بالأسماء والتفاصيل.. إليك المرشحون للمشاركة بإدارة ترامب فضيحة ثالثة تنفجر في مكتب نتنياهو.. ماذا تعرف عنها ؟ توقعات بحدوث زلزال مدمر بهذا الموعد… ومصادر تكشف التفاصيل إفراج الحوثيين عن موظفة أممية بعد خمسة أشهر من الاحتجاز 10 أغنياء استفادوا من فوز ترامب بالرئاسة مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية
مأرب برس – خاص
الذل والهوان الذي يصيب الفرد ليس إلا حالة نفسية تعتري الفرد نتيجة لعوامل متعددة تحيط به.
فمن طبع النفس الإنسانية حب الحياة ، والتشبث بها ، والركون إلى نعيمها وشهواتها.
ومن طبعها أيضاً أن تعيش لهدفٍ سامٍ، تعمل على تحقيقه، ولا تـبـالـي بالمتاعب والـمـصـاعـب التي تعترضها من أجل ذلك .
وهنا ينقسم الناس إلى قسمين :
القسم الأول : يفضل أن يتحمل المصاعب، ويتحمل المتاعب ، ويتقبل الأذى والحرمان من الحياة الرغيدة ، وربما دفع من حريته ثمناً في سبيل أن تبقى القضية - التي نذر لها نفسه - حية ولسان حاله :
لا تسقني كأس الحياة بذلة ولتسقني بالعز كأس الحنظل
القسم الثاني : يؤثر السلامة ، والحياة الرغيدة ، لا يحتمل أي أذىً في نفسه ولا في ماله ولا في أهله ، يجزع أمام أي عقبة تعترض طريقه فينحني لها ولو أدى به ذلك أن تداس كرامته ، وتسحق تطلعاته ، ويكون كل همه أن يبقى على قيد الحياة ، متمتعاً بمستوى معيشي معين.
هذان صنفان من الناس كل منهما يعيش حياته بمفهوم خاص ، ويتخذ مواقفه بما يتلاءم مع مفهومه ، وقد عبر المتنبي عن هذا المعنى بقوله :
أرى كلَّنا يبغي الحياةَ لنفسه حريصاً عليها مستهاماً بها صباً
فحبُّ الجبانِ النفس أورثه التقى وحب الشجاع النفسَ أورثه الحربا
وهنا سؤالٌ يطرح نفسه بقوة : هل الذل موروث أم مكتسب؟
وللإجابة على هذا السؤال أضع سؤالاً آخر : هل الذل خلق من الأخلاق ؟
والإجابة بالطبع : نعم .
وبما أن الأخلاق مكتسبة وليست وراثية ، فالذل إذن خلق مكتسب عن طريق التربية التي تأتي انعكاساً للظروف الخارجية المحيطة بالإنسان .
وصدق الحبيب (ص) : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" .
والمصيبة الدهماء أن هذا الخلق إذا استمر ، فسيلقنه جيل سابق لجيل لاحق فيصبح وكأنه طبع موروث لا حيلة للفكاك منه.
فالذل الاجتماعي : الذي يصيب الشعوب ، ويصبح ظاهرة مرئية محسوسة ، يـنـتـج عــن القمع والاستعباد والإهانة والحرمان والإهمال ، وجيلاً بعد جيل تعتاد الشعوب على هذا النمط من العيش ؛ فيصبح الذل سمة بارزة تشتهر بها كما هي حالة الشعوب العربية والإسلامية .
ولا شك في أن هذا الذل إنما هو في الأصل عقاب من الله تعالى ، فالله تعالى يعاقب الناس ويبتليهم جراء ذنوبهم جزاء ما فرَّطوا ، فيضرب عليهم الذل والسكينة ، ويسلط عليهم ما لم يكونوا يتوقعون ، كل ذلك من أجل أن يرجعوا عن غِّيهم ويثوبوا إلى رشدهم ، ويتخلوا عن التقصير، بعد أن ركنوا إلى الأرض واستحبوا القريب العاجل على الخير الآجل .
عوامل الذل :
سؤالٌ آخر يطرح نفسه في هذا الإطار هو :
ما الذي يجعل شخصاً ما، أو شعباً من الشعوب، ذليلاً؛ خاضعاً، مكسور الشوكة، مهيض الجناح؟
لا شك أن وراء ذلك سبباً ، أو أسباباً أدت إليه.
أسباب ذاتية :
وهي قابلية وأهلية للخضوع، تكبر مع الزمن، في ظل غلبة الشهوات والانقياد إلى حب الدنيا وما بها من متاع زائل.
