جونز ينتصر على 1.5 مليار مسلم
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و يومين
السبت 15 سبتمبر-أيلول 2012 05:54 م

قبل تسع سنوات وفي محاضرة عن تأثير الاتصال الاجتماعي، روى لنا بروفيسور بريطاني قصة حقيقية قام بها شابان أمريكيان متطرفان، حيث استخدما برنامج الفوتوشوب لوضع لفظ الجلالة على قاع حذاء من إنتاج شركة Nike  ووضعا نصاً تحته يقول "قامت شركة Nike بإنتاج ... مليون زوجٍ من هذا الحذاء مع لفظ الجلالة أسفله في محاربة واضحة للإسلام والمسلمين. أرسل هذه الرسالة لإخوانك وأصدقائك حتى يعلموا حجم الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين." تم إرسال الرسالة بالإيميل إلى عدد من الناس الذين لا يعرفونهم وبعد حوالي عام، استلم أحدهم الرسالة ذاتها ولاحظ وجود نصوص حواري تحت تعليقات الصورة تتضمن شتائم واتهامات بين أفراد من السنة والشيعة لا تتعلق بموضوع الرسالة.. ثم قام الشابان باستفسار عبر الإيميل لعدد كبير من المسلمين عن استلامهم للرسالة ليجيب الأغلبية بالإيجاب! إنذهلت وأنا أستمع إلى القصة لاكتشافي أنني أيضاً كنت ممن استقبلت تلك الرسالة فعلاً وأنا في اليمن، بل استلمتها أربع مرات بعدئذ حتى الآن. ما كان المحاضر يريد أن يؤكد عليه هو أن الشابين استغلا تأثير وسائل الاتصال الاجتماعي المؤثرة لإهانة المسلمين في جميع أصقاع الأرض بذكاء، فقاما بذلك العمل وأرسلا رسالتهما بمجرد ضغطة زر واحدة ولم يجهدا نفسيهما كثيراً ولم يدفعا بنساً لذلك، لتصلهم النتيجة بعد وقت قصير بأنهما نجحا لوحدهما في استخدام المسلمين أنفسهم لإهانة أنفسهم!!

ردة الفعل العشوائية هي نتيجة فعل مخطط

المتطرف القس الأمريكي تيري جونز، الذي حاول حرق القرآن الكريم في ميدان مفتوح قبل أكثر من عام تقريباً، نجح بتوظيفه للمسلمين أنفسهم في رفع عدد مشاهدي الفيلم المسيء لنبي السلام عليه وآله الصلاة والسلام، الذي بدأ بثه قبل 4 أشهر ولم يكن أحد يعلم به من قبل، فكان عدد مشاهديه 22 ألفاً فقط ليبلغ 1,345,137 مشاهداً بعد أول يوم من الاحتجاجات العنيفة بفضلنا.

استخدم جونز نفس الطريقة الذكية والمجربة، ليكرر نفس هذه التجربة تماماً ونجح بمفرده في الإثبات للعالم بأن الإسلام والمسلمين يدعون للعنف والإرهاب. لقد افترض في حواراته الإعلامية وفيلمه بأن القرآن الكريم وسيدنا "محمداً" صلى الله عليه وآله وسلم يدعون للإرهاب..إلخ ليعرض الفيلم المسيء على موقع اليوتيوب وغيره في يونيو الماضي. لم يحدث شيء حتى تم ترجمته إلى العربية من قبل 10 أقباط مصريين هناك مؤخراً. هذه الخطوة التطرفية الذكية قابلها متطرفونا بممارسات خالية من الذكاء تماماً بل بالعنف وقتل الأنفس والحرق والتخريب لمباني السفارات الأمريكية في البلاد العربية ليثبتوا للعالم أن كلام جونز صحيح ولينتصر طرح جونز أمام الملأ وبشكل لم يتخيل ذاته أن يتحقق بتلك السرعة، وفوق كل هذا وذاك يحصل الأمريكيون على اعتذار رسمي من قيادات البلدان التي شهدت تلك الممارسات.

