|
لم تكن الثورة اليمنية أقل من ثورة مصر، بل كانت ثورة تاريخية استقطبت كل فئات المجتمع اليمني وحققت التفافاً شعبياً لم يحدث في مصر أو تونس ، ورسم اليمنيون صورة إيجابية عظيمة حققت الوحدة والحضارة والأصالة على العكس ما كان يشيعه نظام صالح في اليمن ..
ثورة اليمن، سلمية.. سلمية.. حضارية ، شعبية، قومية، وطنية، ليست حزبية كما يقول البعض أو كما نخاف.. ولا تمثل قبيلة أو حزب أو فئة، فمن في الساحة هم من كل التيارات السياسية والفكرية والاجتماعية.. فلذلك كانت ثورة شعب بكل ما تعنيه الكلمة..
ثورة شعبية، لحقت بها الأحزاب السياسية، وبدأت باستقبال ضباط في الجيش من اليوم الأول للاعتصام.. وصولاً إلى انضمام ما يقارب نصف شخصيات الحزب الحاكم، وصولاً إلى وقوف ما يوازي ثلثي الجيش تقريباً في صف الثورة، وتحييد الكثير..
ولنعد قليلاً إلى الوراء وقبل الثورات العربية كان نظام صالح هو النظام المرشح للسقوط على مستوى المنطقة والعالم، وكان العالم يبدي تخوفه من فشل الدولة اليمنية.. ويومها كان النظام يلعب على الأزمة السياسية مع المعارضة والحراك الجنوبي وصعدة وتنظيم القاعدة والاقتصاد المنهار والفساد الذي أكل الأخضر واليابس..
إذن؛ ما الذي جعل صالح يصمد كل هذه الفترة وقد خرج الشعب من أقصاه إلى أقصاه، وأصبحت سلطته محصورة في جزء من العاصمة والجنود في الشوارع بصف الثورة.. هل كان نظام صالح أقوى من نظام مبارك؟ أم أن مخابرات صالح أقوى من مخابرات عمر سليمان؟..
لعوامل عدة صمد علي عبدالله صالح كل هذا الصمود، وصمد شباب الثورة السملية كل هذا الصمود وما زالت الثورة يومياً في صعود.. ومن أبرز تلك العوامل أن نظام صالح لم يكن نظاماً بما تعنيه الكلمة، بقدر ما كان عبارة عن مراكز قوى.. وأسباب أخرى كما يلي:
أولاً، قام صالح بتقسيم الجيش، وكان لديه أربع مؤسسات عسكرية وأمنية خارجة عن الدولة وبسيطرة أقاربه الذين لابد أن تأتي عليهم الثورة.. فهناك من الحرس الجمهوري القوة التي توازي الجيش بقيادة نجله، والأمن المركزي والأمن القومي (المخابرات) والحرس الخاص، بقيادة أبناء أخيه.. وهي قوة تابعة للأسرة لا للبلد.. لذلك لم يكن للجيش موقفاً موحداً يستطيع أن يحسم القضية لصالحه.
من جهة ثانية، في لحظة ما، كان صالح يشعر بالخوف من تصاعد الثورة والعنف وكان لا يزال يأمل الحوار والبقاء.. لكنه عندما رجحت كفة ثورة الشعب بما لا يقارن بالخيارات أمامه، واصبح من المستحيل أن يسيطر على الوضع.. تصرف صالح بطريقة العصابة المسلحة الخارجة على القانون، والتي توزع السلاح وتهدر المال العام وتدمر مؤسسات الدولة، وتحاول جر الثورة إلى العنف.. كل ذلك دون خوف.. ما جعل الطرف الآخر (الثوار والجيش والقوى السياسية) هم من يخاف على أي تصعيد في البلاد، وليس السلطة..
فمثلاً كان صالح ومن معه يحاول افتعال أصوات انفصالية في الجنوب لتصعيد المطالبة الانفصالية للرد على الثورة التي وحدت اليمن ، وقد تحدثت الأنباء عن سعي أنصاره للسيطرة على تلفزيون عدن من اجل إعلان الانفصال.. بالإضافة إلى الكثير.. وكذلك القاعدة وغيرها.
من جهة ثالثة، سقط نظام صالح عملياً، ولم يتبق منه سوى الرئيس، فالحكومة هي حكومة تسيير أعمال، والبرلمان غير شرعي، والحزب أصبح الكثير منه في صف الثورة، وكذلك الجيش.. إذن سقط النظام وبقي الرئيس مسلحاً في منطقة السبعين يمتلك الإعلام والمراوغة ويعبث بالمال العام..
الأمر الأخير وهو الأهم، أن إعلام صالح على علاته تفوق على إعلام الثورة، فهناك مؤسسات بإمكانيات عالية كالتوجيه المعنوي والأمن القومي كلها ركزت جهدها نحو التلفزيون الرسمي، ولعبت على أخطاء الآخر وبادرت إلى نقد نفسها بنفسها لكنها دافعت فقط بأخطاء إعلام الثورة.. ولدى أفرادها الخبرة السياسية في التصريحات والمراوغة الإعلامية وكلها أطالت عمرهم ولم تنقذهم..
على الجانب الآخر، لم يكن لدى الثورة مطبخاً واحداً وخطاباً إعلامياً موحداً يوازي ترتيب الآخر، فهي ثورة شعب بكافة فئاته، والإعلام في الساحات مثلاً يقتصر على مراكز إعلامية متعددة للشباب الذين لا تنقصهم الثورة، وينقصهم السياسة والخبرة الإعلامية.. وإلى الآن لا يوجد خيمة شاملة للصحفيين لمناقشة صحافة الثورة وتوحيد الخطاب وتوفر فيها متطلبات العمل..
كل ذلك أطال عمر صالح وأنضج الثورة، فمن جهة، رب ضارة نافعة، فخلال كل هذه الأسابيع استفادت أطراف الثورة كثيراً من الدروس التي لم تكن تحسب لها.. وصمود مئات الآلاف من الشباب داخل الساحات للشهر الثالث على التوالي هو صمود أسطوري، حيث لا دعم لهم بل يدفعون تكاليف معيشتهم ذاتياً ويصمدون في أصعب اللحظات..
ومع ذلك أصبح الآن من المهم أن نعرف ما الذي علينا لحسم الوضع القابل للانفجار، وكلها جهود تنسيق سياسية وإعلامية.. فإعلام الثورة يجب أن لا يخاطب الثوار فقط بقدر ما يخاطب من تبقى في البيوت، ويخاطب العالم.. لقد سقط النظام وبقي الرئيس مسلحاً قادراً على المزيد من الأزمات.. غير قادر على البناء.
والمطلوب من كل من في صفوف الثورة أن يقدم جهداً وأن يعمل بما استطاع، فهناك الكثيرون الآن في صفوف لم يعملوا كما يجب ولم يقدموا كما يجب.. لأن الثورة لا تنجح بالاستهانة بالأخر وانتظار قطف الثمار.
Senan@w.cn
في الأربعاء 20 إبريل-نيسان 2011 08:28:04 م