الرئيس مرسي انتصار للربيع العربي!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 22 يوماً
الإثنين 25 يونيو-حزيران 2012 06:53 م

لم يكن من قبيل المصادفة أن نرى الألعاب النارية تعلوا سماء العاصمة صنعاء وباقي المدن اليمنية ، وكذا ارتفاع أصوات الهتافات والزغاريد ، ثم احتشاد الآلاف من شباب الثورة في مختلف الميادين اليمنية ، ابتهاجاً بفوز الدكتور / محمد مرسي رسمياً برئاسة مصر ، لم يكن كل ذلك مصادفة وإنما كان تعبيراً عفوياً عن ذلك التناغم الثوري بين البلدين ، على اعتبار أن الدكتور مرسي يمثل تيار الثورة في مواجهة الثورة المضادة التي كانت تريد إعادة إنتاج النظام القديم من خلال الوجه "الجديد القديم" المتمثل بشفيق ، وعندما يكون الحديث عن مصر بثقلها التاريخي والسياسي فإن فوز مرسي سيعني بالضرورة انتصاراً للربيع العربي ، وبالمقابل فإن فوز شفيق كان سيكون انتكاسة كبيرة للربيع العربي برمته ، ولأن الثورة اليمنية شديدة التأثر بالمشهد المصري ، فقد كانت هناك مخاوف كثيرة من أن تفوُّق شفيق قد ينعكس سلباً على مسار الثورة اليمنية ، ولأجل ذلك رأينا ذاك الاندفاع العفوي إلى الشوارع والساحات من قبل شباب الثورة في اليمن، ابتهاجاً بذاك الفوز التاريخي لمرشح الثورة المصرية، الذي لا شك بأنهم رأوا فيه انتصاراً لإرادة الشعب المصري كما لشعوب الربيع العربي قاطبة.

ولعل من المشاهد الجديرة بالتأمل من وجهة نظري في ذاك اليوم المشهود هو مشهد أنصار شفيق الذين بدأوا بالتجمهر أمام منصة الجندي المجهول بمدينة نصر من منتصف الظهيرة في تلك اليوم ، وما أن بدأ رئيس اللجنة العليا المستشار/ فاروق سلطان، بسرد تفاصيل الطعون المقدمة من المرشَّحَين التي كانت تشير إلى أن شيئاً لم يتغير في النتيجة بما يوحي تحولها لصالح شفيق ، حتى بدأت بعض المجاميع بالانسحاب عند أول إحساس لها بخسارة مرشحها قبل إعلان النتائج ، ومع أن كل القنوات الإعلامية التي كانت تدعم شفيق بشكل أو بآخر كانت قد صورت للرأي العام أنه في حال إعلان مرسي رئيساً فإن الطرف الآخر لن يسكت عن ذلك ولن يتنازل عن حقه في الفوز ، وتكهنت بحدوث اشتباكات بين أنصاره وبين أنصار المرشح مرسي ، إلاَ أننا رأينا العكس من ذلك هو ما حدث تماماً ، حيث تقهقرت تلك الجموع وتلاشت فور إعلان النتيجة لصالح مرسي، وتذكرتُ حينها قول الله سبحانه :"وأما الزبد فيذهب جُفاءً ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

كما أن مسارعة العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول العالم الغربي إلى تهنئة الرئيس الجديد بُعيد إعلان النتيجة مباشرة ، ربما بساعة أو بساعتين فقط ، عكس مدى القبول لدى تلك القوى الغربية الفاعلة بالتعاطي مع الواقع العربي الذي أفرزتنه ثورات الربيع العربي كما هو ، ورغبتها في عدم التصادم معه ، كما أن تلك التهاني أعطت دلالة واضحة بأن القراءة التي كانت سائدة لدى تلك القوى عن جماعة الإخوان المسلمين، أوعن ما يوصف بتيار الإسلام السياسي كانت قراءة خاطئة في مجملها حتى وقت قريب ، إذ أن مخاوف تلك القوى من هذه الجماعات كانت ترتكز على أساس يتعلق بمدى قبول هذه الجماعات الإسلامية بفكرة مدنية الدولة وبمفاهيم أخرى كالحداثة والمواطنة وغيرها من المفاهيم ، التي تُعنى بحماية الحقوق المدنية للأفراد كالحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان والمرأة والحقوق السياسية ومبدأ القبول بالآخر وغيرها ، ثم في القضايا السياسية كموقفها من الاتفاقيات الدولية وبمقدمتها اتفاقية السلام الموقعة مع الكيان الصهيوني ، لكن تلك النظرة من طرف الغرب صوب الإخوان والإسلاميين ذوو التوجه المدني عموماً تراجعت وبشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وبخاصة بعد تجاربها مع نماذج حية وقائمة تعاطت معها عملياً مثل تركيا ، ثم تونس والمغرب بعد ثورات الربيع العربي.

وبالمجمل .. أستطيع القول بأن فوز الدكتور/ مرسي في هذه الانتخابات مثَّل ضربة قاصمة لبقايا أنظمة دول الربيع العربي التي لا زالت تُصارع من أجل بقائها كما هو حاصل لدينا في اليمن ، كما شكل رسالة واضحة لعموم الأنظمة العربية بأن شعوبها باتت اليوم قادرة على استرداد حقها الأصيل في صناعة الفعل واتخاذ القرار، وتملك الإرادة القوية في تقرير مصائرها، وتعيد الحُكم إلى الشعب كي يحكم نفسه بنفسه، كما وأنها قد أصبحت قادرة على صناعة التحولات التاريخية الكبرى، كهذا الذي حدث ويحدث الآن في مصر ، ثم أن هذا الفوز شكل –بتقديري- دعماً قوياً لثورات الربيع العربي ، وأكسبها زخماً جديداً وطاقة إضافية تدفعها إلى الأمام، وتعينها على الاستمرار في ثورتها حتى تحقيق كامل الأهداف التي خرجت لأجلها.