سيناريو يحيى صالح: هل هو تهديد أم إبادة مجنونة ؟
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر
الأربعاء 15 يونيو-حزيران 2011 10:00 م

ختم القائد الأعلى لقوات الأمن المركزي حديثه، وذلك في لقاء له أجرته قناة الـ (بي بي سي) بالحديث عن دولة المؤسسات، وهو - طبعا - يقصد اليمن في فترة حكم عمه الراحل؛ والذي لفت نظري أنه في الوقت الذي تحدث فيه عن دولة المؤسسات؛ أثبت في الوقت نفسه حقيقة نظام عمه؛ عندما نفى - بكل استخفاف وتبجح - وجود ثورة وثوار في اليمن، إنما الذي يوجد - حسب غروره وعماه - [طفيليات]، وعندما يحصل مثل هذا تناقض لا يسعنا إلا أن نقول: إن القائد الأعلى لم يدرك ماذا تعني دولة (مؤسسات)؛ ولعله فهم هذا المصطلح على أنه - مثلا - المؤسسة العسكرية الاقتصادية، ومؤسسة النفط ومؤسسة الغاز ... الخ؛ فظن بذلك أن اليمن دولة المؤسسات ما دام تتواجد فيها تلك السالفة الذكر؛ هذا ما يفهم من خلال توصيفه للشعب الثائر بأنه (طفيليات)؛ لا يفهم شيئا عن معنى دولة المؤسسات؛ فهذه الأخيرة غير متواجدة في اليمن على الإطلاق؛ إذ الجميع يعرف أن اليمن كان يدار من خلال تلفون صالح لا من خلال مجلس النواب أو الوزراء أو القضاء ..الخ.

كما أننا لم نسمع مثل هذا توصيف للثورات أو الثوار من قبل النظاميين المصري والتونسي، إنما سمعنا: "أنا أتفهم مطالب الشباب" من رأس الأول؛ فاعترف بأن هناك ثوار شباب، وفهمتكم من رأس النظام الثاني، بما يدل على أنهما نظامان مؤسسيان، لهذا فهما أنهما أمام مطالبات شعب لهما بالرحيل لا جرذان أو طفيليات؛ فلم يسع الأول إلا التنحي، والثاني إلا الرحيل؛ وهكذا يكون الجزاء من جنس العمل، فكان للأول السجن؛ فقد حول أسفل أبنية مباحث أمن الدولة إلى سجون فسجن الله رئيسهم، وللثاني النفي؛ لأن التوانسة - غير المرضي عنهم من النظام - كانوا ينفون ويعيشون في المنفى مسلوبين الهوية فنفى الله رئيسهم؛ وهكذا اقتضت عدالة السماء الشيء نفسه لصالح؛ فقد أحرقه الله ثم قتله وهو الصنيع نفسه الذي كان يفعل بشعبه، ولعل هلكوست تعز كان مثالا كافيا لفعل صالح بشعبه ولعل أخذه في يوم جمعة الوفاء لتعز فيه عظة وعبرة لمن كان له قلب حتى لو امتلك أحدث الأسلحة، وكنت أتمنى أن يكون لسان حال يحيى: قبحك الله من أسلحة لم تغن عنا شيئا يوم واقعة القصر.

لقد كان تصريح يحيى صالح مستخفا بشعب اليمن بما يكفي؛ ليعرف الشعب قيمة شباب المملكة الصالحية بعد أن خبر قيمة كهولها، فنحن أمام ذات التصريحات النارية التي اكتوى بها الأول، وليعرف الشعب اليمني أيضا أن (الدموي) من ذات (السفاح)؛ كما كان وصف الثوار بطفيليات كافيا لمذيعة الـ بي بي سي؛ وكان حري بها عدم سؤال ضيفها عن السيناريو المتوقع؛ لأنه صار بينا بما يكفي؛ وكانت المذيعة وفرت على نفسها مثل ذلك سؤال؛ خاصة وأن وقت الحلقة كان قد شارف على الانتهاء؛ إذ يبقى واجب الدولة تجاه الطفيليات هو إعداد المبيدات وتنظيف اليمن منها وتطهيرها من شر مرتقب، نعم إن السيناريو لا يحتاج الوقوف عنده كثيرا، فهو لا يحتاج أكثر من الاستعداد للمبيدات، والمبيدات الأمريكية الصنع كفيلة بتلك الطفيليات وتنظيف اليمن منها.

