قصر العجائب تحفة معمارية تحرس وادي ظهر
بقلم/ خالد الهروجي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 4 أيام
الأحد 05 أغسطس-آب 2007 05:21 م

 اعتاد سكان مدينة صنعاء، منذ أمد بعيد، على التنزه أيام الجمع والإجازات، في عدد من المناطق المحيطة بمدينتهم، وفي مقدمة هذه المناطق (وادي ظهر) الشهير، هناك على سفوح هذا الوادي الذي يحتضن"دار الحجر" كواحدة من أهم وأجمل التحف المعمارية الفريدة، تقام العديد من الحفلات الراقصة، على إيقاع "المزمار" ودقات "البرع" للعرسان الجدد الذين يزفون إلى هذه المنطقة صباح كل جمعة، للاستمتاع بمناظر الوادي الخضير.

 الطريق المؤدية إلى وادي ظهر، تمر في مناطق صخرية قاسية، تشعرك في بادئ الأمر بنوع من الكآبة التي سرعان ما تتبدد عند الوصول إلى سفح الجبل المطل على الوادي من الجهة الجنوبية، قبل أن تنحدر الطريق إلى قلب الوادي.

 فمن هذا السفح تشاهد تفاصيل الوادي المحاط بالجبال الشاهقة من ثلاث جهات هي الغرب والشمال والجنوب، وكان ذا شهرة واسعة منذ عصور ما قبل الإسلام، وفقاً للعديد من النقوش الأثرية القديمة والمؤلفات التاريخية للمؤرخين، أمثال الهمداني، الذين أكدوا إن وادي ظهر كان يشتمل على نهر عظيم يسقي جنتي الوادي اللتين كانتا تجودان بأنواع شتى م ن العنب.

 عند نهاية المنحدر الذي يقود الزوار إلى قلب وادي ظهر، تشاهد العديد من الأشخاص وبخاصة صغار السن، وهم يفترشون جانبي الطريق، وأمامهم العديد من علب الصفيح التي يعرضون عليها الثمار والفواكه التي تنتجها مزارع الوادي في مختلف المواسم.

 هنا تباع الفواكه التي تتميز بحلاوة المذاق مثل الكمثرى، التفاح، العنب، التين بنوعيه الشوكي والأسود، والفرسك أو الخوخ وغيرها من الفواكه, بالإضافة إلى المحلات المخصصة لبيع أجود أنواع "القات" في اليمن.

 وبعد تجاوز مئات الأمتار من الطريق الترابية المتعرجة التي تخترق منازل السكان ومزارعهم، يقف زوار هذا الوادي في حضرة قصر العجائب "دار الحجر" الذي يجعلهم يعيشون حالة من الدهشة والانبهار، وهم يتنقلون بأبصارهم بين مكونات هذه التحفة المعمارية الفريدة، ذات الطراز المعماري اليمني الأصيل شكلاً ومادة.

 وقبل أن تكتمل صورة هذا البناء بكل تفاصيلها في ذهن الزائر، يحدث نوع من التداخل مع صورة أخرى تسرق الانتباه، ليتركز على شجرة عملاقة من أشجار "التالوق" تنتصب إلى يمين بوابة سور الدار، والتي يصل محيط جذعها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، وعمرها يزيد عن 700عام، وفقاً لتأكيد المرشدين السياحيين في القصر.

 وبالرغم من كثرة التفاصيل الموجودة داخل الباحة الواسعة، والتي تسترعي الانتباه، إلا أن الكل يتجه صوب الدار الذي يتكون من سبعة ادوار شيدت على صخرة عملاقة من الجرانيت، وهو ما يفسر تسمية هذا القصر بدار الحجر نسبة إلى "الحجر" أو الصخرة التي بني عليها، للتعرف على مكوناته وخصائصه.

 وتؤكد المصادر التاريخية أن العالم والشاعر علي بن صالح العماري الذي اشتهر بالمعرفة الواسعة في العديد من العلوم، وبخاصة علم الهندسة والعمارة والفلك، هو الذي شيد هذا القصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، بأمر من الإمام المنصور علي بن العباس، ليكون قصرا صيفيا له، وهي الفترة التي كان فيها الأتراك يحتلون ويحكمون اليمن.

