قراءة أولية.. في نتائج الإنتخابات الرئاسية المصرية..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و يومين
الجمعة 25 مايو 2012 05:59 م

ألهبت الإنتخابات الرئاسية المصرية أصقاع الدنيا و حماس الشارع العربي والدولي لما تمثله من منعطف ديموقراطي خطير وهام في السياسة العربية الوليدة والتأريخ العربي المعاصر , واكتسبت أهمية قصوى لأنها أتت وليدة ثورة شعبية ونتاج مخاض عسير من الأحداث الدامية والحرجة التي مرت بها جمهورية مصر العربية , ولأنها تعد ثاني انتخابات رئاسية تعدديه في تأريخ مصر وأول انتخابات رئاسية بعد ثورة ال 25 من يناير الشبابية السلمية , وتتجه انظار العالم بشغف ولهفة لرؤية الى ما ستؤول اليه نتائج الإنتخابات المصرية , لما تمثلة مصر من مكانة إقليمية ودولية نابضة من قلب الوطن العربي , ولما ستحدثه من تغييرات جذرية وملموسة على مستوى المنظومة السياسية للوطن العربي ككل من المحيط الى الخليج , هذا ما يعيدنا الى التأريخ المعاصر وعن دور ثورة ال 23 من يوليو 1952 التي بمجرد نجاحها الملموس ألقت بظلالها على ثورات الوطن العربي لتتحرر من الإستعمار البغيض , وقامت تباعا لها ثورات عديدة وليدة إمتدت الى جميع الأقطار العربية .

من مفاجئات النتائج الأولية المعلنة للإنتخابات الرئاسية المصرية , ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخرا عن صعود مؤشر مرشح الرئاسة أحمد شفيق وزيادة افتراضية معدلات فوزه واقترابةه من المؤشرات النهائية بارقام قياسية في فوارق تباين مؤشرات نتائج التصويت ودلالالتها الأولية , لما يضع من حدة احتدام الصراع في الدور الثاني والإعادة في يومي 16 و17 من يونيو القادم بين المرشحين الفائزين امرا حتميا لا مفر منه , و مع تضارب الأنباء الأولية عن تقدم مرشحى الإخوان محمد مرسي وعبدالمنعم أبو الفتوح , مع احتفاظ نتيجة التصويت متذبذبة رواحا وإيابا بين حمدين صباحي وعمرو موسي في المرتبة الثالثة ليأتي احمد شفيق ليوازن نتيجة التصويتات والتوقعات بمقعد الرئاسة بين جميع المرشحين بنتائج متفاوتة وقريبة جدا تجعل من الصعب التنبوء بالرئيس القادم لمصر العروبة .

لعب الإخوان المسلمين دوراً بارزاً في سير العملية الإنتخابية والحملات المرافقة لها , بالرغم من أن جماعة الاخوان وفي بداية الحملة الانتخابية وما قبلها اعلنت عن عدم رغبتها ونيتها الترشح و المشاركة في الانتخابات الرئاسية كقناعات وطنية حرة لترك الفرصة لليبرالين ودعاة المدنية بالصعود الى الحكم , وافساح المجال أمام مختلف القوى الثورية والحزبية لبناء مصر الجديدة , وإظهار حسن النوايا للرأي العام العربي والعالمي بعدم ركوب الموجة الثورية أو إستغلالها حسب مزاعم البعض للوصول الى قصر العروبة , ومع مرور الوقت تناقضت ادوار الاخوان وبرز الى السطح دعاة الوسطية السياسية للمطالبة بإيجاد مكان ما في الحكم الرئاسي , والسعي الى تحقيق الطموح الأبدي للإخوان المسلمين بالوصول الى الخلافة الاسلامية الرشيدة , وربما تحت عباءات مختلفة ومسميات عدة , كما هو مبين في منهج الإخوان وكما نصت عليه نصوص وأدبيات حسن البنا وسيد قطب , هذا الجناح الطموح الذي قادة بشدة مرشحي الإخوان محمد مرسي وعبدالمنعم ابوالفتوح للدعوة الى المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة , وبذا تحركت جماعة الإخوان المسلمين بجميع الاحزاب والتكتلات والقوى التي تمثلها وبقوة لإيجاد موطئ قدم ودور قيادي في حكم ارض الكنانة مستقبلا , ولأجل السعي لتشتيت الأصوات بين مرشحي الاخوان والمنافسين , واضاعة الفرصة وتفويتها على القوميين والليبرالين الجدد للوصول الى نتائج تنافسية مرضية , تقدم الأخوان بمرشحين قويين اثنين ممثلين عن الجماعة , وبذا تم تفويت الفرصة على اكثر القوى الحزبية والمستقلة بنجاح ممثليها , وتم تمرير جماعة الإخوان المسلمين كممثل رئيسي وشرعي وحيد لشريحة كبيرة من المواطنيين المصريين , تضع احتمال فوز احد مرشحيها -وان كان الأوفر حظا محمد مرسي - أمرا واردا ومستحقا في الأيام المقبلة , ربما سنوات حكم مبارك المريرة واضطهاد الجماعة أكسبت الإخوان قدرات سياسية عاليه ومكر ودهاء سياسي نافذ وقبول شعبي واسع , خاصة في ظل انتهاج الأخير في السنوات الأخيرة مبدأ الوسطية والإعتدال والدعوة اليها , ولما لعبته الجماعه من دورا مؤثرا وبارزا إبان ثورة 25 يناير السلمية في اسقاط نظام الحكم , فهل سيكافئ المصريون الإخوان بمقعد الرئاسة طواعية وعن طيب خاطر , ام ان الإخوان ومع حصولهم على المقعد سيتخلون عن القاعدة الشعبية العريضة ,هذا ما ستكشفه الأيام القلائل القادمة ,

