ارتفاع أسعار النفط مع تعطل الإنتاج في أكبر حقول غرب أوروبا تهريب الذهب... تفاصيل واقعة صادمة هزت الرأي العام في دولة عربية اتفاقية تعاون جديدة بين روسيا والسودان روسيا تستخدم الفيتو ضد قرار بريطاني عن السودان استعداداً للانفصال.. ليفربول يستبدل صلاح بـ نجم شباك أول دولة خليجية عظمى تستعد في إنشاء ائتلاف عسكري مع الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب
لن أتحدث بمنطق ردود الأفعال ولكنني سأتحدث من منطوق التاريخ وشواهد المواقف ، لأن ذلك أقوى في إبراز حجة المنطق المعقول وأقرب إلى تشخيص المواقف للأفراد والجماعات التي تتبنّأ موضوع القضية الجنوبية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن.
وفي هذا الاتجاه أود الوقوف أمام مقابلة الأخ الأستاذ محمد علي أحمد المنشورة في صحيفة مأرب برس الورقية في عددها رقم(1) الصادر بتاريخ 12/12/2012م ونقتطف منها ما هو جدير بالرد والتعليق لكي نقف مع تلك المقتطفات بشيء من النقد والتحليل والمقارنة وبالتالي سيكون الحكم للقراء الكرام فيما يجب فهمه والعمل به ، ومما جاء في تلك المقابلة قوله: (الوحدة انتهت في 7 يوليو 1994م) والحقيقة أن الوحدة قائمة ومستمرة لأنها تمت عبر عملية ديمقراطية سلمية توجت بتصويت عام ، تمثل في استفتاء 16 مايو 1991م على الدستور الذي نشأت بموجبه الجمهورية اليمنية بالإضافة إلى انتخابات مجلس النواب في 27 أبريل 1993م ، ولكن الذي انتهى فعلاً هو مشرع الانفصال الناجم عن العمل المسلح الذي تم الإعداد والتحضير له قبل عام 1994م إلاّ أن إجراءاته بلغت ذروتها بإعلان قرار الانفصال في 21 مايو 1994م ، وحينها هب أبناء الجنوب الوحدويون ووقفوا في وجه ذلك المشروع بكل حزم وصرامة حتى تلاشى ذكره واختفاء أثره في الواقع العملي وتوارت أشخاصه الداعية إليه ، حتى راودتها أحلام اليقظة بإمكانية العودة إلى ذلك المشروع ، وها نحن اليوم أمام جملة من الأطروحات المتفرقة في المعنى والمبنى الداعية إلى تكرار ذلك المشهد القديم.
وعن قوله:(نحن حررنا أنفسنا من الاستعمار البريطاني ومن تقاليد الماضي وأصبحت عندنا دولة مدنية) وهنا نقف عند هذا المسمّى لأن الأخ محمد علي أحمد عاش في فترة دولة كان فيها هو عبارة عن رئيس دولة صغيرة قائمة بذاتها وهي محافظة أبين عند ما كان محافظاً لها ، وكيف كان يتصرف في نطاق تلك الدولة حتى تناوله رفاقه بشيء من النقد والتهجم على تلك الهيمنة خصوصاً بعد هزيمة جناحه في الحزب الاشتراكي اليمني في أحداث 13 يناير 1986م ، وحتى لا نتجنّى على أحد سنستعرض ما قيل عن تلك الفترة من خلال أحد المظاهر التي برزت في محافظة أبين تحت قيادته والمعروفة \\\"بساحة الشهداء\\\" في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين كشاهد على ممارسة الفساد خلال تلك الفترة السابقة لأحداث يناير 1986م ، ولذلك سننقل ما ذكر عن ذلك المظهر كما جاء في الوثيقة النقدية التحليلية لتجربة الثورة في اليمن الديمقراطية 1978 ـ 1986م والتي تقول: (وبرزت جملة من الظواهر التي تؤثر على ميزان المدفوعات والميزان التجاري بل وعلى السياسة الاقتصادية للحزب أبرزها الاستيراد بدون تحويل عملة والمتاجرة بتراخيص استيراد السيارات والأثاث ، والنشاط الاقتصادي لساحة الشهداء المستقل والخارج عن قوانين الدولة وأنظمتها ونشاط الوكلاء والوسطاء) ، هذه هي الدولة المدنية التي كان يقودها الحزب بأكمله ، أما بعد انقسامه إلى \\\"زمرة\\\" و \\\"طغمة\\\" فقد تحول الأخ محمد علي ـ من وجهة نظر رفاقه المنتصرين ـ إلى متهم بخيانة الوطن ومتهم بممارسة الإرهاب ومتهم بأعمال التخريب ، كما جاء في دعوى القضية الجنائية رقم (3 لعام 1986م) والتي حكم عليه بموجبها بعقوبة الإعدام غياباً ، ولهذا التبس علينا الأمر فيما هي الدولة المدنية المقصودة في حديثه وإلى أيهما يميل ويرغب بعودتنا إلى عهدها ، في حين أنه كان متهم بالفساد والخروج عن القانون في الدولة الأولى ، ومتهم بخيانة الوطن في الدولة الثانية.
