الجيش الجنوبي الحر وشد العصب المناطقي
بقلم/ عمرو محمد الرياشي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 3 أيام
السبت 14 يوليو-تموز 2012 05:21 م

من يقراء عنوان المقال يتذكر المقاتلين السوريين ضد نظام الأسد في سوريا والمسمى (الجيش السوري الحر) والذي يدافع عن ابناء الشعب السوري الأعزل من بطش بشار الاسد ومرتزقة النظام .

لكن هنا ومن منطلق مسمى (الجيش الجنوبي الحر) نرى ان ارتباطا مناطقي قد دخل على الاسم علما ان كثيرا من العقليات تكتب وتفكر وتتغذى على منطق مناطقي بحت ولا تفكر الا بنهج وايدلوجية مناطقية بحته وتترجم ذلك بالممارسة السياسية على ارض الواقع ولا تدخر جهدا حتى لو كان الامر به ثمنا قد يتسبب في إراقة الدماء وسفكها خصوصا ان هناك من بقايا نظام الرئيس المخلوع قد ركب موجة التغيير واسترداد حقوق المظلومين والمنهوبين كمبرر لاستمرار إعاقة عملية التغيير ومواصلة العبث والتخريب من اجل خلط كثير من الاوراق السياسية في اليمن .

ما يثير المخاوف هو ما يحاك بين الحين والأخر من مخططات لتوسيع دائرة الخلاف بين فئات الشعب بمختلف توجهاتهم وأفكارهم السياسية والفكرية والدينية .. مستغلين ملفات الارشيف الأسود للأحزاب السياسية اليمنية التي طالما تبادلت الأدوار بين أنظمة معارضة وحاكمة وفي كلا الأمرين رمت بسمومها نحو الشعب اليمني وخلقت الكثير من الجروح التي لم تنجح تلك الأنظمة في معالجتها بل على العكس اتخذت من تلك الجروح الثاغرة والملفات المثقلة بصفحات سوداء درعا في تمرير العديد من المشاريع السياسية الخاصة بها التي اثقلت على اليمن وشعبه وجعلته منهكا ونحن نجني كيمنيين اليوم الكثير من ثمارها وحصادها المدمر في ثقافة المجتمع اليمني وتفكك هويته وضياع كرامته في مزادات التسول الدولي وانتشار نمط العيش الاقتصادي الغير لائق بتاريخ اليمن الذي وصل مرحلة من التدهور جعلت من شعبنا اليمني يدخل مضمار التنافس مع الدول المنكوبة مثل الصومال وفلسطين وافغانستان في الحصول على الصدقات والتبرعات من الخارج ... حتى السيادة الوطنية اصبحت مكسبا سياسيا للحصول على مقابل التفريط بها في العلن والسر .

من احد الملفات الرئيسية الشائكة التي يتحمل الشعب اليمني كثير من تبعاتها ووزرها هو ملف القضية الجنوبية والتي تاجر بألام ضحاياه الكثيرون ومازال يتاجر به حتى الان لتشكيل خطرا حقيقيا على وحدى النسيج والتراب اليمني من اجل تأجيج وافتعال ازمة وخلق كثير من علامات الاستفهام حول ثورة التغيير الشعبية هذا من جانب ومن جانب اخر ما تطمع وتطمح به بعض من القيادات التي عاف عليها الزمن في الحصول على مشروع يبرر الحصول على دعم مالي... خصوصا انها تدعي حملها راية رفع الظلم واعادة الحقوق وارجاع الكرامة بالرغم انها كانت في الماضي من الأوائل في صناعة السحل والقتل واذكاء كثير من الفتن التي مازال المجتمع اليمني جنوبه قبل شماله يعاني منها حتى الان .

القضية الجنوبية التي صنعها جميع اليمنيون جنوبا وشمالا وشاركوا فيها تحت التغرير الذي قاده حقد نظام صالح العسكري القبلي و من معه من بعض أعمدة حزب الإصلاح الذي انتهج منهجا دينيا اعمى ونجح صالح في توجيه هذه الرؤية العمياء ضد ابناء الجنوب بحجة الماركسية والاشتراكية كما تم توجيه التوجه الديني في السابق قبل الوحدة ضد مقاتلي أبناء المناطق الوسطى ... وقد نجح نظام صالح في ذلك في استخدام الورقة الدينية قبل الوحدة وبعدها في ظل ظروف نقص الوعي السياسي لبعض علماء الدين لطريقة التعاطي مع النهج السياسي والاجتماعي ومسببات الظروف السياسية والتركيز فقط على الظاهر الديني وهذا دليل واضح ان عوامل ظهور الأزمات السياسية لها كثير من الأجندة الخفية التي بفهمها تمكننا من معرفة حقيقة الصراعات السياسية وكيفية ترجمتها بناء على رغبة سياسية وليست وطنية واقعية .فقد وقع ضحية لهذا النقص في فهم الملفات السياسية علماء الدين فما قولنا بعامة الشعب .

تلك الأخطاء التي وقع فيها كثير من المحسوبين على رجال الدين وكانوا مطية لنظام صالح للحصول على شرعية القتل والإقصاء . فما ارتكبه بعض العلماء في إلقاء المحاضرات في وديان وجبال اليمن وتعبئة للكراهية والإقصاء لفئات الشعب اليمني لقتل واستباحة بعضهم البعض واحداث شرخ في كيان الشعب اليمن سواء ً في حقبة صراع المناطق الوسطى ضد نظام صالح او كارثة حرب 1994م وحتى حروب صعده المذهبية السياسية لم تكن مبررة في ظل دولة ونظام فشل في ارساء العدل وإعطاء الحقوق .