من ناحية أخرى أعلنت المؤشرات الأولية بروز نجم عمرو موسى كمرشح رئاسي تنافسي عالي ذو شعبية واسعة وشخصية حيادية , سرعان ما تلاشت مع الوقت في اللحظات الأخيرة , وخف وهجها في حدة التنافس والانتخابات , فضعفت بذلك مؤشرات عمرو موسي وترنحه لأدنى المستويات , ساهم بشكل أو بآخر في سقوطه تشتت الأصوات وعزوف اغلب الناخبين وربما في اللحظات الاخيره عن الإدلاء بأصواتهم لممثل ومرشح رئاسي خارج من عباءة نظام حسنى مبارك , وان كان عمرو موسي قد لاقى قبولا وترحيبا شعبيا واسعا إبان الحملات الانتخابية كمرشح وحيد سرعان ما توارى عن الأنظار مع احتدام المناظرات التلفزيونية الحادة وحوارات الشد والجذب بين المرشحين , خاصة مع مواقفة المتباينة المثيرة للجدل فيما يخص العلاقات العربية الاسرائيلية ومواقفة الهشة من ثورات الربيع العربي حينما كان أمينا عاما لجامعة الدول العربية , بل وحال تسلمة زمام وزارة الخارجية والمواقف المخزية والضعيفة التي انتهجتها سياسات وزارته في عهد الرئيس مبارك , لن يكون اقلها معاناة المواطن المصري في الخارج والسكوت عن حقوقة المشروعة , ولن يكون اكثرها موقفة في مؤتمر دافوس حين فضل عدم الانسحاب من المؤتمر كما فعل رجب طيب اردوغان امام التعنت والتصفيق في القاعة لجرائم اسرائيل ضد قطاع غزة وقتل الأبرياء , اذن المواقف الأخيرة لعمرو موسي وان كانت مرضية للبعض لم تشفع له امام أغلبية الشعب المصري , ولم تكن كافية لغفران ماضية الأسود , وربما سيعلن سقوطه قريبا وحتى قبل إعلان النتائج النهائية , وسيختفي دورة مستقبلا في لعب اية أدوار ..الغلبة فيها للأقوياء والأوفر حظا .

ومن ناحية أخرى ساهم الدعم الخارجي -السعودي والخليجي تحديداً- في بروز نجم أحمد شفيق ممثلاً عن النظام السابق في الإنتخابات الرئاسية , هذه الفوارق الكبيرة واللعبة الانتخابية الشائكة تفاجئ الجمهور العربي والعالمي المتابع بصعود نجم احمد شفيق وبروز مؤشرات اولية وتنبوءات عالية لتمكنة من كسب المزيد من اصوات الشارع المصري وبجدارة , رغم ما تم نشرة من حملات اعلامية مناهضة ضد الرجل , وتصويره بأنة الأضعف والأقل حظا , ولكن الأصوات والنتائج الأولية تقول غير ذلك , فقد حاز على نسب عالية تهدد فوز محمد مرسي وحمدين صباحي معا , وربما تقلب الطاولة الانتخابية في الأيام القادمة , وتثير جدلا واسعا وكثيرا عن المفاجآت الغير متوقعة و صعود الأخير الى المراحل التنافسية النهائية , وربما المضي قدما الى مرحلة الإعادة الثانية في حال حدوثها , صعود مؤشر احمد شفيق يثير الكثير من الدلالات والتساؤلات عن دور الفلول خاصة بعد حل الحزب الوطني رسمياً , ولكن كما يبدو ان الحزب المنحل وانصاره واعوانه مازال لهم التأثير القوي والفعّال وان كان في أطر غير حزبية ومؤسسية رسمية , خاصة مع تضارب الأنباء والشكوك عن الدعم القوي والملموس من دول خارجية بعينها بذلت الأموال الطائلة واغرقت الشارع المصري بالعملات الصعبة لشراء الأصوات , رغم ورود هذه الإحتمالات – والتي لا تعبر بالضرورة عن رأي الكاتب - كقراءة أولية للإنتخابات المصرية فالخوف من صعود الإسلامييين الى سدة الحكم يثير حفيظة الغرب وامريكا , وعبر أياديها في المنطقة ستستطيع قلب الطاولة الثورية وتسحب البساط من تحت اقدام الشباب وبدعم غير محدود لكسب رهان الانتخابات عن طريق فوز احمد شفيق - إن تحقق - الى الرئاسة , ستستطيع بذلك وأد الثورة الشبابية وخنقها رسميا , فحين خرج النظام السابق من الحكم من البوابة الثورية تحت وطأة الانتفاضة الجماهيرية المليونية , هاهو ربما يعود مجددا اكثر قوة عبر صندوق الإنتخابات وبطرق رسمية , وبدعم دولي وخليجي منقطع النظير , ومالم تستطع فعلة تلك الدول مجتمعة ضد الثورة المصرية في عز نهضتها وقوتها , ستصبح الآن قادرة عبر الأجندة السياسية وسطوة نفوذ المال السياسي وسحرة العجيب لدى ضعاف النفوس للعب دور الوصي في الإنتخابات , وفي حال فاز أحمد شفيق جدلاً لن تكون هناك حجة او رفض شعبي لنتائج التصويت مع الإجرءات الانتخابية المشددة والرقابة الدولية القوية لسير العملية الانتخابية في عموم المحافظات المصرية .

