حيث الإنسان في اليوم العالمي للمرأة يوثق تجربة فريدة في تمكين عائشة من مشروعها المستدام ليكون عونا لها ولكل صديقاتها ..
الحوثي الطلقة الأخيرة لمدفعية إيران
إيران تحظر دبلجة وبث مسلسل معاوية لأنه ''يحاول تبرئة ساحة بني أمية''
سلطات حضرموت تستدعي صحفياً على ذمة مداخلة له مع قناة فضائية يمنية
تعرف على مشروبات اذا تناولها بعد الفطار ستخلصك من الوزن الزائد
لماذا اعلن الرئيس الأمريكي ترامب انه سيمدد مهلة بيع تيك توك في الولايات المتحدة؟
صاحب المركز الثاني يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في أولد ترافورد
أمريكا وروسيا تطلبان اجتماعًا لمجلس الأمن غدًا لمناقشة الأحداث في سوريا
الجيش السوداني يكثف هجماته على معاقل الدعم السريع وعينه على القصر الرئاسي ومركز العاصمة الخرطوم.. آخر المستجدات
انتحاري خطط لإغتيال ترامب..ومواجهة مسلحة تندلع قرب البيت الأبيض..
على غفلة، وجدت نفسي وحيداً أسرح بمخيلتي إلى شوارع صنعاء العاصمة السياسية للجمهورية اليمنية، التي ربما أصبحت منطقة عسكرية مغلقة، وأصبحت النقاط الأمنية فيها أكثر انتشارا من إشارات المرور الموجودة على قارعة الطرق الرئيسية، بما فيها الحارات والأزقة الفرعية في الأحياء السكنية. وفيما أنا أجول بخاطري نحو الأمن والطمأنينة التي كانت تتمتع بها صنعاء، فإذا بي أسمع جرس هاتفي الجوال يرن بصوت عالٍ "يا أحبة ربا صنعاء.. رعى الله صنعاء"، وهو مقطع لأنشودة من التراث اليمني، فإذا بي أتلقى مكالمة من أحد أصدقائي اليمنيين المغتربين بدولة الإمارات العربية المتحدة. وبعد أن تبادلنا السلام والتحايا سألني مباشرة: كيف صنعاء؟ لأول مرة أقف حائراً لا أستطيع الإجابة، لأن سؤاله أصبح محيراً الآن بعكس ما كنت أرد عليه في السابق بأن صنعاء "الحمد لله بخير"، كونها هذه المرة لم تعد بخير، وصارت قاب قوسين أو أدني من ساحة حرب ومسرح لمشاهد أكثر دموية وأكثر عنفاً.
عندما تلقيت سؤال صديقي عن حال صنعاء، عدت بذاكرتي مباشرة إلى ما قاله شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني رحمه الله، عندما سئل يوماً نفس السؤال وهو خارج الوطن عام 1971 في مدينة الموصل العراقية، فكان رده:
(حبيب) وافيتُ من صنعاء يحملني ... نسر وخلف ضلوعي يلهث العربُ
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي ... مليحة عاشقاها السل والجربُ
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن ... ولم يمت في حشاها العشق والطربُ
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت ... في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت ... حبلى وفي بطنها "قحطان" أو "كربُ"
وفي أسى مقلتيها يغتلي يمنٌ ... ثانٍ كحلم الصبا… ينأى ويقتربُ
رحم الله شاعرنا الكبير البردوني، فقد أصاب وأجاد وصف صنعاء حينذاك. وها هي اليوم مرة أخرى تعود ضريرة، ولكن ليس للسبب الذي ذكره البردوني في قصيدته الشهيرة، وإنما لسبب آخر يغلبه المزاج والأنانية المتمثلة في التشبث بالسلطة وإقصاء الجميع من أجل التسلط والتفرد بالحكم, فالكل مستعد الآن أن يفقأ عيني هذه المدينة التي ما لبثت أن ترى النور رويداً رويداً بعد بزوغ فجر الثورين السبتمبرية والأكتوبرية المجيدتين اللتين قادهما مجموعة من خيرة أبطال هذا الوطن، ووهبوا أنفسهم في سبيل عزة وكرامة كل من ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وكل يمني رفض عيشة الانكسار والانحناء لغير خالقه.
فلماذا تصر السلطة ومن حولها قادة البلاد على تحويل صنعاء إلى مدينة يكسوها الخوف والقلق، ويصبح البارود رائحتها المفضلة؟
هل من أجل ذلك الكرسي الذي يتشبث به حكام اليوم تسفك دماء الشباب الطاهرة في الساحات، وترمل النساء ويتيتم الأطفال؟ هل من أجل ذلك صارت أرواحنا أرخص من تلك السلطة الزائفة، وأصبحت حياتنا وحياة أطفالنا في خطر، وتحولت معيشتنا إلى جحيم وأيامنا إلى كوابيس, ليس لذنب اقترفناه سوى أننا أردنا أن نكون شباباً حراً لا يختلف عن شباب العالم الذين يتطلعون إلى حياة كريمة بعيداً عن التسلط والاستبداد والتمييز العرقي والمناطقي؟
صنعاء اليوم يا أبتي يريد حكامنا تحويلها إلى منطقة جرباء بسبب الحصار الذي نعيشه، بعد أن صادروا حقنا في الكهرباء والماء والدواء والوقود، ولم يبقَ لنا سوى الهواء نستنشقه رغماً عنهم, فلو كان بأيديهم لمنعوه عنا.
صنعاء اليوم يا أبتي أبت إلا أن تغير ثوبها القديم وترتدي حلة جديدة من زي المدنية بعد أن ملت زي العسكر الذي ظل جاثماً فوقها لأكثر من 3 عقود خلت.
صنعاء اليوم يا أبتي تفتخر بشبابها الثائر الذي يدفع بدمائه ثمناً لثورة أبت إلا أن ترفع راية الحق والنصر وإزهاق الباطل والظلم والجبروت، وأقسمت ألا تعود إلى ديارها إلا وقد تحققت أهدافها وآمالها المنشودة في المواطنة العادلة والحصول على أبسط الحقوق المتمثلة في حياة كريمة وتعليم أفضل وصحة متوفرة.
يا أبتي ماذا أحدثك عن صنعاء فهي اليوم تتزين لغدٍ مشرق يحمل في طياته الكثير من الخير الوفير لشعبٍ سحقه العناء وقتله الغلاء وأمرضه الوباء, لشعبٍ طحنته سياسة رعناء لم تلتفت لمواطنيها يوماً ولم يكن لهم وزن في ميزان حكمهم ولا حكم عادلا في قضائهم, حتى صار هذا البلد يتصف بالأشد فقراً رغم خيرات السماء التي أغدقت عليه, فلا ثروته السمكية ولا موارده النفطية والسياحية استطاعت أن تجعل حياة المواطن في هذا البلد رغيدة وكريمة, بل كلما زادت موارد الدولة دخلاً زاد الفقر اتساعاً، وزاد الفساد والنهب والسطو على المال العام انتشاراً.
صنعاء اليوم يا أبتي ضريرة كعينيك، بحاجة إلى أن ترى النور بعد أن حل الظلام بعينيها, فآن لها اليوم أن تمد بصرها بعيداً نحو فضاء رحب ومشرق يتسع للجميع، ليس للظلام والظلم مكان فيه.. فحتماً سيأتي غد مهما طال اليوم، وإن غداً لناظرة قريب.