مزاعم الحوار الوطني و حوار الساحات .. ’’دعوةٌ للجنون ’’
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 24 يوماً
الإثنين 23 إبريل-نيسان 2012 07:55 م

إن الدعوه التي وجهتها حكومة الوفاق الى شباب الساحات للحوار الجاد من اجل إخلاء الساحات و الخروج باليمن من الأزمة السياسية المتفاقمة وإغلاق ملف الثورة اليمنية رسميا تعتبر ضربا من الجنون السياسي , و انتهاكا صارخا للحرية والتعبير والحقوق الشعبية بالتظاهر والتجمعات والمطالبه بالتغيير , فحتى اللحظه الراهنة لم تبرهن الحكومة التوافقية الجدّية الواقعية والمطلقة في انتشال الفساد وإحلال الأمن والاستقرار ومعالجة أكثر الملفات الوطنية العالقة من إعادة هيكلة الجيش وغيرها من مسميات التنازلات الثورية والوطنية المفرطة , التي أنجبتها المبادرة الخليجية , هناك التفاف واضح وصريح على القيم الثورية والشعبية , فالتحركات الدولية الأخيرة وزيارة جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى صنعاء المتزامنة مع اعلان دول مجلس التعاون الخليجي انتهاء مراحل التوافق السياسي في اليمن وخلو مسئوليتها الكاملة من تباعات اي انتهاكات مستقبلية لعدم تطبيق نصوص المبادرة الخليجية , والتزامن الفاضح مع التسويات السياسية والعسكرية التفاوضية التي تقام في الخفاء بين أقطاب الأسرة الحاكمة وفلول النظام السابق من جهه وبين أحزاب اللقاء المشترك من جهه اخرى , توضح حقيقة أن ورآء الاكمّة ما وراءها من التحايل والتآمر, وان هناك مؤامرة خفية لإجهاض الثورة بل وانهاء الحلم الثوري وتطهير الساحات كلياً.

وما اتّسم من ردود الفعل المنعكسة من قبل شباب الساحات , فالدعوة السياسية الكريمة للحوار لم تتجه صوب جميع الأطياف الثورية , ولم تشمل جميع القوى المستقلة والثورية الفاعلة , ولم تضم معارضة وشباب الخارج , بل كانت محدودة و موجهة الى فريق بحد ذاته وهو اللجنة التنظيمية لشباب الساحات , التي تعتبر الوجه الأخر لحكومة الوفاق وأحزاب اللقاء المشترك في الساحات , و تقوم بتنيفذ الأجندة الحزبية بحذافيرها في الساحات دون تردد , وكانت وعلى مدى عام من الثورة الاداة الحزبية الفعّالة لوأد الثورة وترجمة افكار وتطلعات الاحزاب وتحريك العمل الثوري حسب رغبة القيادات الحزبية وتوجيهها لخدمة التقلبات السياسية فمن التصعيد تارة الى الفتور الثوري تارة اخرى حسب المتطلبات السياسية الراهنة التي تعود بالنفع على الاحزاب وقياداتها التي ركبت الموجة الثورية وظفرت بالأهداف التي سعت اليها , التي لم تحصل عليها منذ عقود مضت حققتها خلال عام واحد فقط بفضل الثورة الشبابية .

لن نتعمق هنا عن دور اللجان التنظيمية الحزبية في الإخفاق الثوري و الجمود والشلل الذي أصاب الثورة على مدى عام من الكفاح والتضحيات , ولكن ما يهمنا هنا سبر اغوار و جس نبض خفايا الدعوة الرسمية والتوقيت الزمنى والهدف منها , هذا ما يجرنا فورا للعودة الى نصوص المبادرة الخليجية التي نصت ألياتها التنفيذية بكل شفافية و وضوح بتعهد أحزاب اللقاء المشترك واطراف الأزمة السياسية اليمنية بإخلاء الساحات وكافة المظاهر السلمية والمسلحة وعودة الحياة الى طبيعتها في اليمن , إذن اللبنة الاساسية للحوار خليجية المنشأ دولية الهوى , ونابعه من قناعات خليجية - سعودية بلفلفة الملف اليمني في اسرع وقت ممكن واغلاقه تماما تجنبا للتصعيد والإثارة , وكما جرت العادة كانت ردة الفعل الحزبية للجنة التنظيمية في الساحات بالرفض القاطع كما رفضت مرارا دعوات الانتخابات ثم سلمت لها دون شروط ورفضت المبادرة الخليجية وبعدها سلمت بها مؤخرا.

