ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
لقد آن الأوان لأن نعيد تعريف الأمية، فلم تعد تلك المفردة، في مفاهيم اليوم تعني الأشخاص الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة، بل اتخذت معنى جديداً في عصر العولمة الإلكترونية ممثلة بشبكة الانترنت والكومبيوتر. وكل من لا يستطيع السير في ما أسماه نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور بـ"السوبر هاي واي"، أي الطريق الإلكتروني الواسع، فهو بالضرورة أمي، حتى لو كان يتقن خمس لغات، ويقرأ صفحة في جريدة بدقائق معدودة، ويكتب صفحات بلمح البصر، أو يحمل شهادات عليا. لقد تغيرت وسائل الاتصال والمعرفة والثقافة بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلاً، وبالتالي لا بد من اكتساب مهارات جديدة تماماً تناسب العصر، إذا كان لنا أن نجاريه، وننخرط فيه، ونتفاعل معه، ولا نعيش على قارعته.
كم كان أحد السياسيين في العالم المتقدم على حق عندما قال: "إن الإنسان الأمي الحقيقي في بلادنا هو ذلك الشخص الذي ليس لديه جهاز كومبيوتر يستطيع من خلاله أن يبحر في عالم الانترنت الهائل وينجز معاملاته الثقافية والحياتية كومبيوترياً وإلكترونياً". واعتقد أن ذلك السياسي كان مصيباً في تحليله، فقد انتقل الكثير من وسائل الاتصال والمعرفة والثقافة من الورق إلى شاشة الكومبيوتر. وقد اعترف تايكون الصحافة العالمي الشهير روبرت ميردوخ بأن "الصحافة الإلكترونية زلزال يهز عرش الصحافة الورقية". وقد توقع بيل غيتس صاحب امبراطورية "مايكروسوفت" للكومبيوتر والبرمجيات أن "أكثر من خمسين بالمائة من سكان العالم سيقرأون الصحف خلال خمسة أعوام عبر الانترنت". وإذا ظل الوضع كذلك فإننا قد نشهد زوال الصحافة الورقية شيئاً فشيئاً، ناهيك عن أن الكتب الإلكترونية تشهد رواجاً منقطع النظير. ولا ننسى أن سرعة البحث عن المعلومات وإيجادها على الشبكة العنكبوتية تجعل لعاب الباحثين والكتاب والصحفيين والمثقفين يسيل لدخول العصر الإلكتروني وهجر عالم الورق.
لقد انتقلت البلدان المتطورة من حالة معرفية إلى حالة معرفية أخرى، مع الإشارة طبعاً إلى أن ذلك الانتقال تم بعد أن تخلصت تلك البلدان من الأمية الأساسية تماماً منذ عشرات السنين، ولم يعد لديها شخص واحد لا يتقن القراءة والكتابة، فجاء الانتقال سلساً إلى العالم الإلكتروني الرهيب. أما نحن فما زال أمامنا ربما عشرات السنين كي نتخلص من أمية القراءة والكتابة قبل أن نفكر بالانتقال إلى دنيا التواصل الإلكتروني. أي أننا أصبحنا، بمقاييس اليوم، في مرحلة ما قبل الأمية الحديثة معرفياً، تماماً كما نحن في مرحلة ما قبل التصنيع صناعياًً وتكنولوجياً، خاصة وأن نسبة الأمية الأساسية في بعض الدول العربية مرعبة بكل المقاييس.
لا عجب إذن أن دخولنا العصر الإلكتروني يبدو بطيئاً جداً ليس فقط بسبب نسبة الأمية الهائلة في بلادنا، بل لأن طلائعنا وقياداتنا الثقافية والسياسية المسؤولة مسؤولية مباشرة عن الفشل المخيف في انتشال السواد الأعظم من الشعوب من براثن الأمية، تحاول أن تلعب اللعبة ذاتها بالتباطؤ في فتح السموات الإلكترونية لمن استطاع إليها سبيلاً، هذا إذا لم تسدها وتحاربها، وكأنها بذلك تطبق نفس السياسة الغوبلزية والهتلرية المعروفة، فقد كان هتلر وأتباعه يقولون: "كلما سمعنا كلمة "ثقافة" كنا نتحسس مسدساتنا". بعبارة أخرى، فإن الثقافة والمثقفين في نواميس وأقانيم أنظمتنا العربية خطر يجب مقاومته بالحديد والنار. ولا أحد يلومها على ذلك، فلولا نسبة الأمية الهائلة في مجتمعاتنا لما تمكنت تلك الأنظمة من إحكام قبضتها على رقاب الشعوب والدول بتلك السهولة المهولة. فكيف تطلب من شعب يعيش بعقلية القرون الوسطى والقبلية الجاهلية أو ما قبل العصر الزراعي وثقافة الأنهار، كما يسميها كارل ماركس، أن يطالب بحقوقه وينادي بالتغيير والإصلاح والنهضة. طبعاً لن يفعل، وسنظل نرى الملايين من الأميين المغفلين تخرج لمناشدة هذا الزعيم أو ذاك كي يبقى في السلطة، لأنها ما زالت تعتقد أن شق طريق لها في هذه القرية أو تلك، أو حفر بئر ارتوازي يروي عطشها، أو إنارة بعض الطرق المظلمة كل عشر سنوات أو أكثر، أو تأمين الخبز بسعر مخفض هو منتهى أحلامها، إن لم يكن قمة الإنجاز البشري.
لا شك أن التغيير بأمة من الأميين عملية في غاية الصعوبة، هذا إذا كانت ممكنة أصلاً. لهذا فإن النهوض والتطور والإصلاح في بلادنا سيظل مرتبطاً بمدى تقدم تلك البلاد على طريق التربية والتعليم والثقافة، خاصة وأن نخبنا الحاكمة تستغل حالة الأمية والتخلف لكي تسهل عليها عملية الحكم، بدلاً من الارتقاء بمجتمعاتنا ووضعها في مصاف المجتمعات المتقدمة. لهذا فإن سلاح التعتيم والتجهيل سيظل مسلطاً على رقاب المجتمعات العربية إلى ما شاء الله.
هل يعقل أن نسبة الذين يملكون أجهزة كومبيوتر في العالم العربي، حسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، نسبة متندية للغاية، إن لم تكن فضيحة ثقافية وتربوية بامتياز؟ هل يعقل أن نسبة المشتركين في شبكة الانترنت في العالم العربي لا يتجاوز الستة في المائة، بينما تبلغ في أمريكا مثلاً ثمانين بالمائة، ناهيك عن أن عدد مستخدمي الانترنت باللغة العربية لا يتجاوز بضعة ملايين في كل أنحاء العالم، بينما يزيد عدد مستخدمي اللغة الفرنسية على ذلك بكثير، مع العلم أن عدد سكان فرنسا حوالي ستين مليوناً، بينما عدد العرب أكثر من ثلاثمائة مليون. ولا داعي للمزيد من المقارنات العبثية.
فهل قدرنا أن لا ندخل عصراً حتى يكون الآخرون قد خرجوا منه إلى عصر أحدث؟