اذن نجد ان الورقة الدينية ليست حديثة عهد او محصورة في حرب 94م بل هي امتداد لسياسيات سابقة ونهج ادمن عليه البعض ووقع عامة الشعب في شركه سواء في جنوب القلب اليمني او شماله فكما كان للزنداني والديلمي دورا في تلك الحرب كان للفضلي وصالح حليس اليافعي وغيرهم أيضا دورا في الأمر .. ونجد ان الفكر الاقصائي تحت مظلة الدين هي نهج وفكر لا يرتبط بالمنطق المناطقي بل بصاحب هذا المشروع المقيت وهذا دليل قاطع ان حرب 94م كانت بين مشروعيين سياسيين متصارعيين وليس بين شعبين كما يروج له البعض ويحاول ان يجد له المبررات والدلائل الواهية .

نرى ونسمع اليوم من ينادي ويطالب بأهمية الاعتذار للمحافظات الجنوبية عما لحق بهم منذ حرب صيف 94 فهل سيكون يا ترى الاعتذار على أساس مناطقي ليقوم أبناء المحافظات الشمالية بالإعتذار ام سيكون الإعتذار على أساس من مارس الظلم ضد ابناء جنوب القلب اليمني ومن شارك في الحرب ومن ضمنهم أبناء المحافظات الجنوبية وعلى رأسهم رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور أم سيكون اعتذارا مناطقيا كما يريد من يسوق للأمر ؟ وماذا عن البيض والعطاس وعلي ناصر ابطال 13 يناير اليس لهم نصيب من الاعتذار على ما ارتكبوه ؟ واترك الجواب لكم .

طبعا لا يمكن بأي حال من الأحوال ان ينكر عاقل الجور والظلم الذي لحق بأبناء جنوب القلب اليمني من قبل أمراء الفساد والظلم والإقصاء خصوصا ان عملية الغنائم كانت متزاوجة بين ابناء الشمال والجنوب من أعوان نظام علي عبدالله صالح.

عملية الاعتذار لن تقدم او تأخر شيئا سيظل الأمر معنويا لأنها لن تضمد جرحا او ترد حقوقا سلبت من أصحابها ما سيعطي قبولا ومصداقية هو محاسبة امراء النهب والسلب لأموال الناس وكل من قتل وسفك الدماء لكن ما نراه عمليا على العكس نرى بعض من شارك في نهب أراضي جنوب اليمن في مناصب حكومية بما فيهم من تم تعيينهم في وظائف والذين سرقوا ويلبسون اليوم لباس الثورة باعتبارهم انهم ساعدوا في ثورة التغيير .. للأسف الشديد يجب ان نعترف ان القانون في اليمن يحمي القتلة والمفسدين كونه متلون وليس بسند للمظلومين

مهما اجتهدنا في حل الملف فعملية إصلاح الشرخ في نفوس ابناء جنوب القلب اليمني يجب ان تكون عمليا اكثر منها قوليا فكرامة الإنسان لا ترد ولا تحفظ الا بدولة مدنية تحمل مؤسسات فاعلة تقوم برعاية حقوق البشر وجميع الخدمات التي تحفظ كرامته وتأمن حياته الاجتماعية وهذا مافقده أبناء جنوب القلب اليمني بعد 94م .

فهل تملك الأحزاب السياسية الشجاعة والاعتذار عما ارتكبوه في 94م حيث انهم جميعا شاركوا في الحرب وإن اختلفت الأدوار. حيث الغيت الشراكة الوطنية وأصبح الوطن ملك حزب سياسي ومن ثم ملك قبيلة حتى أصبحت اليمن ملك لعائلة حكمت وإستأثرت الحكم ونشرت الاستبداد وجعلت ثروة البلاد حكرا عليها ومن حولها من إتباع

ما يهمنا ويجب ان نعتبر منه هو عدم الانجرار وراء الأساليب المخادعة والماكرة لكل من لبس عباءة مناطقية او عقائدية ومن يجاهد في شد العصب المناطقي لاسترداد حق او نصرة مظلوم فتلك هي عادة ونهج طغاة اليمن عبر التاريخ ولنا فيه أسوة ومرجعية .

فمن مارسوا زراعة الفتن وتلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من ابناء اليمن وبقيت في كل بيت وقرية ذكرى سيئه بسببهم لن يرجعوا حقا او يؤدوا الحق الى اهله ويرسخوا العدل .. وعليه لنعلم ان أبناء اليمن لن يستعيدوا وطنهم ليكون للجميع و لن يستردوا حقوقهم المسلوبة من أيادي أمراء الحروب والفتن الا بالتمترس في خندق الوطن للجميع .

ليعلم أبناء شعبنا اليمني ان دور الوصاية على اليمن لابد ان ينتهي والى الأبد وان بقي البعض يحاول إبقائها بعدة أشكال مختلفة أكانوا دعاة فتنة يتقمصون دور الأوصياء لإعادة الحقوق والمنهوبة حتى يجدون منفذا لبناء مشاريع تخصهم ام كانوا مشائخ بداخل اليمن ومتسولين خارجها . فقد حان الوقت لوجود جيش من أبناء اليمن بمختلف انتماءاتهم المناطقية والفكرية للوقوف بصراحة متناهية امام كل التحريض العام والحض على الكراهية والتعصب ونشر الثقافة الصحيحة لتقف سدا منيعا في وجه الفتنة ومن يحاولون جر اليمن الى تمزق وشتات من قبل قيادات الخارج وأتباعها من الداخل ومن يقف وراءهم من أتباع حوزة سنحان وحوزة مران فلا قدسية لأحد والوطن فوق الجميع والاختلاف من اجل بناء اليمن أمر واجب لنرتقي ببلدنا اليمن وليس العكس حتى نرى الجميع شركاء في الوطن والتاريخ والواجبات والحقوق والمسؤوليات .