاء

وهو متوجه لأخذ قسطه من الراحة داس على ورقة نقدية من فئة 100 ريال تجاهلها وأكمل طريقه إلى تحت الشجرة وبدأ يرقب ردة فعل الناس عند رؤية المبلغ ، لكن ما اكتشفه أن لا أحد قد أعار الورقة أدنى اهتمام فترحم على الريال حينما كان ينحني الكبار لالتقاطه ، فعرف أن قيمة البلد كله قد هوت ...

الخميس

صحا من نومه وهو يحس بجوع شديد بحث عن وجبة طازجة ، وكلما مزق جريدة ملفوفة وجدها صحيفة حكومية ..

قال لنفسه أنا مش مجنون آكل طعام ملوث ، يكفي السندوتش الذي أكلته الأسبوع الأول من صحيفة 26 سبتمبر كنت رايح في ستين داهية ؟ أحسن حاجة اليوم انوي الصيام ...

الجمعة

صوت بكاء رخيم تناهى الى أذنيه وهو يشق طريقه باكرا بين الأكوام ، وقف مشدوها أمام زنبيل صغير قد وضع بداخله طفل كأنه فلقة القمر كان يصرخ وقد شحب صوته وخنقته العبرات ، اطل عليه داخل الزنبيل فتبسم الطفل بوجهه وعلت صوت ضحكته ، سارع للتمسح به ولعق يديه استمر الطفل بالضحك المشبوب بالبكاء ، وهنا لم يتمالك هو دموعه وقال محدثا الطفل الصغير كله يهون يا صغيري ، فساد مالي وسكتنا ، فساد سياسي وسكتنا ، فساد إعلامي وسكتنا ، لكن أن يصل الفساد إلى أخلاق الناس فهذه طامة كبرى ، الله يجازي من كان السبب وبقي يحوم حول الصغير حتى ارتفعت الشمس وبدا الناس يتوجهون إلى صلاة الجمعة حيث تحلقوا حول الزنبيل وانسحب هو يتحسر على هذه المخلوقات التي تسمى يمنيين ...

** العُري : القط في بعض لهجات أهل اليمن