إستراتيجة الرفض والممانعة المتبنّاة التي تلعبها اللجان التنظيمية في الساحات أشبه بجس النبض الثوري لدى الشباب في حال إقرار هكذا قرارات وتنازلات طاغية , فالتسلسل والتنازل في هرم المطالب بالتدريج اهون بكثير من الرضوخ لها دفعه واحدة , وفي نهاية المطاف ستصل الأحزاب الى تحقيق الغايات التي سعت اليها دون تضحيات وبأقل التكاليف الممكنة , وبمباركة ثورية خالصة , ولاثبات الرفض القاطع تم إعداد ’’مصفوفة تهيئة ’’ و شروط تعجيزية طويلة جدا فاقت نصوص المبادرة الخليجية نفسها , وتلك الشروط هي ذاتها الاهداف الثورية والمطالب الشعبية التي لو تحققت حينها لسقط النظام كليا وتحققت العدالة الثورية , ولما تمّت الحاجة للدعوة الى الحوار مجددا , وستستمر مسرحية الشروط التعيجيزية قائمة حتى يتم امتصاص الغضب الشعبي وتدرج المطالب للوصول الى اسفل الهرم و الغرق في مستنقع ووحل التآمر , وعليه حسب ردة الفعل الثورية سيكون قرار اللجنه وقيادة الساحات بالحوار من عدمة , و البحث عن استراتيجية بديلة في التعامل مع الرفض الشبابي المطلق , إن توجه حكومة الوفاق الوطني الى الساحات والحوار دليل قاطع على صفقات تدار في الخفاء وتسويات خفية و تفاوضية بين اقطاب النظام الحاكم , مقابل –ربما- اعادة هيكلة الجيش او توزيع الأدوار والمناصب والتدوير الوظيفي الذي في حقيقة الأمر انما هو مجرد تدوير الفساد والرشوة والإجرام , وعليه فإن أساسيات الحوار التي تدعو إليها الأحزاب لاغية نظرا لعدة اسباب.

1- لأنها افتقدت الشرعية القانونية والدستورية من نظام غير شرعي قائم على اساس نظام سابق تم دمجه في باكورة منظومة تكاملية واحدة , فالنظام هنا يحاور نفسه في الساحات لا غير.

2- لم تتحقق الأهداف الثورية والمطالب الشرعية بأقل النسب التغييرية حتى يتم الدعوة الى الحوار واخلاء الساحات.

3- لم تتم محاكمة القتلة والمجرمين الملطخة أيديهم بدمآء الشهدآء حتى يتم الدعوة الى حوار توافقي وطني , وطي صفحة الماضي دون أساسيات قانونية او عدالية بحتة وملزمة .

4-عدم وجود الضمانات الكافية للحوار الوطني ضمن إطار حوار الساحات وعدم وجود الأليات المقنعة بالحوار , فكيف يتم محاورة رموز الفساد والقتل والاجرام ونضع أيدينا في أيديهم ونعترف بشرعيتهم , وهم ضمن حكومة الوفاق الوطني , فكيف يحاور الضحية القاتل بالتنازل عن حقه , وكيف نطالب المتهم بالعدالة والقضاء.

5-الدعوة لم تشمل جميع المكونات الثورية الشبابية المستقلة والحزبية المعارضة للمبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية , فكيف يتم الدعوة الى حوار وطني شامل وإخلاء الساحات من الشباب , والدعوة موجهه اصلا للقيادات الحزبية في الساحات , التي هي امتداد فعلي وعملي لأحزاب اللقاء المشترك , فهؤلاء ليسوا بحاجة لدعوة لإخلاء الساحات او الحوار , لأنهم قلبا وقالبا مع الحكومة وقرارات الاحزاب ومع النظام الجديد كاملا .

6-التظاهر حق قانوني مشروع ومكفول لكل مواطن حسب الدستور اليمني ولا توجد قوانين تمنعه او تحدده بفترات زمنية فعلية أساس الدعوة باطل قانونيا فكيف يتم الحوار على حق دستوري وشرعي والتنازل عنه.

