القمة والسقوط
بقلم/ د أمين المخلافي
نشر منذ: 11 شهراً و 26 يوماً
الثلاثاء 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 05:56 م

 نعم سقطت القمة العربية الإسلامية التي قالت عن نفسها أنها طارئة، سقطت في لحظات الصمود والصعود، القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض، في اليوم الموعود 11/11، لم يكن لها أن تصعد إلى القمة، لأن الصعود إلى القمة هي لحظة اصطفاء رباني، يختار الله له من يستحق، ومن "تقمموا" في الرياض ليس لهم إلا أن "يتقمقموا".    

نعم سقطت يوم أن عقدت في مدينة فتحت أبوابها على مصارعها للترفيه والرقص والغناء والهياج المسعور على أنغام الموسيقي، وحركات الراقصين والراقصات، وصمت أذانها عن انين الثكالى، وانات المقاومين، ونشيج الاطفال، وأعمت اعينها عن تساقط البنايات، وتطاير الأشلاء، وارتفاع غبار الانفجارات إلى عنان السماء، سقطت 57 دولة تجمعت وعجزت أن تمنع أسباب الموت عن 39 رضيعا قضوا في العناية المركزة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في مستشفى واحد فقط، سقطت يوم الغت كل تلك خيارات الحد الأدنى الفاعلة، فلا علاقات قطعت، ولا بالطاقة هددت، ولا حتى بالتلويح صدعت، ولا بوقف الحرب طالبت، أو لفتح المعابر بالأحاح طلبت، ولا للسيادة على الأوطان غارت،   

 نعم سقطت قمتهم يوم تسابق إليها المتربصون المتآمرون، الذين يتآمرون في السر والعلن، ويوم حضرها من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، فكيف لمن سبح في الدم أن يوقف جريانه، سقطت يوم اقبل إليها "المتقهقهون"، يمشون وكأنهم مدعون إلى حفل زفاف، أو مهرجان ترفيه.    

نعم سقطت لأنها طارئة، ولم تعقد في اليوم الأول من الغزو البربري، ولم تعقد حتى في الأسبوع الأول من الغزو المشؤوم، بل انتظرت الأسابيع الطوال لعل المراد يحصل، والمطلب يصل، سقطت لأنها عقدت فقط عندما أيقن الجميع أن السر أصبح علنا، وأن الحليف عجز عن تحقيق المراد، وأن الخوف من ردود الأفعال وصل إلى الركب، بعد أن أعتلى الحناجر،    

نعم سقطت حين اختاروا اللحن البطيء الذي لا ينسجم مع اللحظة الصاخبة والحماس العالي، وهدير الشارع في كل مكان، سقطت عندما اختاروا الصوت الخافت مقابل أصوات القنابل، والمدافع، والصواريخ، والانفجارات العالية، سقطت حين تناغم بيانها الختامي مع امنيات "النتن ياهو" وعندما تجاهل بيانها المعلن تطلعات الشعوب الحية التي خرجت إلى الشوارع في لندن ونيويورك وباريس وإستكهولم، وغيرها من الشوارع في الغرب والشرق والشمال والجنوب.  

  نعم سقطت لآنها لم تهدي غزة لا خيل ولا مال، ولم تهدها حتى قول أبي الطيب الذي يسعد الحال، سقطت لآنها اكتفت بالقول " نكسر" ولم يكن في يدها حتى معول للكسر، ولم يكن معها ساعد قادر على الكسر، إذ كيف لهم أن يكسروا الحصار وقد كسرت هممهم، وكيف لهم أن يكسروا الحصار وقد خارت عزائمهم، كيف لعاجز أن يقف وكيف لمكسور أن يكسر.    ليتهم لم يجتمعوا، فقد استمد العدو بعض تماديه من عجزهم، ليتهم لم يجتمعوا وهم يطلبون الفعل من غيرهم لتغطية عجزهم، ليتهم، وليتهم، بل وليتهم ما اجتمعوا وقد خيبوا امال شعوبهم وجماهير أمتهم. 

   نعم سقطت قمتهم، يوم أن نسيت أشلاء الاطفال، وصراخ الثكالى، وتطاير الأشلاء. سقطت يوم صمت أذانها عن قصف المستشفيات، وعميت أعينها عن تدمير مدارس الأطفال وخزانات المياه، وتشديد الحصار على كل متطلبات الحياة، نعم سقطت قبل أن "تقمم" في اليوم الذي أصبح فيه الذنب في موقع الرأس، سقطت وتهاوت في السقوط إلى دركات الذل.    

 سقطت قمتهم يوم أن توافدوا، وسقطت يوم أن أعلنوا عن خيبتهم برسالة قالوا عنها أنها موحدة، والوقع أنها مفككة ومهلهلة، وغير قادرة على التماسك، رسالة كلها بحر بلا شواطئ، واحرف عقيمة مظلمة بلا نور، أحرف عجزت أن تولد الكلمات، وكلمات ركيكة العبارات، وإعلان لبيان لا بيان فيه، وصوت لبيان ليس له صولة ولا صدى.      

سقطوا لأنهم لم يكن لهم ثبات "أبوعبيدة"، وأبو عبيدة هنا لا بد أن يرفع، وإن خالف قواعد النحو، لأنه خالفهم كلهم، فلم يكن لهم نبرته، ولا جلجلة صوته، ولم يكن لهم استقامة وقفته، ولم يكن لهم صدقه ولا مصداقيته، قمته رشاشة، ولا رشاشات لهم، وبيادته حقا يا بن النواب تعلو قمتهم، سقطوا وسقطت قمتهم.  

  الكل سقط حتى تكون غزة وحدها، برجالها ونسائها وأطفالها وبواسلها والمجاهدين فيها وحدها بمن فيها ومن معها في القمة، قمة الصبر، قمة الصمود، قمة التصدي، قمة الشموخ، وهو مكان لا يستحقه إلا الأطهار، ولا مكان لغيرهم فيه، مكان اعتلوه بصبرهم، واستحقوه بجهادهم وجهودهم، وتصدروا فيه بثباتهم وعزيمتهم التي لا تقهر ولن تقهر إن شاء الله.