البيض والسواد
بقلم/ محمد المطري
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 7 أيام
الأربعاء 20 إبريل-نيسان 2011 05:16 م

  علي سالم البيض لم اعرف عنه كثيرا قبل الوحدة التي كان له شرف التوقيع على إعلانها مع علي عبد الله صالح عام 1990م ، و لا يهمني كيف كان قبل ذلك فالأحداث بعدها أولى بالاهتمام ولو أن ماضي أي إنسان ينعكس على حاضره ومستقبله وحياته العامة ظهرها و باطنها .

يقال أنه ينتسب إلى آل البت أي انه سيد فهل يغني عنه ذلك من الله شيئا ، بالطبع لا يغني ذلك و قد أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلانا صريحا حين قال : " يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا فاطمة بنت رسول الله سليني بما شئت لا أغني عنكم من الله شيئا " .

  لعمرك ما الإنسـان إلا ابن دينه *** ولم تترك التقوى اتكالا على النسب

  فقد رفع الإسـلام سلمان فارس *** وقد وضع الشركُ الحسيبَ أبا لهب

مخطئ من يفرق بين الدين والدنيا أو يحاول الفصل بينهما سياسة أو اجتماعا أو اقتصادا أو غير ذلك من مناحي الحياة فالدين هو الأساس في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا ومن يقل غير ذلك فعليه مراجعة عقله ووطنيته فلا شك أن احدهما تشوبه شائبة من لوثة أو عمالة .

علي سالم البيض كان لا يقل شأنا ومكانة في قلوب اليمنيين بعد الوحدة المباركة عن علي عبد الله صالح على الأقل اعتبارا لإسهامه الشكلي في مسيرة الوحدة وتأسيس صرحها .

كان معظم اليمنيين يرون فيه الأمل الحاضر في إرساء دولة النظام والقانون التي غابت من أرض الواقع قبل الوحدة خاصة في المحافظات الشمالية ، وكنا نؤمن أن نظام الحكم في المحافظات الجنوبية نظام مؤسسي سينعكس حتما على نظام الحكم بعد الوحدة ، كما كنا أيضا نعتقد أن عوائقا كثيرة سيتم وضعها أمام هذا التوجه وأن شركاء الوحدة لديهم من القوة و الأخلاق ما يكفي للتصدي لمثل هذه العوائق ، ولكن للأسف وقع عكس ما كنا نؤمله  .

في ظاهر الأمر قيل أنه اختلاف على المبادئ وفي باطنه كما يرى الجميع اختلاف على المصالح جعل علي سالم البيض لعدة مرات ينزوي ( يحنق ) احتجاجا على التجاوزات والخروقات التي ينتهجها الرئيس علي عبد الله والذي يرى فيها إقصاءا وتهميشا متعمدا للشريك الرئيس في الوحدة ، و ختمها البيض بالحنق الأخير في عدن عام 94م الذي استمر عدة أشهر ادخل البلاد في أزمة سياسية جمعت حولها كل العلماء والشرفاء و الوجهاء في وساطة بينه وبين علي صالح لحلها فقوبلت بالرفض من قبل علي سالم وإن ظن البعض ان هذا الرفض جاء نتيجة حملة تشويه إعلامية ضده من قبل المؤتمر والإصلاح ولكن لا يعفي هذا البيض من اخذ زمام المبادرة وقطع الطريق على من يحاولون إقصاءه سياسيا عن ذلك .

كان الطريق ممهدا و مفتوحا أمام البيض ليس للأخذ بزمام المبادرة فقط و لكن لأخذ زمام البلاد و قيادتها بقناعة معظم اليمنيين شمالا وجنوبا شرقا وغربا ، كان يستطيع ذلك بقليل من المرونة والحنكة و إعلان تمسكه بالثوابت الوطنية والتي في مقدمتها الوحدة اليمنية واحترامه للوساطة التي سعت لرأب الصدع وحل الخلاف القائم بينه وبين علي عبد الله صالح .

بدلا من ذلك كلها و في وضع متأزم تمر به البلاد وبينما كان الجميع ينتظر من البيض مواجهة الوضع بما يلزم من القرارات الشجاعة التي تجمع حوله كافة قطاعات الشعب في كل أرجاء الوطن ، فاجأ البيض اليمنيين والعالم بإعلان الإنفصال بطريقة مخزية أثارت عليه سخط الناس بل و لعنهم و زاد من شعبية الرئيس علي عبد الله والتفاف الكل حوله وينتهي به الأمر إلى الهروب المخزي فكانت هذه أول النقاط السود في سجلاته بعد الوحدة .