 ذات المصادر أوضحت أن دار الحجر بني على أنقاض قصر سبئي قديم، كان يعرف بحصن "ذو سيدان"، ويقول المشرفون على القصر ـ الذي تحول إلى معلم سياحي، وفتحت أبوابه أمام الزوار لمشاهدته من الداخل، والتعرف على تفاصيله الهندسية والمعمارية ـ أن الملحقات والإضافات التي بنيت في باحة القصر الواسعة، تمت بأمر من الإمام يحي حميد الدين، بعد أن توارث الأئمة والملوك الذين حكموا اليمن هذا الدار، إلى جانب جزء من الدار تم إضافته إليه.

 ويتميز دار الحجر باختلاف واجهاته الأربع، وتعدد المناظر البديعة المحيطة بالدار، والتي تشاهد من نوافذ الغرف والشرفات. حيث يظهر من كل نافذة أو شرفة منظر مغاير للوادي المطلة عليه.

 الدار من الداخل يتكون من جناح خاص بالاستقبال في الدور الأول، ويتكون من صالة رحبة وعدد من الغرف الملحقة، وفى الدور الثاني الذي يتم الصعود إليه عبر سلم يبدو منحوتاً في الصخرة المبني عليها الدار، وتوجد ردهة تفضي إلى رواق مكشوف خارج الجسم الأساسي للدار, ولكنه متصل به في ذات الوقت، وهذا الرواق منحوت على حافة الصخرة، ليقود إلى كهوف منحوتة في الجانب الغربي منها، كانت تستخدم قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة كمدافن للموتى الذين كان يتم تحنيطهم في ذلك الوقت.

 ولكن هذه الكهوف تحولت، في عهد الإمام يحي حميد الدين الذي حكم اليمن هو وأبناؤه ابتداء من 1928 وحتى قيام الثورة اليمنية عام 1962إلى أبراج مراقبة للحراسة الخاصة به، وهذا الجزء هو من بقايا القصر السبئي القديم.

 ومن عجائب القصر السبئي القديم الذي يعد جزءاً من الدار، وجود بئر مخروطية كانت تؤمن احتياجات القصر من المياه, وقد شقت هذه البئر المكونة من قناتين في قلب الصخرة، حتى الوصول إلى باطن الأرض حيث توجد المياه السطحية.

 ووفقا للمرشد السياحي علي محسن قيزل، الموجود في الدار، فإن طول قناة البئر التي كانت تستخدم لسحب المياه 180مترا، أما القناة الثانية وكانت خاصة بالتهوية فطولها 150 مترا فقط، وهي ذات مسار معوج، الأمر الذي جعلها تلتقي بقناة المياه بعد ما يقرب من 50 مترا.

 وللصعود إلى الدورين الثالث والرابع يوجد سلمان، أحدهما يقود إلى جناح النساء، والآخر إلى جناح الرجال، وفي منتصف السلم الخاص بالنساء توجد غرفة صغيرة مخصصة لـ"الدويدار"، وهو لفظ تركي يطلق على الخادم الصغير الذي لم يتجاوز سنه خمسة عشر عاما، ويقوم بمهمة الخدمة وجلب الاحتياجات المتعلقة بالنساء، نظرا لأنه لم يكن يسمح لأي شخص من الحراسة بتجاوز ذلك "الدويدار" إلى الأعلى أو رؤية نساء القصر.

 وفي الدور الثالث يوجد جناح خاص بوالدة الإمام، وقسم آخر خاص بسكن الجواري والخادمات، وفي هذا القسم يوجد المطبخ ومطاحن الحبوب المكونة من الأحجار "الرحى"، ومن سكن الجواري يوجد ممر يفضي إلى شرفة واسعة في الجانب الشرقي، تسمى "المصبانة"، وهي المكان المخصص لغسل الملابس ونشرها، وبالقرب من هذه الشرفة بركة صغيرة، تتجمع فيها مياه الأمطار لتستخدم في الغسيل.

