الثورة والرئيس هادي
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 30 يوماً
الأربعاء 18 يوليو-تموز 2012 08:26 م

عندما كان الوضع قد اتخذ سمتاً فاسداً تسيطر فيه قلة على كثرة أو أسرة على شعب كانت الحاجة إلى ثورة لا تراعي الحسابات السياسية بقدر ما تندفع لتفرض نفسها على الواقع.. وكانت الثورة بكل اندفاعتها وطفولتها وأحلامها وأحقادها هي ما يحتاجه الوضع؛ أما حينما تصبح الثورة واقعاً والواقع هجيناً من الجديد ومخلفات الماضي، فإن الحاجة الملحة تكون للتصرف السليم والنبيه الذي لا يقع في المطبات والأفخاخ التي يضعها من جاءت الثورة بعكس أحلامهم..

وثورة التغيير في اليمن واجهت هذه التحديات كثيراً، فبينما طالت فترة الثورة كان النظام السابق يكسب يومياً مناعة جديدة ويرمي أوراقه بعناية العمل النظامي الذي يستخدم أدوات الدولة وخبرة السنوات في وجه ثورة شعبية هي في الأساس جهود فردية وأحزاب متواضعة، تستمع بنسب متخلفة للشائعات التي يرمي بها الآخر وتأخذ مداها، ولكن لأن الثورة هي الأقوى والأسمى فإن ما يزرعه المودع لا يصمد بقدر ما يلعب على الوقت ويهدر مقدرات البلاد ويفسد ويسفك الدماء.. وذلك ما حدث ولا زال..

وهكذا طبيعة المنعطفات التاريخية والأحداث الكبيرة؛ تتزاحم القضايا والتطورات وتتعدد جوانبها وعواملها وتتسارع بوتيرة تجعل ما يحدث في اليوم الواحد أحياناً، يساوي ما كان يحدث خلال شهور أو سنوات، بطريقة لا تمكن الناس من قراءة كل جديد بعناية والتعامل معه حسب ما تقتضي المصلحة وبما يخدم الهدف العام.. فلا يدري الناس أين مكمن الإشكال، وأين ما ينفع وما يضر، ويختلف الاثنان على ما لا يجب الاختلاف عليه.. وهنا يأتي دور الرؤى العميقة والتعامل المسؤول الذي ينطلق من الأسس الثابتة الممسكة باللحظة.

والذي استدعى هذه المقدمة، هو أننا نلاحظ الكثير من القضايا والمواقف التي يندفع إليها الناس تحت دوافع الحيرة والثورة والقلق... دون سقف يبين الحد الفاصل بين ما يفيد، وبين ما قد تستثمره شظايا النظام السابق والمشاريع الصغيرة لإرباك الركب اليمني الثائر في اللحظة التاريخية الحرجة، ومن ذلك ما يطرأ من قضايا متعلقة بأولويات الثورة وما الذي قطعته هذه الثورة في مسيرتها ويجب ألا تخسره.. كصعود رئيس جديد قدم من إحدى قرى محافظة أبين ليصبح هو المسؤول الأول عن هذه البلاد، وفي ظروف ملغومة على حد السكين يتم فيها نزع السلطة من نظام كان بيده كل شيء، وفي عاصمة ملغومة على مدى التاريخ..

ومن هنا فإن الرئيس عبدربه منصور هادي هو فدائي سيتصرف كأي يمني يصيب ويخطئ حاملاً على عاتقه الحفاظ على وطن مكتظ بالأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية على طول البلاد وعرضها.. ومهمته الرئيسية العبور بالسفينة اليمنية إلى أقرب شاطئ أمان بأقل الخسائر، في حين أن هناك قوى تعمل على هدم السفينة بكل ما أوتيت من إعلام ومال وسلاح.. ومهمة هادي التعامل الحذر معها.