بقي في بعد عام 94 في عمان غائبا عن الأنظار السياسية كما اشترط عليه وليته ظل على ذلك ملتزما و محافظا على شرف و مكانة آل البيت الذين قيل أنه ينتسب إليهم ولكن و لا شماتة خرج علينا في حدث لم يكن متوقعا من مثله حيث أعلن عن زواج ابنته إلى مطرب لبناني في مراسم زواج تتنافى مع أخلاق و آداب الحضارم بشكل عام و كرم و منزلة آل البيت بشكل خاص إلى جانب ما تم إنفاقه على هذا الزواج من تكاليف مادية باهضة لا تتفق مع المبادئ الإشتراكية التي عاش مؤمنا بها كافرا بما سواها ، وهذه وتلك أضافت نقاطا سودا في المساحة البيضاء من سجله الأحمر ، قد يقول البعض أن هذه مسائل شخصية لا ينبغي الخوض فيها ، نعم هي كذلك بالنسبة لي و لأي مواطن عادي أما بالنسبة لشخص مثل البيض الذي كان يوما ما رئيسا قبل الوحدة و نائبا للرئيس في دولة الوحدة و يدعي انتسابه لآل البيت ومن بيئة محافظة عربية مسلمة فالأمر مختلف تماما ، ثم لماذا نتفنن في نقد تصرفات من حولنا و عندما يكون الأمر خاص بنا يصبح مسألة شخصية يجب احترامها .. عندما وقعت حرب 94م وأعلن البيض قبلها الإنفصال و انهزامه شر هزيمة ظن الكثير أن ميزان القوى العسكرية و التأييد الشعبي لعلي صالح كان وراء ذلك الإنتصار الذي حققه الأخير ، والحقيقة التي لا يلتفت إليها الكثير أن هذا أمر قدري لا مناص منه ولا سبيل إلى رده فتاريخ الحزب الاشتراكي الدموي قبل الوحدة إلى إعلان الإنفصال إلى مخططات الإجرام وقوائم التصفيات التي أعدت من قبل الحزب لما بعد النصر المؤمل في هذه الحرب كان كل ذلك سببا في تعجيل العقوبة بالهزيمة والشتات .

كان بإمكان البيض خلال الأحداث والتطورات الأخيرة من مسيرات و اعتصامات في جميع المحافظات والتي تطالب بإسقاط نظام علي عبد الله ، كان بإمكانه وبكل بساطة أن يستغل الفرصة و يستعيد مكانته السياسية في اليمن وذلك بالظهور على الناس مؤيدا لهذه الإعتصامات ومعتذرا عن قرار الإنفصال الذي أعلنه مبررا ذلك كنتيجة حتمية لحجم الفساد و المخالفات و التجاوزات التي يمارسها نظام صالح مع صعوبة الوصول فيها إلى حل جذري شامل ، وأنه اليوم يرى الوحدة الحقيقة على أرض الواقع و يرى في شباب التغير الأمل المنشود للمستقبل الموعود كما يرى أن من واجبه الوقوف مع هذه المطالب وتأييدها وغيرها من عبارات تدور حول هذا الأمر ويدعوا غيره إلى ذلك .

لكنه أيضا بدلا من ذلك كل خرج علينا بوجه قبيح مسود يعيد قراءة نفس الأسطوانة المشروخة و بكل وقاحة و صفاقة وكأن الدماء التي سفكت و الأرواح التي أزهقت و الأصوات التي بحت تعميدا للوحدة وترسيخها لها ، إنما هي لأجله و لأجل هذه اللحظة التاريخية في نظره القاصر التي خرج بها مجددا ومؤكدا على مطلب الإنفصال الذي يعيشه في نفسه المريضة وعقله المختل .

وأخيرا ومما يدعو إلى الضحك والسخرية ما قرأته في بعض المواقع أنه يعد لرفع دعوى قضائية ضد آل الأحمر ( أولاد الشيخ عبدالله ) الذي كما يقول أنهم استولوا على ممتلكاته في عدن وهو يقصد المقر الحكومي في معاشيق على ما أظن ، الناس هذه الأيام في وادي وصاحبنا في وادي آخر .

همي وهم البعــــير اختلف *** همي المسير وهم البعير العلف

أخلاق الإنسان و سلوكه وباطنه لا يظهر على حقيقته إلى في اللحظات الحرجة والمواقف الصعبة ، والبيض كما أسلفنا وكما يبدو لا يحمل أي هم وطني أو اجتماعي أو إنساني فمصلحته في المقدمة ومتى ما تعارض أي موقف مع مصلحته كانت لمصلحته الأولوية حتى و إن كانت على حساب الوطن والمواطن والقيم و المباديء وهنا أورد بعض ما كتب عنه في موقع ويكيبيدا الشهير للعلم المعلوم :

" .... وقد تم تجريده من مناصبه الحزبية والحكومية في عهد عبد الفتاح إسماعيل لعدة مخالفات و تجاوزات قام بها ، لكنه سرعان ما عاد إلى الواجهة عندما تمكن على ناصر محمد من إقصاء عبد الفتاح إسماعيل ونفيه إلى موسكو ، وهو الحدث الذي ظل مشتعلا تحت الرماد حتى انفجر بشكل دامي يوم 13 يناير 1986 في مقر اللجنة المركزية بعدن ، ولكن البيض هذه المرة تحالف مع عبد الفتاح إسماعيل ضد علي ناصر محمد وتمكن من النجاة من الموت بأعجوبة من مذبحة اجتماع المكتب السياسي، والتي طالت القيادة السياسية بكل أساسي وطالت الكثير من المواطنين الأبرياء ، لينفرد تقريبا بالسلطة بعد مقتل عبد الفتاح إسماعيل ، وعلي عنتر ، وهروب علي ناصر محمد .