 وينقسم الدور الرابع إلى قسمين، أحدهما خصص كجناح لولي العهد، الذي كان بمثابة وزير للمالية، إلى جانب ولاية العهد، وفي هذا القسم غرفة واسعة ومربعة الشكل وبداخلها خزنة في جسم الغرفة وتبدأ فتحتها من منتصف الجدار، ويتم الصعود إليها بواسطة سلم خشبي مبتكر، مكون من درجتين فقط، تسحبان إلى الخارج عند الصعود إلى الخزنة، ثم تغوصان في عمق الجدار لتكونا مخفيتين.

 وفي الجانب الآخر من الدور الرابع، يوجد عدد من الغرف اثنتان منها لزوجتين من زوجات الإمام الأربع، ومجلس نسائي شتوي، وضعت على نوافذه المشربيات الخشبية التي تسمح بالرؤية من الداخل وتحجبها من الخارج.

 الدور الخامس أيضا ينقسم إلى قسمين، أحدهما نسائي وفيه غرفتا الزوجتين الأخريين للإمام، وغرفة جلوس وملحقاتهما، علاوة على "المدفن" وهو المكان المخصص لخزن الحبوب، وهو أشبه بالبئر غير أن قطره أوسع وأقل ارتفاعا، حيث أنه لا يزيد عن سبعة أمتار، ويربط بين الدورين الخامس والرابع.

 أما الجانب الآخر فهو عبارة عن صالة وسلم يؤدي إلى الدور السادس مباشرة، حيث يوجد الجناح الخاص بالإمام يحيى، ويتكون من غرفتين إحداهما مخصصة للمقيل مع عدد محدود من مقربيه، وهي مطلة على الجهتين الشرقية والشمالية، لتوفر جوا باردا أثناء الصيف، والغرفة الأخرى شمالية أيضا، ولكنها صغيرة وتسمى "الكـُمَّة" وهي الغرفة التي لا يدخلها أحد غير الإمام، الذي كان يختلي بنفسه فيها للقراءة والعبادة، ويحتفظ فيها بأوراقه الهامة، وفي الجانب المقابل لجناح الإمام، يوجد المقيل الشتوي، وهو عبارة عن مجلس واسع بملحقاته، وشرفة خاصة بالحمام الزاجل، الذي كان يستخدم في المراسلات.

 ويتكون الدور السابع من مجلس شتوي واسع، تم استحداثه بعد قيام الثورة اليمنية، وكان قبلها عبارة عن مطبخ مع ملحقاته، وأسطح مكشوفة ومسيجة بالجسم الخارجي لبناء الدار، في شكل نوافذ بيضاوية الشكل، بعض هذه الأسطح مخصصة لإطلالة النساء، ولا تسمح بالرؤية من الخارج، والبعض الآخر مخصص للرجال.

 وتتوزع في زوايا عدة من دار الحجر الثلاجات الطبيعية المخصصة كأماكن لوضع الأواني الفخارية التي كانت تملأ بالمياه بغرض تبريدها، كون هذه الثلاجات تسمح بمرور الهواء عبرها من ثلاثة اتجاهات، في حين يغلق الجانب المتصل بالداخل في شكل نافذة.

 وفي باحة القصر الواسعة، يوجد جناح استقبال خارجي، يطلق علية اسم "الشذروان"، وهو مبنى منفصل عن القصر، ويتكون من مقيل صيفي له ساحة مسيجة بنوافذ خشبية افتراضية، وبها ثلاث نافورات للمياه, وخلفه يوجد المطعم الرئيسي وغرف الطبخ، وفي مواجهته مبنى الإدارة ومقر المحكمة وحمام بخاري تركي، ويوجد خارج أسوار الدار مسجد بناه الإمام ومنازل حاشيته وحرسه.

 إن دار الحجر يعد واحداً من المآثر المعمارية العظيمة، بفعل مكوناته التي تجمع كل احتياجات سكانه، وتجعلهم يعيشون فيه لسنوات دون أن يحتاجوا للخروج منه، فالمياه متوفرة فيه، ومخازن الحبوب. ويستطيع سكانه أن يراقبوا منه كل مداخل ومخارج المنطقة، وهي الجوانب التي عادة ما تحتاجها الأسر الحاكمة لتأمن غدر الأعداء، وفي ذات الوقت البقاء داخل هذا الدار لفترة طويلة في أوقات الحصار والحروب. 

*عن الغد