بسكويتات مائدة الحوار
بقلم/ محمد عمر الضرير
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 20 يوماً
الثلاثاء 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 11:00 ص

ابتهج اليمنيون بعيد الأضحى، مستأنسين فيوضات الرحمة وما ساد من دعوات التسامح، وتفعيل تهدئة تفضي للدخول في حوار يتوقف عليه مستقبل الوطن، والجلوس على مائدته بحرص الجميع على تغليب مصلحة اليمن فقط، نابذين خلافاتهم، متناسين جراحهم، مصوبين أبصارهم تلقاء الغد المشرق لبلدهم، وكم كان التفاؤل كبيرا بما تحققه لجنة الحوار من خطوات مهنية جادة حريصة على تهيئة الأدوات والمعطيات وكافة الأسباب اللازمة، المفضية لإنجاح الحوار، وذلك ما رسخته إطلالات عضو اللجنة الأستاذ الصيادي بل وتصريحه مؤكدا على نجاح الحوار في بعض مداخلاته على صفحته الفيسبوكيه.

إلا أن ما سبق تقديمه من بسكويتات مقصودة غير صالحة للمضغ، ومستحيلة البلع، وهي مستعصية الهضم، هز أرضية الساحة، متسببا في نشوب خلاف عاصف بين الفرقاء السياسيين، فاتحا فجوة شاسعة في جدار التهدئة التي ما ان بدأت أولى بشائرها بالظهور حتى ترنحت تحت وطأة تقاذف الغرماء بإلصاق كل طرف ببلوى التهمة للآخر، ويحق للبريء منها أن يقول ما قال، وكل الشعب سيقف معه أمام ما جلبه عدو الوطن من آلة القتل المتعمد، ويأمل الشعب وقد بدأت إشراقات الشفافية تطل على الشرفات: أن تحرص القيادة على سير القضية القانوني، خاصة وأن الفضيحة مدوية، ولكم استبشر الشرفاء - بعد نبأ محاولات ستر الفضيحة وإغلاق ملفها اكتفاءً بمصادرة الشحنة - بتدخل رئيس الجمهورية بصورة مباشرة، وأمر أجهزة الأمن والسلطات المختصة تحمل مسؤولياتهم الوطنية والقانونية دون الخضوع لأي ابتزازات او تهديدات، واستكمال التحقيق وتجاوز أي ضغوط تحاول التأثير على مساره، موجها بسرعة التحقيق والكشف عن مستورديها.

ولا غرابة أن تشير الدلالات الأولية إلى الشيخ القبلي الملياردير حميد الأحمر، فمشيختهم مبنية على هول السلاح بأيديهم، وقد ربط البعض بين مسار الشحنة بالسعودية و(حاج شاري بسكويت) في إشارة اتهام واضحة، دعمها التحويل لربع مليون دولار من محافظ عدن المنتمي سياسيا للإصلاح إلى تركيا قبل عدة أشهر.

وما يهم الشعب قاطبة استكمال التحقيقات وبشفافية مطلقة، لنفي أو إثبات مختلف الاتهامات، ويبقى أمل الوصول للحقيقة، وبيان أعداء الوطن، لتقر النفوس القلقة بقول كلمة القضاء والعدالة فيهم.  

وإن ما يجب التوقف عنده ونحن مقبلون على تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية وقد تكللت الأولى منها بالنجاح، وقد أوشكنا على الدخول بباب الحوار الوطني، التأمل في نوعية الشحنة التي تشير إلى أن معظمها إن لم تكن كلها من النوع المخصص للاغتيالات، ويبدو جليا أن استيرادها وما حظيت به من تسهيلات ملموسة من لدن مصدرها إلى وصولها، يسير وفق خطة مدروسة بعناية واستراتيجية مزمنة تحرص على بقاء عدم الاستقرار واستمرار الفلتان الأمني بالبلاد، بما تتسبب به من انتقاء لشخصيات يُغلي الشارع اليمني استهدافها، وذلك أن جميع أطراف الصراع يملكون الملايين من مختلف أنواع الأسلحة، وقد استخدم الكثير منه في مواطن الصدام المختلفة، ولكن جانب الاغتيالات الأهم في هذه المرحلة وما بعدها يحتاج إلى نوعيات خاصة، ورغم أن مسلسل الاغتيالات - منذ إحباط صفقة16 ألف قطعة سلاح يمكن استخدامها في الاغتيالات بحسب رئيس شرطة دبي من العام الماضي- كان مثقلا وموجعا، إلا أن ما يُخشى أن يستمر مسلسل القتل حاصدا للأنفس، مثيرا للفتنة، مزلزلا للاستقرار. وإلا فما الحاجة لهذه النوعية مع حضور أكثر من سبعين مليون سلاح بالبلد؟!!

ثم ألا يحق لنا التساؤل فيما علمنا تعرضه لمحاولة اغتيال كنموذج أمين العاصمة المخلص هلال، هل كنا سنترحم عليه- مع ما يمثله من خسارة وطنية، ومثار فتنة سياسية- لو لم تحبط العملية السابقة بدبي، أو امتلكت نوعية الأسلحة المحبطة من شرفاء عدن؟!  

حقيقة لا زال البعض يتاجر باليمن أرضا وإنسانا، ويصر على هدمه بمعول أنانيته، فهلا استشعر فداحة عمله واستيقظ ضميره قبل أن تغرق المركب بكل من فيها؟، ثم هلا استفاد باقي الأطراف من حجم الفضيحة، وتفتحت بصائرهم، واستفاقت نفوسهم من بلوى الحقد وداعي الانتقام الذي ينعكس على طول البلاد وعرضها، مخلفا الدمار لأغلى وطن، فنقى الجميع قلوبهم واستحضر عظمة وطنهم، واستحقاقه للتطور والازدهار في جغرافية حضارته عبر الأزمان .

ولعل ما يمهد لذلك هو الجدية التي رغم صعوبتها على القيادة السياسية وربما باهض ثمنها، فإنها ستوطئ للسير في مرحلة المبادرة الثانية بإقبال صادق وحرص كبير على النجاح.

لذا فإن صوت كل مخلص من شعب الإيمان والحكمة يناشد قيادته السياسية وعلى رأسها سيادة رئيس الجمهورية: أن يعمل على التسريع وإتمام التحقيقات، وإظهار نتائجها للجميع، وليس سجن مبارك أصعب ممن هم أقل منه، ليدرك الشعب المتعطش لظهور دولته المدنية، أن سيادة دولة النظام والقانون ناشرة لقوة حضورها على الجميع، ويشعر الشرفاء أن أرواح شهدائهم قد آتت بعض ثمارها، ويرتدع كل من تحدثه نفسه الإضرار بمصلحة الوطن.

فيُقدم الجميع على الحوار الوطني بقلوب مطمئنة، ورغبة صادقة، تكسو ملامحهم البهجة، وتظهر بوجههم الابتسامة، يتناولون البسكويتات الوطنية، والورود والإزهار اليمنية منتشرة بكل جوانب مائدتهم الحوارية، وملء أفكارهم وغاية طموحهم الوصول بالوطن لبر الأمان، والتطور والنجاح والازدهار.