ربيع واحد وشتاءات متعددة (1-2)
بقلم/ وليد تاج الدين
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 27 يوماً
الأربعاء 15 أغسطس-آب 2012 10:23 م

انطلقت صفارة الربيع العربي من تونس فجأة ودون سابق إنذار وعلى حين غفلة من الحكام فكانت بمثابة ليلة القدر التي انفتحت لها قلوب الملايين في أرجاء الوطن العربي الغارق في بحر من المعاناة في كل جوانب الحياة على اختلاف الأنظمة المتسببة فيها, لم يكن هناك من هو ضد فكرة التغيير والتطلع نحو الأفضل إلا أن بعض التحفظات والمخاوف التي كانت تتصاعد خوفا من انتشار الفوضى وقلة الوعي بآليات التغيير وعدم وجود بدائل مناسبة للأنظمة الحالية وكان الغريب أن الحكام أنفسهم كانوا يبدون على استحياء تأييدهم لفكرة التغيير لكن بعيدا عن كراسيهم وبكيفية زمنية ومرحلية لا تتناسب وسرعة رياح التغيير المتصاعدة مما أفشلهم وأفشل كل تحركاتهم وحيلهم للحيلولة دون السقوط المدوي.

مع انطلاق الربيع العربي انطلق ربيع غربي آخر استغل حاجة الناس إليه وحوله إلى شتاء جفف أحلام البسطاء وزاد معاناتهم وبكيفيات مختلفة وذلك عبر العمل على انتقال السلطة من قوى وأنظمة قوية وذات خبرة سياسية كبيرة في الحكم ومسيطرة بما يتناسب وحجم الوعي المتواضع لدى هذه الشعوب وهي الأنظمة التي لم تعد صالحة للاستمرار إلى قوى ضعيفة وعديمة الخبرة في الحكم ولا تمتلك سوى التأييد الداخلي وانتشار تنظيمي مكَّنها من الصعود للواجهة مما جعلها البديل الوحيد المتوفر في الوقت الحالي رغم عدم رضا الغرب عنها خاصة أن اغلبها إسلامي ويحمل أفكار معادية للمصالح الغربية في المنطقة وللكيان الإسرائيلي لكن ليس من المعقول أن يظهر الغرب وكأنه ضد تطلعات الشعوب وعليه أن يجد وسيلة أخرى غير مباشرة للقضاء على الإسلاميين من الداخل.

التدخلات الأجنبية كانت مختلفة في بلدان الربيع وبكيفية تتناسب وحالة كل بلد إذ يختلف الأمر في تونس عن ما جرى في مصر أو ليبيا فلم تستطيع أي قوى أجنبية التدخل والتأثير في الثورة التونسية بسبب مفاجئتها للعالم وسرعة الحسم الداخلي دون اللجوء أو الاعتماد على أي مواقف دولية مما جعلها الثورة الأفضل من بين زميلاتها في البلدان الأخرى والتي حدث فيها من التدخلات الأجنبية ما افقدها الكثير من النجاح وأطال من عمرها لتصبح مسرحية تراجيدية تحمل للشعوب مآسي عديدة وتترك فراغا مكّن العابثين من العبث والفوضى وممارسة الأعمال غير المشروعة وإلصاق ذلك بالثورة.

فحينما أصبح سقوط نظام مبارك أمرا مؤكدا وأصبح الإخوان المسلمين على أبواب عهد جديد بعد حقبة طويلة من القمع والتضييق والحصار أدرك الغرب أن الزمن يتقدم بهم نحو الأمام وان لا مكان للوقوف في وجه الحركة الإخوانية القادمة بقوة ليتحول القلق الغربي من صعود الإسلاميين إلى تأييد وعدم ممانعة بغية الحفاظ على شعرة معاوية مع شعب مصر وبقية شعوب المنطقة المؤيدة لحركة الإخوان المسلمين والمتعاطفة معها وهي الكيان المنتشر والمنظم والبديل الوحيد لنظام مبارك في ظل عدم وجود تكتلات شبابية كبيرة أو أحزاب سياسية حقيقية توازي حجم النظام الساقط, وكان الموقف الغربي محل استغراب الكثيرين حينما لم يبدي أي قلق أو مخاوف من تقدم الإسلاميين نحو الحكم بل وكان يبدو كالمؤيد وهو الموقف المتوافق مع تطلعات شعوب المنطقة التي كانت بغالبيتها مؤيدة لها التقدم.

لم يتغير الهدف الغربي بالقضاء على الإسلاميين وإبعادهم عن الحكم والى الأبد لكن تغير الأسلوب والطريقة وبما يتناسب والموجه التي لا يمكن الوقوف في مواجهتها وأصبح التحدي الحالي يكمن في إحراق الحركة وإفشالها من الداخل بدءا بمصر منبع الحركة, وكل ها يأتي مع عدم الوقوع في عداء معلن مع تلك الأنظمة أو الشعوب بل عبر إبداء الاستعداد للدعم والمساعدات والتعاون.

يُدرك الكثير أن وصول الإسلاميين للحكم في هذه المرحلة الصعبة يضعهم في اختبار حقيقي أمام شعوبهم المتطلعة لعصر جديد من الحرية والعدل والبناء والتحرر من الوصاية الأجنبية والتدخلات الخارجية في شئون بلدانهم في حين توجد جملة من التراكمات السابقة والمشاكل الاقتصادية والتحديات الأمنية والاجتماعية التي يصعب حلها على المدى القريب, وهذا ما تسعى القوى المعادية لمنع الإسلاميين من تحقيقه وذلك عبر دعم القوى المعارضة في الداخل والمتضررين من هذا التغيير لزعزعة الأمن والاستقرار وخلق حالة واسعة من الفوضى لإشغالهم عن البناء والإصلاح وإثارة السخط العام وبالتالي تنامي الغضب الشعبي من حكمهم وإيقاعهم في مواجهه داخلية تكفل انخفاض التأييد الشعبي وفقدان الثقة بهم وتسهم في تنامي وصعود قوى جديدة يمكن تشكيلها وفق المصالح المستقبلية للغرب بعيدا عن الدين الذي يحد من هذه المصالح.

والنجاح في تنفيذ مخطط إفشال الإسلاميين داخليا في مصر والذي بدأت معالمه واضحة كفيل بإضعاف الحركة في دول عديدة طالما تأثرت بأحداث مصر وكانت تابعا لها في كثير من المراحل, مما سيؤدي إلى إضعاف الحركة الإسلامية في المنطقة العربية وإفقادها الوهج الذي تسعى للحفاظ عليه وهذا ما يجب أن تتنبه له الشعوب بشكل عام والإسلاميين بشكل خاص وان كنا على خلاف معهم في بعض الممارسات فغايتنا أن تصبح مصلحتنا في بلداننا أولا وقبل مصالح الآخرين فينا كما هو العادة.

tajwalid@gmail.com