وعليه ذهبت اكثر القوى الثورية فاعلية الى تشكيل جبهات انقاذية وتكتلات ثورية مستقلة بعيدة عن التأثيرات الحزبية وسحرها القوي على الشباب في الساحات , وانتشرت تباعا التوعية الفكرية والشبابية بين مختلف الأطياف وتحركت القوى الثورية نحو اهداف محققة وحتمية في ظل الاحباط العام والانهزام الثوري الحاصل نتيجة التلاعب السياسي مع مبادئ الثورة والمتاجرة بها في أسواق السياسة و خلف الكواليس , ربما لم تصحو حكومة الوفاق الوطني بعد من الصدمة السياسية المزدوجة بعدم الهيكلة المزعومة , وعدم القدرة على اعادة التوازن السياسي في اليمن لتنصدم بجبروت التعنت الثوري والشبابي في الساحات , فالحوار على الإرادات يكاد يكون ضربا من الخيال والمحال , قد تكون هذه الأحزاب قادرة فعليا على التلاعب السياسي بالمصير والأهداف , والالتفاف على المبادئ والثوابت وأدبيات الثورة لتحقيق مكاسب سياسية , ولكنها لن تكون قادرة ابدا على توجية القدرات الشبابية الحرة والمستقلة حسب توجهاتها الضيقة واطماعها الآنية القليلة , فشباب اليوم ليسوا كشباب الأمس , أصبح أكثر تسلحا بالعلم والمعرفه والفكر , وقادرا على حفظ التوازن الشعبي وتوضيح الحقائق والقراءة والتحليل والإستنتاج , هنا الثورة وليست محفلا سياسيا او مؤتمرا صحفيا حتى يتم التحاور مع اطرافة و المقايضه بالأهداف والتنازلات , فمن متى كانت الثورات و إرادات الشعوب هدفا للتفاوض والاستثمار السياسي.

 قد تكون حكومة الوفاق نجحت نجاحا نسبيا في حصد مناصب ومراكز سياسية معينة , حتى وان كانت غير قادرة على الحكم واثبات القدرة في تسيير الامور , وتحييد الدور العائلي للرئيس السابق , ولكنها فشلت ثوريا في كسب قلوب الشباب والضمائر الوطنية الحية , وفي حشد الجموع والالتفاف حول حكومة الوفاق وترجمة هذا التلاحم الى فعل ثوري وشعبي مباشر , فالتعامل هنا مع الساحات والشوارع ليس كالتعامل مع القصور الرئاسية والمقار الحكومية , هنا صوت الشعب والحرية والكرامة ولا وصي عليه أو قائد او حاكم يفرض رأية, ولا تقيده إملاءات خارجية او مبادرات او انتخابات , الشعب ينقاد فقط لآماله و احلامه بالتغيير و تحقيق العدالة الإلهية بالحرية و المواطنة المتساوية , وعليه ستظل هذه المعادلة الصعبة الحل شوكة قوية في حلق النظام الحالي , ستستمر الثورة مادام النظام لم يسقط كليا , وحتى بناء الدولة اليمنية الحديثة , وستستمر حتى يتم القصاص لأهالي الشهدآء والجرحى , وحتى تتحقق جميع اهدافها الثورية , وإن طالت مع الوقت وكلفت مسيرتها المتعثرة الكثير من الضحايا والإحباط ولكنها ستحقق غاياتها مع المدى الطويل.

التآمر الدولي والجوار معا على الثورة الشعبية ودفنها في مقابر الحوار السياسي لن يجدي نفعا مع إنتفاء عدم سقوط النظام كليا , فلا يستقيم الظل والعود اعوج , فالأساسيات العملية والأرضية التي قامت عليها حكومة الوفاق الوطنية هشة وضعيفة واقل ما يقال عنها انها تآمرية بحتة , فكيف تنتج حوارا عقيما مع ساحات ثورية مشتعلة خرجت لإسقاط النظام كليا , رافضة للنتائج الكارثية التي انتجتها المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية , التي قادت الوطن الى مزيدا من المعمعة الثورية والانهيار والتمزق الوطني , ان الجهل السياسي في التعامل مع المطالب الشعبية المشروعة قاد الى هذه الصورة المأساوية والواقع المرير من التخبط السياسي في عدم النظر الى قضايا الشعب كقضايا وطنية حاسمة غير قابلة للتفاوض والحوار والتنازل , فالشعب عرف طريقه ولن يعود الى المنازل الا وقد تحققت جميع المطالب الثورية بالتغيير , إن إقحام الثورة الشبابية في معمعة الازمة السياسية الحاصلة , وتصويرها كأنها أزمة سياسية خانقة , تضاف الى القائمة السوداء لإخفاقات حكومة الوفاق المتكررة , وتعتبر بمثابة فشلا سياسيا ذريعا للاخفاق الوطني الحاصل من عدم حسم الامور والتخبط في جميع الاتجاهات السياسيه , فمن الفشل في إعادة هيكلة الجيش الى فشل في تثبيت الامن والاستقرارا ومؤخرا الفشل في حسم امر النظام في المناطق الملتهبة والحرب مع القاعدة , ساق حكومة الوفاق دون شعور الى الوهم المفرط و الاتجاه الى المصب والمنبع الثوري الهائل لقوى التغيير وصمّام أمان الوطن والضامن الوحيد لتحقيق العدالة الثورية ومطالبتها بالحوار واغلاق الملف الثوري كلياً , والذي معه لن تجني سوى المزيد من الفشل والاحتضار السياسي.