ومصدر قوة الرئيس هادي ومن معه، هو نحن؛ مجموع ما يستطيع فعل شيء من هذا الشعب بثواره وقواه الوطنية التي فرضت التغيير، وكلما كان الشعب قوياً وواعياً بتطورات الأوضاع كلما كان الرئيس قادراً على اتخاذ الموقف المرجو والمناسب ، وكلما كانت القوى الوطنية بمختلف مشاربها في خط واحد، كلما استطاع الرئيس التقدم.. وترجح الكفة الداخلية الكفة الخارجية.. وهذا ما لا يحدث بطبيعة الظرف المنقسم والحائر بحثاً عن الأسباب السريعة.. وحالة اهتزاز الثقة بين القيادات والقواعد، وانصراف بعض الاهتمامات من تحقيق الهدف إلى البحث عن المكاسب والتموقع في العهد الجديد وقياس اليوم بأدوات ومقاييس يفترض أنها منتهية الصلاحية.

بين ذلك كله تخطىء الحسابات ويخطىء الحزب أو هذا الطرف الثائر أو ذاك، بالقدر الذي يعتبره آخرون خطأً.. لكن النقطة الأهم في هذا، هي المسؤول الأول وهو الرئيس الذي من الواجب أن ينجح بقوة الشعب ودعم القوى الوطنية، وإن بدا أنه أخطأ أو خيب أمال أطراف معينة، فهو من ناحية يرى في الصورة ما لا يراه آخرون.. ومن ناحية أخرى، يجب أن لا يؤدي التذمر من خطوة اتخذها أو من دائرة ضيقة حوله إلى انتقاده إلا بالقدر الذي يساعده في اتخاذ القرار السليم، لا بما يؤدي إلى إحباطه وخدمة الأطراف المعادية للوطن والمشاريع الصغيرة التي تريد تفتيت البلاد..

الرئيس هادي جاءت به الثورة، والطرف الذي يسعى لإفشاله هو الطرف الذي يريد إثبات أن اليمن بدونه سيصبح خراباً، أو ممن صعدوا على عاتق الضعف.. أي إن نجاح الرئيس هو بنجاح الثورة، بالإضافة إلى مواقفه الوطنية تجاه الوحدة الوطنية ومسؤوليته التاريخية، الأمر الذي يجعل نجاحه مهمة الثوار، وعلى الشرفاء أن يضعوا حداً لأي خلاف ويتذكروا أولاً وأخيراً أن الرئيس هادي وبحكم الواقع الجديد، لا يمكن العودة إلى الوراء وإعادة الاستبداد الفردي ولا يجوز بأي حال من الأحوال مقارنته بمن ثار عليه الشعب، لأن لا مجال للمقارنة، ولأنه حينما توجد بصمات العهد الماضي، فإنها ليست من رحم اليمن الجديد بقدر ما هي امتداد الماضي وآثاره التي تحتاج إلى وقت..

وشخصياً، إذا تفاوت الناس وانقسموا بين مناصب وأحزاب ورؤى وفيدرالية وحوار فإن الرأي الذي سأسانده، كثائر يعتبر الثورة ونجاحها مسألة مصير، ومواطن يرى الوطن بعين واحدة بعيداً عن أي انتماء حزبي أو جهوي أو فئوي، هو رأي الرئيس عبدربه منصور هادي، مهما كنت متيقناً أنه أخطأ في هذه الخطوة أو تلك، .. فالمسألة مصلحة وطنية عليا، وهو الرجل الوطني الذي يدرك مصالح الوطن العليا ويشدد في اللحظات الدقيقة والحساسة على أنه يجب تحمل المسؤولية باقتدار مطلق وتغليب هذه المصلحة دون النظر إلى شمال أو جنوب أو شرق أو غرب.. وهو في ذلك يسانده أكثر الناس وإن تأثر بعضهم بالخطاب الإعلامي المسموم والشعارات المزيفة لبعض الوقت.

هذا الأمر يجب أن نتمثله في كل وقت، وبعد قرار الحوار أو التغييرات الأمنية أو غيرها.. وهو أن إنجاح الرئيس الذي جاء بضغط الشعب في أوضاع بالغة الخطورة، مهمة ثورية وجميع الأخطاء المزعومة يجب لا أن تفسد الجوانب الإيجابية فنخسر الكل في سبيل الحصول على جزء.. وأي نقد أو غضب، يجب أن لا ينتقص من الرئيس هادي أو يضعه في خانة التقليل منه ومن قدراته، أو الربط بالماضي، بل بما يدعم قدرته وقوته لاتخاذ القرار السليم وتشكيل ضغط شعبي ووطني يقوي جانبه في المضي باليمن إلى الأمام.