وثائق الجزيرة .. ثورة أخرى باتجاه التغيير!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 30 يوماً
الأربعاء 26 يناير-كانون الثاني 2011 05:20 م

في الوقت الذي لم يفق فيه الحاكم العربي بعد من صدمته الأولى جراء وطأة ذاك الكابوس اللعين - من وجهة نظره - والذي حدث في العربية تونس ، ليتفاجأ بصدمة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها من حيث درجة " الكابوسية " والإزعاج ، وهي تلك الوثائق السرية التي نشرتها قناة الجزيرة مؤخراً ، والتي تعرت من خلالها كل سوءات المفاوض الفلسطيني ، وبدا عارياً تماماً – أمام المشاهد العربي - داخل الغرف المغلقة في ضيافة الصهاينة – بل ومجرداً حتى من ملابسه الداخلية .

ومع أن معظم ما ورد من معلومات في تلك الوثائق حول العروض المغرية والتنازلات المجانية التي قدمتها سلطة محمود عباس للاحتلال طوال فترة المفاوضات العبثية في السنوات الماضية ، كل ذلك لم يكن بجديد ولا حتى مفاجئ بالنسبة للمتابع العربي ، وبالأخص المثقف منه ، والذي يعي ويدرك تماماً حقيقة هذه السلطة ومسيرتها منذ أوسلو وحتى اليوم ، والتي باعت أصل القضية في حينها وهي قضية حق العودة للاجئين ، واستمرت بمسلسل التنازلات طوال السنين الماضية بعلم وبرضى معظم القادة العرب ، وهذا أمر معروف ومفضوح قبل نشر الوثائق السرية ، ولربما كان الشيء الجديد والمفاجئ في هذه الوثائق - والذي شكل سبقاً صحفياً لقناة لجزيرة – هي حصولها على تلك الوثائق نفسها بالأختام والتوقيعات وليس بمضمون ما ورد فيها .

وما يؤكد أن معظم قادة الدول العربية - وبالأخص منها الدول التي توصف بالفاعلة والمؤثرة – كانوا يعلمون بكل تفاصيل تلك العروض والتنازلات من قبل المفاوض الفلسطيني ، هو مسارعة القيادات الفلسطينية المتورطة أمثال " محمود عباس وصائب عريقات وعبده ربه " والتي وردت أسماؤها في الوثائق ، سارعت إلى القول بأنها تُطلع الأشقاء العرب بكل تفاصيل المفاوضات أولاً بأول ، وهذه حقيقة أنا شخصياً أميل إلى تصديقها منهم ، مع أنهم عندي أناس مطعون في مصداقيتهم .

إنني لا أتهم المفاوض الفلسطيني فحسب ، بمحاولة تصفية القضية الفلسطينية برمتها ، بل وأتهم بذلك جُل قادة العرب ، وفي مقدمتهم قادة الدول الفاعلة والمؤثرة في العالم العربي مثل مصر والسعودية والأردن ، حيث والقضية باتت تشكل لهم عبئاً ثقيلاً ، وواحداً من المنغصات التي تنغص عليهم صفو حياتهم المترفة ، ودفئ لقاءاتهم الحميمة مع أصدقائهم من " الصهاينة "، ولولا أن هناك بقية من رجال الله ينافحون ويذودون عن الأرض وعن العرض ، ويقفون شوكة في حلوقهم طوال تلك السنين ، وفي مقدمتهم المقاومة وقادتها .. لكان " قوادو" العرب قد باعوها وتبرؤوا منها ، بل ونسوها منذ زمن بعيد ، وهم قد قاموا بذلك فعلاً ، بل وبصموا ووقعوا ، وما نراه من تصريحاتهم في وسائل الإعلام ليس سوى أكاذيب ودجل على شعوبهم .

أرى أن الأحداث المتسارعة تباعاً في عالمنا العربي قد بدأت هذا العام تسير بوتيرة تبعث على الارتياح ، وتعطينا بعض المبشرات بأنه ربما سيكون عاماً للشعوب ، وليس للقياصرة كما قد عودتنا السنين الماضية ، وعاماً تعلوا فيه إرادة الجماهير على إرادة الفرد الواحد ، وصوت الشعب على "سوط" الطاغية ، وعاماً لإعادة جذوة الأمل وبعث الحياة من جديد ، في روح هذه الأمة المهزومة والمغتالة منذ عقود .

ولربما ليس من قبيل المصادفة أن يبدأ هذا العام متزامناً مع ميلاد ثورة عربية عارمة في العربية تونس ، تملّكت شغاف قلوب الملايين من الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج ، فرحاً وبهجة بذاك الانتصار التاريخي على الظلم وعتاولته ، معلنة بذلك بزوع فجر جديد على الأمة ، مفعم بالأمل ، بعد عقود من اليأس والإحباط ، ولترسم علامة فارقة في تاريخ المنطقة العربية برمتها في مفهوم علاقة الشعوب بمن يحكمونها أو " يتحكمون " في رقابها ، ولترسي قاعدة هامة لطالما غيبتها أنظمة القمع العربي البوليسي طوال العقود الماضية ، وهي إمكانية التغيير .

التغيير .. الذي بات شعاراً يُرفع في أكثر من عاصمة عربية طوال الأسابيع الماضية بعد ثورة تونس ، بل وارتفع سقفه لأكثر من مجرد المطالبة بتغيير السياسيات والإصلاحات الاقتصادية داخل البلدان العربية ، إلى مطلب رئيسي واضح ومحدد ، وهو تنحي ورحيل الحاكم العربي نفسه طوعاً ، قبل أن تأتي اليوم الذي سيُجبر فيه على الرحيل مكرهاً كما رحل " بن علي " ، وكل ذلك في مشهد لم تألفه المنطقة العربية منذ عقود ، الأمر الذي يُعد نقطة تحول مفصلية وهامة في تاريخ المنطقة العربية بشكل عام .

ويكفي أن من ثمار مطلب التغيير الجماهيري طوال الأسابيع الماضية ، والذي جاء نتاجاً لثورة تونس العظيمة ، أنها جعلت الحاكم العربي يلين في خطابه مع الشعب في محاولة منه لامتصاص غضبه وهبته في هذه المرحلة العصيبة عليه ، حتى وصل الحال ببعضهم حد الاعتذار لشعبه وطلب العفو منه عن كل أخطاء الماضي ، ولكن يجب على الشعوب أن تكون حية ويقظة ، ولا تنطلي عليها كل تلك الخطابات العاطفية والآنية ، وأن لا تنسى تاريخ هؤلاء ، وأن لا تُخفض من سقف مطالبها ، وعليها أن تستغل هذه اللحظة التاريخية الهامة ، التي بات مؤكداً فيها أن العقد عن انفرط من يد الحاكم العربي ، ولم يعد قادراً على لملمة حبيباته المتناثرة والمبعثرة ، وعلى الشعوب أن لا تدع له الفرصة للملمة تلك الحبيبات مرة أخرى ، وأن تتشبث بحقها في نيل كل حقوقها كاملة غير منقوصة ، واسترداد كل كرامتها المسلوبة .