إن الأمة عندما تصبح الشهوات فيها هي المتحكمة ، وتجعل الرفاهية هدفاً رئيسياً لها ؛ تكون قد دخلت طور الانهيار والاضمحلال من بابه الواسع.
قد تعيش سنوات - تطول أو تقصر - في ظل هذا العبث ، وقد يزدهر اقتصادها ويتضخم إنتاجها ، ويخدعها كل ذلك عن النهاية المحتومة التي ستصير إليها يوماً ما ، ولكن ريحها ستذهب ، ودولتها ستدول لا محالة ، بل إن الأمة التي تفشو فيها مثل هذه المفاهيم تصبح ألعوبة لفئة قليلة من الناس تميل بها ذات اليمين وذات الشمال ، عصابة حاكمة تتحكم فيها وتسومها سوء العذاب ، وقد وصف الله تعالى في كتابه العزيز هذه الحالة ، ممثلة في قوم فرعون فقال ، عز وجل: ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)) [سورة الزخرف 54].
فأي طاغية لا يبسط سيطرته على الجماهير إلا بعد أن تسقط هذه الجماهير صرعى الشهوات والمطامع ، وتتمرغ في أوحال الفسق والبعد عن الحق ، وعدم الالتفات إلى هدي الله والتمسك بحبله ، وتستبدل ميزان الهوى بميزان الإيمان ، أما المؤمنون الذين يبصرون الحقائق بنور الهداية ، ويَزِنون لأمور بميزان الإيمان ، فمن الصعب -إن لم يكن من المستحيل - الاستخفاف بهم، وتوجيههم الوجهة التي تجعلهم "غثاء كغثاء السيل".
وأسباب خارجية : وهي أسباب لها ارتباط قوي بالأسباب الذاتية ، ارتباط النتيجة بالسبب.
فعندما تغفل الأمة عن مقومات وجودها ، يسطو على قيادتها نفر لا يحملون إلا الأهلية التي يتمتع بها الغاصب المتغلب ، ولا يمتازون إلا بما يمتاز به قطاع الطرق ، من الجرأة على سفك الدماء ، ونهب الأموال ، وهتك الأعراض ، واغتصاب الحقوق وعند ذلك تكتمل الدائرة ، وتتواصل حلقات السلسلة التي يجد الأفراد والأمة أنفسهم محاطين بها ، وبعد أن كانت حالة الذل الأولى مجرد قابلية ، يصبح الواقع الجديد للأمة مدرسة منظمة لهذا الخلق الذميم ، فكل الجهود الجماعية للأمة تصبح موجهة لتغرس مفهوم الذل في النفوس.
فالقوانين ، التي تشرع، والعادات التي تشجع، والثقافة التي تسود ، والأجهزة والقنوات الإعلامية التي ينفق عليها من كدح الأمة وعرقها ، كل ذلك يسير في اتجاه واحد هو تثبيت معاني الذل والخنوع ، وتجريد الأفراد من كل معاني عزة النفس والعفة ، وضرب وتشويه كل خلق يشير إلى تماسك الشخصية ، والبعد بها عن كل مواطن الطهارة النفسية والجسدية ، والعمل ، ليل نهار ، من أجل اقتلاع أخلاق راسخة حفظت للأمة كيانها ، وأمسكت عليها وجودها مميزاً ، وذلك بالتشكيك تارة ، وبالسخرية من هذه الأخلاق تارة أخرى ، وبالجرأة الوقحة التي يُغالي في الإنفاق عليها ، وإغداق المال والجوائز والألقاب على من يتولون كِبْرَها ، في الوقت الذي تهدر فيه الكرامات ، وتداس فيه الحريات ، وتكمُّ فيه أفواه الحق ، وتطلق فيه ألسنة الباطل ، وتنقبض فيه الأيدي عن البذل في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا بقيت - بعد كل هذا - بقية لم يؤثر فيها هذا الإلحاح المتواصل على " غسل مخها " والتخلي عما تعتقده وتراه ، ووقفت - ما أمكنها ذلك - صابرة مرابطة محتسبة ؛ فهناك علاج من نوع آخر لمن لا تؤثر فيه هذه المؤثرات ، حيث يؤخذ بالشدة والعنف ، ويحارب في رزقه ، وحريته ، وسمعته.
إن ذل الأمم مقدمة لظهور الفساد بشتى صنوفه وألوانه ، وإن ما يصيبها من الظلم ، وما تُرمى به من صنوف البلاء: كالفقر ، وانعدام الأمن ، وهدر الحقوق ، وتسلط الرعاع والسِّفْلة ، و... كل ذلك ليس إلا ابتلاء من الله ، وعقوبة منه على التفريط ، وحب الدنيا ، ونسيان الآخرة ، وصدق الله العظيم إذ يقول: ((ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) (الروم 41).