وكما جاء في قوله: (أما مطالبنا الحقيقية فهي استعادة دولتنا على ربوع الجنوب بحدود ما قبل 22 مايو 1990م وكل شطر يعود إلى وضعه الطبيعي كدولتين) وهذا القول ليس بجديد في حياة الأخ محمد علي أحمد فقد كان أداة من أدوات الدعوة إلى الانفصال حين بدأ مشوار السير في ذلك الطريق بقبوله قرار تعيينه محافظاً لمحافظة أبين الذي أصدره حيدر أبو بكر العطاس رئيس الوزراء في 14 فبراير 1994م بدون الرجوع إلى مجلس الرئاسة ووزارة الإدارة المحلية ، فكان ذلك القرار عبارة عن مغامرة انتحارية بالنسبة له خصوصاً وأنه كان في نظر علي سالم البيض وجماعته مسئولاً عن دماء قادتهم وكوادرهم في 13 يناير 1986م ، بل كان محكوم عليه بالإعدام غيابياً من قبلهم ، كما قبل منصب وزير الداخلية في الحكومة الانفصالية التي أعلن عن تشكيلها برئاسة حيدر أبو بكر العطاس في 2 يونيو 1994م.
ولهذا لا نجد غرابة في الأمر أن يأتي على لسانه هذا القول الذي لا يحتمل تأويلاً غير الانفصال ، وكما جاء في معرض حديثه عن كثرة المكونات: (بأنها بلغت 66 مكوناً سياسياً خرجت من جحور الأحزاب ، سواءً كان حزب الإصلاح أو حزب المؤتمر الشعبي العام أو من قبل نفوذ ووجاهات قبلية وعسكرية وولاءات إقليمية ودولية هم الذين خلقوا هذا التعدد وخلقوا المكونات الجديدة التي وجوهها جنوبية لكن نفوذها مع أحزاب الشطر الثاني كما يقول) وهنا ينكشف الغطاء ويزول التمويه والغموض الذي يحيط بالنشاط السياسي للرجل .. إذ يفهم من هذا الكلام أنه لا مكان لوجود الشخصيات الجنوبية المنتمين للأحزاب والجهات الأخرى وهذا قول يحمل أكثر من معنى ، فقد يكون القصد منه أنه لا مكان للتعددية السياسية والحزبية في إطار ما يحلم به من إعادة الدولة الشطرية التي قامت على نظام الحزب الواحد ، وهو ما أكده بقوله: (لم يكن لدينا الطبقات والفئات عندنا مجتمع مدني وحزب واحد يقود العمل السياسي والعمل الاجتماعي والدولة ، دولة النظام والقانون) وهذا تصريح خطير وتلميح واضح إلى الحنين لتلك الفترة الزمنية التي حكم فيها الحزب الواحد ، وفي حين يقول: (نحن نرفض نظام الحزب الواحد) وهذا قول يناقض بعضه بعضاً ولا يستقيم على رأي مقنع.
