ثورة السياسي وعورة المثقف
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 30 يوماً
السبت 17 مارس - آذار 2012 07:09 م

لطالما ظل سؤالٌ عميق ٌغائراً في ذهن الكثيرين، لماذا استحقت كرمان اليافعة البطولة وقادة أدبائنا المتمرسين البطالة!

مع مراوحة الثورة السورية مكانها بعد تقدم أخواتها العربية، وجد المفكر والاعلامي الشيعي غسان بن جدو الوقت ملائماً لانتقاد ثورات الربيع العربي بسبب أنه لم يمسك بقيادها نخبةُ المثقفين ونجوم الفلسفة مثلما ثورات أوروبا القديمة، وأغفل بن جدو وهو اللامع في التحليل السياسي حقيقة أن شبابنا العربي لا يرنون الى اعتناق فكر عالمي جديد تماماً مثل شيوعية البلاشفة وعلمانية الفرنس، وإنما إلى حريتهم وكرامة العيش مثل عشرات الملايين في العالم حتى النامي منها مثل ثورة رومانيا واندونيسيا والفلبين بالرغم من مساندة، وليس قيادة، مثقفيها لثوراتهم. أما في الحالة اليمنية، فلم تشهد منابر ثورتها صدىً ولا حبراً للنخبة المثقفة العليا، ليخطف منهم الساسةُ وحدهم في لمح البصر زمام تلك المكانة، وبالتالي يتمتعوا بتخليد التاريخ لمواقفهم، ولتغدو أغراض السياسة ثابتة ومبادئ الثقافة متقلبة.. على غير العادة.

فالأصل، يتميز موقف المثقف عن السياسي بثباته النسبي الذي يعمل على استمرار الإنتاج المعرفي المنطقي بينما يكون موقف السياسي متغيراً حسب مصلحة حزب أو فئة، ويرتهن بتقلب مواقفه باتجاه توازن القوى الذي تحدده معطيات اللحظة التاريخية. كما أن تغيير الثقافة الاجتماعية للعامة يتطلب فعلاً معلوماتياً وسلوكياً وزمناً أطول طالما ظلت نخبتنا المثقفة تعمل لأجلها طوال عقود الظلام السابقة، لكنها ما انفكت تنكفيء على نفسها فارَّة من ساحة اللحظة الحاسمة والفرصة الذهبية التي كان أساسها سلمياً وحضارياً تنسجم مع رؤية هذه النخبة. وعلى العكس من ذلك، اقتنص نجوم السياسة فرصة صناعة التحول المطلوب منذ أمد بعيد، عبر مواقف ثابتة وقالب وطني لم يدم زمن صناعتها سوى أقل من عام، وهم من كانوا ينشطون أثناء المواسم أو الانتخابات غالباً. 

وبين هذا وذاك، نشطت بقوة فئة المثقفين السياسيين وهم من استخدم سلاح المثقفين لدعم الموقف السياسي وهم كثيرون أمثال عبدالباري طاهر ونصر طه مصطفى و د. عمر عبدالعزيز وحسن عبدالوارث... الخ. كما بزغت نجوم جديدة تغذي ثقافة التغيير الفوري عن طريق المساهمات السياسية والثقافية والابداعية لعشرات من الشباب الذين وجدوا في الصحف ومنصات التغيير صهوةً اعتلوا ظهرها ليشهروا من عليها مقالاتهم وقصائدهم وأناشيدهم ورسومهم وحتى الدراما، حتى ليستغرب المرء أن اليمن كانت تحتضن مواهب عظيمة مدفونة كهذه.

استحق الساسة البطولة بالرغم من اختلاف الايديولوجيا أو الاتجاه بينهم حتى داخل الحزب الواحد، واختار المثقفون، في الوقت الخطأ، التهادي على البلاط الناعم للنظام، بالرغم من وحدتهم الايديولوجية وسلامتهم من الصراعات على مستوى الأفكار وخلو الحلبة من منافس ضد قوتهم الشعبية ومثاليتهم الشائعة واحترامهم المجمع عليه من الجمهور. فهم من كانوا يرون أنهم كانوا يوظفون المنهج العلمي وتطبيقاته العملية من أجل تفسير الواقع الحي وتحليله بعيداً عن أي أجندة مسبقة أو عوامل ذاتية متحيزة. وتقترن وظيفتهم بالارتهان الكامل بالبعد الاجتماعي والتطلع نحو مجتمع العدالة والمساواة والفرص، لكنهم أضاعوا كل ذلك خلال أشهر فقط! وتبددت الصورة وانكشف زيف تفردهم بالشعارات الوطنية والاجتماعية، بل أدمن غالبيتهم العيش في غربة وعزلة للهروب من واجبهم للتعبير عن مشاعر المجتمع وحاجاته ومناصرة مستلزمات تغييره. وما زاد الطين بله أنهم بدأوا اليوم عصر التحول بالكتابة لثورات العرب دون مجتمعهم لخجلهم من ترك مجتمعهم وحده فريسةً لوحشية أنظمة القهر والفساد، وليبدأ دورهم الجديد بالتبشير بدورهم في قيادة حقوق الناس وحرياتهم ولو بعد تكشف الأقنعة والعورات.

واستحق المثقفون البطالة بعيداً عن عقول وقلوب جمهورهم لغلبة السلطة الأمية على عقولهم الذكية في لمحة عين، فالسلطة التي أهملتهم طوال عقودها البائدة طالما إهتمّت بمغازلة ساسة المعارضة، وجعلت المثقفين في فرصةٍ ذهبيةٍ ما يخشون من إحتمال فقدانهم منصب ثقافي ما يتبع البلاط أو يرأس اتحاد مثلاً بالرغم أنها مناصب لا ينافسهم عليها أحد بمثل وزنهم الثقافي والشعبي. فهؤلاء فشلوا في تحمل مشروع تنموي توعوي وطني يتطلع بالاستقلال عن الأفعال السياسية وقيادة جمهورهم لتنوير المجتمع نحو التحرر والتطور عندما أخضعوا وظيفتهم الإنسانية للغرض السياسي الشخصي وإن من موقع المتغيب وقت الضرورة، ليتحولوا ضمن الأغلبية الصامتة. وليتحولوا نحو اجهاض الثقافة النقدية وإضاعة فرصة ثمينة لتنمية الفعل المعرفي، ولتسقط عنهم ورقة التوت التي تغطي عورتهم ذات الطبيعة الانتقائية الساعية الى حماية مكتسباتهم الضئيلة.

Ataqi2003@yahoo.com