رغم سماح القوانين للمواطنين لتنفيذ احتجاجات سلمية مضادة بالإضافة إلى ألف وسيلة أخرى أكثر فعالية وأكثر شرعية، لم نحسن إصدار رد فعل مناسب سوى ارتكاب تلك الممارسات المسيئة واعتبرناها “بطولية وفدائية". لم تستطع الأمة الإسلامية قاطبة صنع فيلم ضخم مثل فيلم "الرسالة" المنفذ في سبعينات القرن الماضي مثلاً، لكننا أيضاً بممارساتنا المسيئة اليوم لم ولن نتمكن من إيقاف عرض الفيلم. والمزيد من العنف والقتل لن يوقف الفيلم المسيء في بلد يؤمن بالحريات المضمونة بالدستور فهم يمكنهم شتم المسيح الذي يعتبرونه رباً دون أن يستطيع أحد منعهم من ذلك. فهل نضمن بممارساتنا هذه وقف أي مواد أخرى لاحقة؟

بتصرفاتنا العنيفة هذه جعلنا لمنفذ الفيلم تيري جونز أهمية وقيمة لا يستحقها ولم يكن يتخيلها. فلقد أصبح نجماً شهيراً يمتلك "قضية شرعية" وتتنازع على استضافته القنوات الإخبارية المتعددة وأصبح طرحه عن علاقة الإسلام بالإرهاب موضوعاً يستحق النقاش في ظل ردود الأفعال العنيفة تلك، وبالتالي أصبحنا نحن المسلمون نخدم هدفهم الأساسي من صنع الفيلم القائم على إهانة المسلمين والإسلام، وجعلنا نشعر بذلك..

ما يضحك ويبكي في ذات الوقت، قيام بعضهم بإرسال صورة تحمل اسم الفيلم وعليها علامة X  كبيرة وتستحلف القاريء بعدم استعراض الفيلم. لقد جعلوني وملايين مثلي مهتمين بشدة لمشاهدة الفيلم وهذا سيجعلنا كمسلمين وملايين ممن تأثروا مثلي، نشعر بالإهانة. وهي الهدف الذي يريد منفذو الفيلم إيصالها إلينا..

لقد كان من نتائج تصرفاتنا أن انقلب الوضع وقدمت دولنا اعتذارها لأمريكا... تصوروا كيف انقلب الوضع!. لن يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل إن بعض الأطراف السياسية سرعان ما ستقوم بتسيـيــس الآراء والدعوات الدينية التي تدعو الناس إلى انتهاج الوسائل السلمية أثناء الاحتجاجات. كما لا يستبعد أن يتم إقحام الاتهامات الموجهة بالعمالة لأمريكا لكل من اعتذر وكل من اعترض على العنف... تخيلوا كيف سيصبح الأمر وتدخل السياسة في هذه القضية! فحتى في حبنا لرسول الله نختلف ونتسيس وووو إلخ.

السند الديني

لم يُبدِ أحد، ومنهم العلماء، الأساس الديني الذي تم الاستناد عليه للإتيان بمثل تلك الممارسات! وما يؤسف أنها جاءت بتحريك سياسي وبغطاء ديني. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم ينتصر لنفسه ولا لدينه بمثل هكذا تصرف. بل كانت الحكمة هي القائدة لردود فعله، وهذه الحكمة هي ما يطلق عليها هؤلاء الشباب المرتكبين لهذه الجريمة اسم "السياسة". الجميع يعبر عن غضبه مما حدث ثم ينسب ذلك إلى اليهود والنصارى وأنهم لا يوقفهم سوى العين الحمراء بالرغم من حادثة مشابهة حدثت أيام النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل أعرابيٌّ المسجدَ ثم جعل يبول فأخذت الصحابة الغيرة فنهوا وصاحوا به؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزرموه) أي لا تقطعوا عليه بوله, فلما قضى الأعرابي بوله، دعا الأعرابيَّ وحاوره بهدوء إن هذه المساجد ولا يصلح فيها شيء من الأذى وإنما هي للصلاة وقراءة القرآن.. فلم يكن أمام هذا الأعرابي إلا أن قال (اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا).

