هل ستنجح إسرائيل في تصفية عبدالملك الحوثي؟
بقلم/ فضل حنتوس
نشر منذ: يوم واحد و 17 ساعة و 49 دقيقة
الأحد 05 يناير-كانون الثاني 2025 06:56 م
 

في عالم السياسة الدولية والعمليات الاستخباراتية، حيث تمتزج المصالح الإقليمية بالتكتيكات العسكرية، تبرز محاولات استهداف الشخصيات القيادية كوسيلة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والجيوسياسي. عبد الملك الحوثي، زعيم المليشيات الحوثيه في اليمن، يمثل هدفًا محوريًا في هذا السياق. هذه الشخصية التي ظلت لفترة طويلة في الظل، تدير حربًا متعددة الأبعاد، مدعومة بأجندة إيرانية تسعى لتوسيع نفوذها الإقليمي، تبدو الآن في مواجهة تحديات وجودية تتجاوز صراعات الميدان، لتطال البنية الاستخباراتية التي تحيط بها. فـ إسرائيل، التي حققت نجاحات مبهرة في استهداف شخصيات محورية ضمن محور "المقاومة" في المنطقة، تملك الأدوات التي قد تجعل الوصول إلى الحوثي مسألة وقت، لكنها تواجه أيضًا بيئة معقدة مليئة بالعقبات والمخاطر.

 

عبد الملك الحوثي، الذي بنى صورته كقائد محصّن ويحيط نفسه بالقداسه من قبل اتباعه، يعتمد على استراتيجيات معقدة للحفاظ على أمنه الشخصي. لكنه في الواقع يمثل نقطة ضعف استراتيجية لجماعته، فـ الحذر المستمر، والتخفي، والاختباء في مواقع نائية وصعبة التضاريس ليست سوى مؤشرات على هشاشة بنيته الأمنية. هذا الإرهابي الذي يدرك جيدًا أنه هدف دائم للعديد من الأطراف الدولية والإقليمية، يعيش تحت وطأة هاجس التصفية، مما يضعه في حالة دائمة من التوتر والقلق، ويجعل قراراته السياسية والعسكرية محكومة بهذا الهاجس.

 

ما يزيد من ضعف الحوثي في هذا السياق هو التراجع الملحوظ في الدعم الإيراني المباشر, فـ إيران، التي كانت لسنوات المصدر الرئيسي للسلاح والتمويل والخبرات العسكرية للحوثيين، باتت تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية تحد من قدرتها على الاستمرار في دعم وكلائها الإقليميين بنفس الزخم. انسحاب هذا الدعم التدريجي يعني أن الحوثيين يعتمدون بشكل متزايد على مواردهم الذاتية، التي تعاني بالفعل من الإنهاك بسبب الحرب الطويلة والحصار الاقتصادي. هذا الواقع يجعل الحوثي وجماعته أكثر عرضة للاختراقات الاستخباراتية، سواء من قبل خصومهم الإقليميين أو حتى من قبل حلفاء إيران الذين قد يرون في تسريب معلومات عن تحركات الحوثي فرصة لتخفيف الضغط عنهم.

 

التجسس الإلكتروني يمثل أحد أعمدة الحرب الخفية التي يمكن أن تشكل تهديدًا وجوديًا للحوثي،فإسرائيل، التي تعتبر واحدة من القوى الرائدة عالميًا في مجال الحرب السيبرانية، تملك قدرات استثنائية لاختراق شبكات الاتصالات والمعلومات. الطائرات المسيّرة المزودة بتقنيات تجسس متقدمة يمكنها التحليق على ارتفاعات عالية، وجمع بيانات عن التحركات والأنشطة في المناطق النائية التي يعتقد الحوثي أنها توفر له الأمان. وبرمجيات التجسس مثل "بيغاسوس"، التي أثارت الجدل عالميًا، يمكن أن تحول الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالحوثيين إلى أدوات لجمع المعلومات، مما يتيح لإسرائيل معرفة أدق التفاصيل عن مواقعهم وخططهم.

 

التسلل البشري يمثل أيضًا استراتيجية محتملة وفعالة. فالبيئة اليمنية، التي تتميز بتركيبة قبلية معقدة، قد توفر لإسرائيل فرصة للتغلغل عبر شراكات غير مباشرة مع أطراف داخلية لديها مصلحة في تقويض سلطة الحوثي. شراء الولاءات، سواء داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالحوثي أو من بين القيادات الميدانية، قد يكون وسيلة فعالة لجمع معلومات دقيقة عن موقعه وتحركاته. 

 

إسرائيل، التي نجحت في اغتيال قادة بارزين مثل قاسم سليماني وعماد مغنية وحسن نصر الله، تعتمد على تكتيكات متنوعة لتنفيذ عملياتها. الطائرات المسيّرة المسلحة، التي تتميز بدقتها العالية وقدرتها على الوصول إلى أهداف في مناطق يصعب اختراقها، قد تكون الوسيلة الأمثل لاستهداف الحوثي. هذه الطائرات قادرة على التحليق لساعات طويلة، وجمع المعلومات في الوقت الحقيقي، وتنفيذ الضربة في اللحظة المناسبة. لكن استخدام هذه التقنية في البيئة اليمنية، التي تتميز بتضاريسها الوعرة وغياب البنية التحتية اللازمة لدعم العمليات العسكرية التقليدية، يتطلب مستوى عالٍ من التنسيق والاستخبارات.

 

في حالة فشل إسرائيل في تنفيذ عملية استهداف مباشرة ضد الحوثي، فإن البدائل المطروحة تفتح الباب أمام استراتيجيات أخرى لا تقل تأثيرًا. تصعيد الاستنزاف الداخلي من خلال استهداف القيادات الوسيطة والكوادر المؤثرة في جماعته قد يؤدي إلى إضعاف بنيته التنظيمية وجعلها أكثر هشاشة أمام التحديات الداخلية والخارجية. إضافة إلى ذلك، فإن نشر الشائعات التي تستهدف إحداث انقسامات داخلية وزعزعة الثقة بين الحوثي وقياداته قد يكون أداة فعالة لشل قدرة الجماعة على اتخاذ قرارات حاسمة.

 

الحرب النفسية تمثل أيضًا خيارًا قويًا في هذا السياق. نشر تقارير إعلامية مسربة تشير إلى اختراقات أمنية داخل الجماعة، أو الترويج لمعلومات مضللة حول نوايا إسرائيلية لتصفية الحوثي، قد يجبره على اتخاذ إجراءات أمنية إضافية تزيد من عزلته وتحد من حركته. هذه الحرب النفسية لا تقتصر على الحوثي فقط، بل تمتد لتشمل قاعدته الشعبية، مما يؤدي إلى تقويض الدعم المحلي له وزرع الشكوك حول قدرته على الاستمرار في قيادة الجماعة.

 

ختاما، عبد الملك الحوثي ليس سوى حلقة في سلسلة من القيادات التي ربطت مصيرها بمشروع خارجي يتجاوز حدود اليمن. لكن هشاشته كفرد، وهشاشة جماعته ككيان يعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي، تجعله هدفًا مكشوفًا أمام قوى تمتلك من الأدوات ما يكفي لتقويضه، وإسرائيل، بقدراتها الاستخباراتية والتكنولوجية، تمتلك الفرصة لتشكيل نهاية الحوثي بطرق مباشرة أو غير مباشرة، مما يترك مستقبل جماعته في مهب الريح، ويعيد تشكيل المعادلات السياسية والأمنية في المنطقة.