وا أسفاه على ما يحدث لثورات الربيع العربي
بقلم/ رجاء يحي الحوثي
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
السبت 05 يناير-كانون الثاني 2013 05:29 م
إن هيمنة العواطف على تفكير المسلمين اليوم، تجعل من السهل التنبؤ بنوع ردودهم على هذه الخطوات أو تلك ، لأنها لا تنبع في الغالب من تفكير عميق أو تخطيط مُسبق. كما تجعل من اليسير إشغالهم عن العمل المنهجي، واستنزافهم في انفعالات غاضبة تفور فجأة، ثم تذبل وتتلاشى دون أن تخدم لهم هدفا أو تحقق لهم غايةً أو أمن أو استقرار. فحينما يكون صحفي مغمور، أو سياسي تابع ، أو عالم دين متمذهب، قادرا على تحريك ملايين الجماهير، وتقرير موضوع خطبهم  وشعاراتهم للجُمُعات القادمة، وشكل تحركهم السياسي في أي وقت .. فذلك دليل دامغ على غلبة الانفعال على الفعل في مجتمعاتنا والتابعية المطلقة والتناسي والتجاهل لمصلحة الوطن. كما  يجب أن ندرك أن خبراء الإعلام والحرب النفسية لن يَعدموا مثيرا آخر يستفزون به العواطف الإسلامية الجامحة، في عملية استنزاف أبدية وان استمرارهم في الطرح والتنظير بدون حلول أو توجيه يخدم مصلحة الوطن .

تعميقا للشرخ بين المسلمين فيما بينهم وتقسيمهم إلى سنة وشيعة وسلفيين وأخوان أو غيرها, وتهييجا للجماهير بعضهم ضد بعض ، وتوسيعا لجبهة نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة , واكبر دليل على ما يحدث الآن في مصر فكما نعلم بان مصر لا يوجد بها شيعة أو سنة فأصبحت الآن أخوان وسلفيين وقبلها اليمن لا وجود للشيعة فأصبحت شيعة وسنة أن الحرب الدائرة اليوم الموجهة بين المسلمين أنفسهم , ومعرفة الدخل لهذه الحرب واستغلالها الاستغلال البشع الذي نراه ونشاهده الآن في بلداننا العربية فجأة لمصلحة من ما يجري.

يجب أن ندرك أن من خططوا أو ساعدوا لإخراج الثورات بهذا المنطق وبهذه الطريقة ، لإحداث أقوى درجات الإثارة والاستنزاف، وزرْع أعمق العداوات بين المسلمين ، وأن تغيّر المناخ الإستراتيجي" في الربيع العربي فتح خلافات ودمار على أوطان الربيع العربي , فكم فرحنا بان تتحرر إرادة الشعوب العربية من نير الطغاة، الذي ظل عقودا يحمي عروش الاستبداد- وهو يقاتل ضد الهالك القذافي في ليبيا، ويضغط على الجزار بشار، ويسلِّم بسقوط أقرب الطغاة إليه، من أمثال على عبدالله صالح و حسني مبارك، و زين العابدين بن علي الذي عدَّهم الغرب والإسرائيليون كنوز إستراتيجية لا تقدَّر بثمن. إن الاستفزازات الحالية ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من زعزعة ومناكفه على وطن جريح ينزف ويئن وكل يوم يمر بنفس الوضع هو الخاسر الأكبر ، وأخرى آتيةٍ قد تكون أشد إيلاما وأعمق أثرا, فحريٌّ بالمسلمين اليوم أن يدركوا أن التقسيم والتمذهب والتلاعب باسم الدين والاستئثار بالحروب الاستنزافية والمعارك الجانبية لا يقيم عثرة هذه البلد أو تلك، بل هو تنفيذ لخطط الأعداء بحسن نية وبلاهة.

كما أتمنى أن يسأل كل منا نفسه: ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فاعلا في هذه الحالة؟ ثم نفكّر مليًّا في الإجابة قبل نبنِّي أي رد قد يتحول موبقةً شرعيةً وكارثةً سياسيةً، مثل قتل المتظاهرين الذين يحرِّم الإسلام وتمنع كل الأديان من قتلهم، أو حرق الممتلكات العامة والخاصة، أو زعزعة السِّلم الأهلي أو التقسيم بالمذاهب في لحظات تحوُّلٍ حرجة بينما كلنا مسلمين .

إن المنطقة العربية تمر بمرحلة في غاية الحرج، هي فيها أحوجُ ما تكون إلى المصالحة مع الذات ومع العالم.. وأقلُّ ما تحتاجه منطقتنا أن يتفهم من هو الآن بالحكم حاجةَ شعوبنا إلى الديمقراطية ونبلَ جهادها من أجل الحرية،وان يعرف أن الثمن كان باهضاً ، وإذا أردنا إيصال الربيع العربي إلى ثمراته الطيبة بأقل كلفة من الدماء والأموال. يقتضي منطقُ المصلحة أن لا ندَع أصوات الاستفزاز وزراعة الفتنة تعبث بالعلاقات بين شعوبنا ، وهي علاقات نقلها الربيع العربي لأول مرة في العصر الحديث من مرحلة التبعية إلى مرحلة النِّدِّية. والأهم من ذلك أن لا نعبث بالعلاقات بين المسلمين واليهود أو المسلمين والمسيحيين أو من هم أقليات داخل المجتمعات العربية. فهل يدرك المسؤولون ما الذي يعنيه قتل أو فوضى أو عدم استقرار أو أمان أو أو وان كل ما يحدث في اليمن أو مصر أو سوريا أو باقي الدول يتوقف عليه امن واستقرار المنطقة برمتها.

إن العمل المنهجي الدائم، المدرك لغاياته، المنتقي لآلياته، هو ما نحتاجه اليوم، لا الفورات الانفعالية العابرة التي تُفسد أكثر مما تصلح، وتضرّ أكثر مما تنفع..

لقد شوهنا سمعة ديننا ومجتمعاتنا، وشوهنا مستقبل ثوراتنا وسعيِنا إلى الحرية , من المفهوم أن يسيء إلينا عدوٌّ مجاهر بالعداوة، أما ما ليس مفهوما فهو أن نسيء إلى أنفسنا بأنفسنا أو نقتل بعضنا البعض. إن المسؤولين الذين حملهم الربيع العربي إلى السلطة والتصدر يتحملون المسؤولية الكبرى في قيادة جماهير أمتنا إلى الفعل المنهجي، بدلا من أتباعها في غرائزها الانفعالية وشهوتها للسلطة والحكم , فإذا كانت الديمقراطية والمزايدة السياسية مفهومةً ممن يعارض السلطة ويناكفها، فليستا مقبولتين ممن يتحمل المسؤولية، ويتصدر لصناعة القرار وبناء المستقبل.

بقي سؤال دائما يخطر ببالي دائما لو كانت أي دولة من الدول العربية تمتلك القدرة النووية كيف كانت ستتعامل مع ما يحدث الآن؟

أرجو من لدية إجابة الرد على هذا السؤال .