الحلول الفورية الممكنة

منذ حاول جونز إحراق القرآن الكريم، لم يقدِّم المسلمون بإنتاج أي مادة إعلامية أو ترويجية لنشر المعرفة بين الغرب عن حقيقة سيدنا محمد والإسلام. ومنذ ذاك، لم يقـْدِم المسلمون حتى الآن على إيجاد نهاية لعرض الفيلم أو الرسومات سوى ممارساتهم العنيفة قيد النقاش، ألا يعزز ذلك من سيادة التوجه السياسي أكثر من الديني الخالص. توجد مبادرات اتصالية كثيرة يمكن أن تسهم في الحد من جرائم التعدي على الإسلام ونبيه الكريم بحكمة مثل:

1-تجاهلها تماماً فلا تبلغنا ولا تطفو للسطح جميع المنتجات الإعلامية الغربية التي تتناول الهجوم على الإسلام بسبب عامل التجاهل. تذكروا زيادة عدد مشاهدي الفيلم بفضلنا.

2-عدم إعادة إرسال رسائل الإيميل المتعاطفة أو الموهجة للغضب والتي تتناول انتهاكات"النصارى أو الغرب أو اليهود" وتحمل فيديو أو صوراً مسيئة، بل وإلغاؤها من قائمة رسائلنا بهدف الحد من نشر إهانة المسلمين وتفويت الفرصة على أمثال جونز في نشر تخرصاته.

3-المشاركة في الاحتجاجات السلمية الداعية إلى إيقاف مثل تلك الاحتجاجات الداعية للتطرف والإرهاب ولكراهية الدين الإسلامي والإسلام.

4-قيام الدولة أو اتحادات المحامين في كل دولة عربية وإسلامية برفع دعوى قضائية دولية لدى المجلس الدولي لحقوق الإنسان بطلب الإدانة ضد الدولة الأمريكية واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، لاسيما أن التعدي يهاجم عقيدة شديدة الحساسية لدى 1.5 مليار مسلم.

5-تنفيذ أفلام سينمائية ووثائقية تشرح الإسلام ورسالته وشخوصه بطريقة مؤثرة بمثل فيلم "الرسالة" الذي قام به شخص واحد فقط منذ السبعينات.

6-تنفيذ حملات على الانترنت وبكافة وسائله تهدف إلى جمع توقيعات من ملايين المسلمين لطلب شركة Google إيقاف عرض نسختي الفيلم المسيء وأفلام مسيئة بعينها لاستفزازها مشاعر ملايين المسلمين.

7-استخدام مثل تلك الأفلام في ندواتنا وحواراتنا مع الغرب بأنها ومنفذيها المتدينين المتطرفين هم المسببون للإرهاب والكراهية والتطرف ضد الإسلام والمسلمين من أجل كسب عقولهم وقلوبهم معنا.

8-إعادة إرسال مثل هذا المقال لجميع أصدقائك ومعارفك لتوعيتهم بأخطار وسلبيات ونتائج التصرفات المسيئة.

هل فعلا نحب رسول الله؟

لو كنا نحب رسول الله فعلا ما اختلفنا على كل شيء حولنا حتى حول كيفية حبه وطاعته. لو أحببناه لما ضلت حكمتنا عن الإيمان. لو أحببناه لاتبعنا سنته الشريفة في كل حياتنا. لو أحببناه فعلاً لما تقاتلنا فيما بيننا حتى بسبب رأي. لو أحببناه فعلاً لما سادت العنصرية والفئوية والحزبية بيننا وحركت اتجاهاتنا الدينية والدنيوية. لو أحببناه لما جعلنا اسمه نفاقاً يغطي قبح قلوبنا وعقولنا الصدئة التي لا ولم تظهر فعلاً أنها تحبه إلا في أعمال قتل وإرهاب ضد بعضنا البعض قبل أن تكون ضد أعدائنا. لو أحببناه فعلاً لنجحنا في إيقاف الفيلم بسرعة الضوء.. لو أحببناه فعلاً لما صار حالنا الأسوأ في العالم.

Ataqi2003@yahoo.com