وأخيرا هناك سؤال يفرض نفسه هنا: إذا كان ما يراه يحيى صالح فعلا طفيليات فلماذا إذا اتهموها بقتل الرئيس - في إحدى روايتهم - ولماذا تم نقل غرفة علميات النظام من القصر الرئاسي إلى غرفة العناية المركزة ولماذا شغلت المجتمعين الدولي والإقليمي ؟ هل كل ذلك حدث ويحدث من اجل طفيليات ؟ وهل هذا يعني - من ناحية أخرى - أن قيمة هؤلاء المتبجحون المغرورون وقوة أسلحتهم وحداثتها دون الطفيليات؛ خاصة أنها لم توفر الحماية لرأس السلطة ويده، نعم هم دون الطفيليات ودون الفقاعات، إذا ما قسنا ما يملكون بقدرة الله وقوته التي هي من وراء الثوار تسندهم؛ فمتى يقتنع الجعلان بأن ما يرون ليس طفيليات بل طوفان ؟ 

نعم هذا هو السيناريو الوحيد والأكيد الذي يدور في مخيلة ومكر القائد الأعلى للأمن، إذا لم تمكنه المؤامرات مما يريد، وهو قد رفض الإفصاح عنه حتى ساعة شفاء القتيل وعودة الميت عن طريق الصندوق الذي طالما تمنى أن يرحل خلاله؛ فالله العزيز الجبار وفر عنه عناء الاستعداد للتنحي فنحاه ورحله بقتله، ثم جاءت الرياض لتحقق له أمنيته الثانية؛ وهي الرحيل عبر (الصندوق) عندما بادرت بتسفيره إليها بعد قتله؛ بيد أن الرحيل لم يكن من السلطة ولا من اليمن؛ إنما من الدنيا؛ فنزع الله روحه قبل ملكه، وقد كان هو القائل عبر قناة العربية - متبجحا: سأرحل من السلطة ولن أرحل من اليمن، وسأظل؛ لأني قادر على حماية نفسي، ونسى ساعتها أن الله على كل شيء قدير، وظن ساعتها بحصونه تحميه وتمنعه - متناسيا ومتعاليا - كما هو شأن ابن أخيه الآن - أن الله القدير قادر على أن يأتيهم من حيث لم يحتسبوا؛ فكأن أن أتاهم (الله من حيث لم يحتسبوا).

وهكذا في الوقت نفسه كان الله عنده الزيادة التي لم يحتسبها الثوار – أيضا - حيث استبطأ بعضهم تنحي صالح عن السلطة، على الرغم من مطالبتهم به طيلة أربعة أشهر، ولما كانت الإجابة عن هذا السؤال صعبة على الثورة والثوار؛ فقد تولى إجابته عنهم الجبار؛ فحقق لهم ذلك وزيادة؛ وهي رحيل رأس السلطة عن الدنيا (حرقا وقتلا) وقد طالبوه بالرحيل عن السلطة فقط، ثم سقوط أعمدة النظام، وهكذا كافأ الله الثوار والذين ما يزال القائد (الأعمى) للأمن المركزي ينظر إليهم على أنهم طفيليات، وهو أعمى؛ لأنه - أولا - لم ير حقيقة الثوار التي تجلي الأنظار، وثانيا لأنه لم يعتبر بمصير من كان متعاليا قبله، والجديد - من المتعالي الجديد – أنه جاء بوصف للثوار لم يسبقه إليه أحد قبله، إلا قذافي ليبيا؛ فهذا الأخير قد وصف شعبه بالجرذان، وبعد هذا الوصف حدد لهم سقف السيناريو (الإبادة) الجماعية؛ فهو أحسن سيناريو يليق بالجرذان، فهل تنتظر الثورة في اليمن سيناريو الإبادة نفسه ؟