صعود مؤشر أحمد شفيق فجأة بعد وصولة لمستويات متدنية , يحمل دلالات خطيرة جدا عن إنحسار المد الثوري وعن فجوة كبيرة وضعف ثقة لدى الأغلبية وربما البعض عن دور الثورة وتوخي نتائجها والحذر الشديد من مستقبلها وما ستؤول الية النتائج , فالانتخابات هنا مرآة حضارية تعكس صورة الثورة الحقيقية في قلوب ونفوس الكثيرين من أبناء الشعب المصري , خاصة ان الفترة الماضية التي سبقت الانتخابات وتلت نجاح الثورة في اسقاط النظام , شهدت مراحل حرجة و لعبت دورا كبيرا في زعزعة الثقه بين المواطن والثورة , خاصة مع إستعداء بعض مكونات الثورة لشخصيات عامة وصعود الإسلاميين على حساب الإغلبية العظمى , مما ساهم في استغلال جموع الفلول اتساع هذه الفجوة الكبيرة وأجوآء إنعدام الثقه لصالحهم لضرب التيارات الثورية المختلفة بعضها ببعض من جهة ومن جهة اخرى بإشعال الفتنة والخلاف بين هذه القوى والمجلس العسكري والتشكيك في مصداقيتهما معا , مما صنع أجواءا مشحونة و خلافات كبيرة بين المجلس العسكري وشباب الثورة , اختار حينها المجلس العسكري بطريقة غير معلنة الإنضمام الى صفوف الفلول لمقاومة موجة الاستنكار والحماية من غضب الشعب والثورة معا , وبذا خسرت الثورة الشعبية اكبر داعم شرعي لها متمثلاً في المجلس العسكري , واكسبت الفلول قدرة استثنائية واضافية لخوض مسار الإنتخابات بقوة وانصار اكثر , مما تركت احتمال عودة النظام القديم عبر سلم الانتخابات نتيجة حتمية واردة وخطرا محققا للإفلات من النتائج الوخيمة في حال صعود الإسلاميين الى الحكم .

وسائل الإعلام المصرية ايضا لم تستطع اقناع الشارع الملتهب بالبدائل الثورية المتاحة , وغير قادرة على فرض رؤية جديدة موحدة للمرحلة القادمة , فتشتت الدور الاعلامي وضعفه وعدم تركيز الجهود الوطنية في اتجاه واحد اضاع جوهر التغيير وحلم الثورة , إذن في اللعبة الإنتخابية لعب الإخوان أدوارا اقل ما يقال عنها ذكية جدا وحساسة لكسب ورقة الإنتخابات , ولكن ربما الإمعان في حدة الذكاء السياسي واللعب بأوراق الانتخابات ترك مجالا فسيحا لطرف ما -لم يكن في الحسبان- بإستغلال أوراق الإخوان لصالحة لكسب الانتخابات بطريقة انتخابية حرة وبنزاهة مطلقة , حمدين صباحي هو الآخر وإن كان خياراً شعبياً ومطلباً وطنياً ملّحاً لقيادة المرحلة القادمة , مع القاعدة الشعبية الواسعة التي تمثل الرجل وتأريخة النضالي المشهود له من عهد السادات وما قبلة ورصيدة الوطني الحافل بالمواقف الوطنية المشرفة , وان كان المرشح الرئاسي الوحيد الذي اعلن تضامنة مع الثورة اليمنية ضمن احتفالية للسفارة اليمنية في القاهرة حينها , إلا أن لعبة الانتخابات ودوران عجلتها ربما لن تستثنية ابدا , ولن ينجو من دائرة دق العظام في مفرمة الإنتخابات , والتعثر في حبال الإنتخابات ونتائجها المتشابكة واشواكها الشائكة , اذن ما نراة في مصر الآن هو عبارة عن إستغلال أطراف لأوراق أطراف اخرى لكسب رهان الإنتخابات بطريقة سياسية ذكية وبدهاء عال , والأيام القادمة وحدها هي الكفيلة بإظهار النتائج والمفاجآت التي لن تتوقف أبدا , وربما ستعلن عن ميلاد الجمهورية الثانية إن صح التعبير , في حال رضوخها للإرادة الوطنية .