اليمن بين المطرقة الحوثية والسندان الإسرائيلي
بقلم/ فضل حنتوس
نشر منذ: 6 أيام و 20 ساعة و 16 دقيقة
الجمعة 20 ديسمبر-كانون الأول 2024 06:46 م
 

اليمن اليوم يقف على مفترق طرق غير مسبوق، حيث تترنح البلاد بين المطرقة الحوثية والسندان الإسرائيلي. في خضم هذا المشهد السياسي العاصف، يبرز الحوثيون كطرف مركزي يسعى إلى ترسيخ سلطته بأي وسيلة كانت، ولو كان الثمن مزيدًا من الخراب والدمار للوطن. تكشف الحقائق والتحليلات السياسية الدقيقة أن الحركة الحوثية قد باتت بارعة في استغلال الشعارات الوطنية والمقاومة المزعومة لصناعة أعداء وهميين، وتحقيق مكاسب ذاتية لا تخدم سوى مشروعها الضيق، على حساب المصالح الوطنية العليا.

 

منذ ظهور الحركة الحوثية في المشهد اليمني، وهي تحاول بناء سردية مبنية على المظلومية والدفاع عن السيادة الوطنية. ومع ذلك، تتناقض هذه السردية مع ممارساتها الفعلية على الأرض، حيث كانت العامل الرئيسي في استدعاء التدخلات الخارجية، سواء من قبل القوى الإقليمية أو الدولية. فالحوثي، الذي يرفع راية "المقاومة" ضد إسرائيل وأمريكا، لم يحقق إلا تهيئة المسرح لضربات جوية وعمليات استخباراتية استهدفت البنية التحتية والمنشآت الحيوية في اليمن، مما زاد من معاناة الشعب اليمني.

 

التلاعب الحوثي بالشعارات الوطنية يتجلى بوضوح في تصوير إسرائيل كعدو رئيسي للشعب اليمني، متجاهلًا تمامًا أن وجوده في السلطة هو الذي جعل من اليمن ساحة مفتوحة للصراعات الدولية والإقليمية. فبينما يصرخ الحوثيون بشعارات معادية لإسرائيل، تجد أن أفعالهم على الأرض تعزز من التدخل الإسرائيلي في المنطقة، حيث تم تبرير الضربات الجوية على أساس وجود تهديدات مصدرها الأراضي اليمنية التي تخضع لسيطرة الحوثيين. هذه السياسة المزدوجة تشير إلى أن الحوثي لا يعارض التدخلات الخارجية بقدر ما يسعى إلى استغلالها لترسيخ سلطته الداخلية.

 

كما أن الحوثيين يعتمدون على استراتيجيات مدروسة لتحويل كل أزمة إلى فرصة تخدم أهدافهم السياسية والعسكرية. على سبيل المثال، كانوا السبب الرئيسي في تصعيد الأوضاع الأمنية إلى مستويات حرجة دفعت القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف البنية التحتية اليمنية، تحت ذريعة حماية مصالحها ومواجهة تهديدات الحوثي. هذه الأفعال لا يمكن قراءتها إلا في سياق لعبة مزدوجة يجيد الحوثي إدارتها، حيث يظهر بمظهر الضحية من جهة، ويستفيد من التدخلات الخارجية لتعزيز روايته الداخلية من جهة أخرى.

 

لا يقتصر الأمر على استغلال التدخلات الخارجية، بل يمتد إلى تسخير الأزمة الإنسانية كوسيلة للابتزاز السياسي. الحوثيون، الذين يسيطرون على المساعدات الدولية ويوزعونها بما يخدم مصالحهم، يعمدون إلى خلق أزمة إنسانية مفتعلة تسلط الضوء على ما يدّعون أنه "عدوان خارجي". إلا أن الحقيقة تكشف أنهم السبب الرئيسي في تعقيد الوضع الإنساني، من خلال تحويل الموارد الوطنية إلى مجهودهم الحربي، وفرض ضرائب وجبايات غير شرعية على المواطنين، مما أدى إلى انهيار اقتصادي شامل.

 

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الدور الإيراني في صياغة استراتيجية الحوثي. فإيران، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، تستخدم الحوثيين كأداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. الحوثي من جانبه، يرحب بهذا الدعم، رغم إدراكه أن ثمنه هو جعل اليمن رهينة لأجندات خارجية لا تخدم مصلحة الشعب اليمني. في ظل هذا المشهد، يصبح واضحًا أن الحوثي ليس سوى أداة ضمن لعبة إقليمية ودولية أكبر، هدفها النهائي هو تحقيق مصالح القوى الكبرى، وليس حماية اليمن.

 

وفي النهاية، تبقى الحقيقة الساطعة أن الحوثي، الذي يرفع شعارات "العداء للإمبريالية والصهيونية"، ليس سوى شريك غير مباشر في صناعة الفوضى التي تستغلها هذه القوى لتحقيق أهدافها. فمن خلال سياساته الكارثية وخطابه المزدوج، ساهم الحوثي بشكل كبير في تحويل اليمن إلى ساحة مفتوحة للصراعات، وضحية لمخططات لا تنتهي. هذه السياسات لا تخدم إلا مصالحه الضيقة، بينما يدفع الشعب اليمني الثمن غاليًا، في معاناته اليومية وفي مستقبل أجياله.

اليمن اليوم بحاجة إلى قيادة وطنية صادقة وشجاعة، تعيد ترتيب الأولويات الوطنية بعيدًا عن المصالح الفئوية والارتهانات الخارجية، وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. وحتى يتحقق ذلك، سيظل الشعب اليمني يدفع ثمن صراعات لا نهاية لها، ويقف عاجزًا أمام معادلة المطرقة والسندان التي صنعها الحوثي بيده.