وفي جانب آخر من مقولته عن المكونات فقد يحتمل معنى ثاني بما يفيد بعدم حق المنتسبين للأحزاب السياسية غير الحزب الذي ينتمي إليه في الحديث أو المشاركة فيما يتعلق بالقضية الجنوبية وهذا ما ظهر جلياً في تكوينات المؤتمر الذي ترأس لجنته التحضيرية ودعاء إلى انعقاده خلال الفترة (16 ـــ 18 ديسمبر 2012م) وتمخض عنه تشكيلات ذات طابع حزبي قديم مع شيء من التطعيمات الجهوية السائرة في فلك الخطة المرسومة لهذا المؤتمر ، وإن كانت كما يقول تمثل كافة الأطياف لكنها ظهرت كما يراد لها الظهور فقط ، وإن كانت فيها مسميات من المحافظات الجنوبية فهي لمجرد تبرير الحديث عن تمثيل متساوي للمحافظات وهي في حقيقة الأمر لا تمثل سواء طيف الانفصال ، أما الوجاهات السياسية والحزبية الأخرى فما عليها إلاّ أن تردد ما يراد ترديده من الأهازيج والشعارات المؤدية إلى الانفصال في حين يفترض اشتراك كافة القوى السياسية في حمل راية القضية الجنوبية حتى تتحمل مسئوليتها الكاملة في المشاركة الفاعلة في تناول القضية الجنوبية بكافة أبعادها وتحليل مخاطرها والفرص المتوقعة لها حتى يتقرر الأمر ويستقر الرأي على تشخيص المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة لها باعتبارها قضايا وهموم شعب لا بد من الأخذ برأيه فيما ينبغي القيام به حتى لا تتكرر تجارب الماضي المؤلمة التي تدور رحاها على ظهور السواد الأعظم من الناس الذين غالباً ما يدفعون الثمن باهظاً نتيجة لحالات الطيش والهيجان النخبوي القائم على اعتبارات المصالح الشخصية في المقام الأول.
وخلاصة القول فإن شخصية وطنية ذات تاريخ نضالي مشرف لا يليق بها أن تتنكر لتلك الأدوار ، أقول هذا لأن الأخ محمد علي أحمد بدأ مشواره السياسي والحزبي في وقت مبكر من عهد الدولة المدنية التي أشار إليها وامتدح وجودها ويطالب باستعادتها ، حيث انتخب عضواً مرشحاً للجنة المركزية للتنظيم السياسي الجبهة القومية من قبل المؤتمر العام الخامس المنعقد خلال الفترة من (2 ـــ 6 مارس 1972م) ثم عضواً أساسياً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني من قبل المؤتمر الاستثنائي المنعقد في أكتوبر 1980م ، كما أعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني من قبل المؤتمر العام الخامس المنعقد خلال الفترة (26 ـ 31 يوليو 2005م) ، ولا شك أن جميع وثائق الحزب الاشتراكي اليمني وقبله التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية وقبله التنظيم السياسي الجبهة القومية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على وحدة التاريخ والمصير للوطن والشعب اليمني وأن التشطير هو الاستثناء ، ويدعم هذا التأكيد أن جميع النصوص الواردة في الاتفاقيات الوحدوية كانت تؤكد على (إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وليس تحقيق الوحدة اليمنية) بما يفيد إفادة قاطعة وجوب التزام كافة الثوار والمناضلين المنتمين لصفوف الحزب الاشتراكي اليمني بهذه القواعد الوحدوية التي سار بها لأكثر من عقدين من الزمن باتجاهها الصحيح ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يتوجب علينا كجنوبيين أن نعمل على إزالة كل ما لحق بدولة الوحدة من تشوهات جراء الممارسات الخاطئة التي ارتكبها النظام العائلي المستبد بزعامة المخلوع علي عبد الله صالح وحاشيته ، بعيداً عن المتاجرة بهموم وقضايا الشعب الجنوبي المغلوب على أمره طوال سنوات الحكم الثوري الماضية بدون استثناء ، وأجد من الإنصاف القول بأن لا أحد كان يهتم بقضايا الجماهير طوال تلك الفترة ممن نراهم اليوم في صدارة الفعل والتأثير لتحريك القضية الجنوبية في هذه المرحلة ، وأن العامل الأساسي لهذا التحريك إنما هو بدافع الطمع في الحصول على منافع شخصية أو استعادة امتيازات مفقودة ، والدليل واضح للعيان من خلال المتابعة لما يعتمل في الواقع.