توكل كرمان أو بلقيس اليمن
بقلم/ محمد الشحري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 04 يناير-كانون الثاني 2012 05:48 م

وقفت الشابة اليمنية توكل كرمان الفائزة بجائزة نوبل للسلام في أوسلو بكل شموخ اليمن السعيد وبكل تاريخ الحضارات المتعاقبة في سبأ ومأرب وذمار وحمير، وكأنها تخاطب العالم مثلما قال الهدهد في سورة النمل "إني جئتك من سبأ بنبأ يقين".

اختزلت توكل في كلمتها نضال الإنسان العربي ضد الاستبداد والطغيان، ونضال المرأة في العالم الثالث، والحقيقة أن فوز توكل كرمان بهذه الجائزة يحمل إلى المجتمع الدولي عدة رسائل هامة ومهمة، أولها أن المرأة العربية ليست كما يصفها الإعلام الغربي امرأة سلبية واقعة تحت السلطة الذكورية ولا تقوم بأي دور سياسي أو اجتماعي، إذ أثبتت توكل كرمان أن المرأة في المجتمع العربي والإسلامي يمكنها أن تؤدي أدوارا مهمة في محيطها الاجتماعي والسياسي حتى في تلك المجتمعات التي لا تحظى بقدر كبير من التعليم، وأن المرأة العربية لا تنقصها المبادرة ولا الجراءة في اقتحام مجالات يظن البعض أنها حكرا على الذكور.

لقد أشادت توكل في كلمتها بالشعب اليمني العظيم الذي برهن للعالم أجمع حكمته وضبط نفسه وقدرته على تحمل أقذع أساليب العنف والتعذيب، كما أثبت للمراقبين وللسياسيين والمهتمين بالشأن اليمني ادعاءات عبد الله صالح التي روجها خلال حكمه عن الشعب اليمني وتخويف المنطقة من الخزان البشري اليمني ومن توفر السلاح بيده، فقد كان علي صالح يقنع السياسيين في الخليج على وجه الخصوص بأن الشعب اليمني مسلح وهمجي ويمكن أن يجتاح منابع النفط في الخليج ويمكن أن يؤثر سلبا على الأنشطة الاقتصادية والسياحية في دبي وأبو ظبي والدوحة، وقد سمح للأمريكان بقصف مواقع داخل التراب اليمني، حتى يضيق الخناق على معارضيه في الداخل بحجة أنهم من أتباع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، التنظيم الذي يؤكد الكثير من الخبراء الأمنيين بأنه تنظيم وهمي على الانترنت تتلاعب به أطراف دولية من أجل السيطرة والتدخل في شؤون الدول.

ولكن الشعب اليمني أثبت للجميع أنه شعب أصيل كأصالة اليمن، وواعي بما يدور حوله، فلم ينجر إلى الفخ الذي كان نظام صالح قد نصبه له، ولم يستخدم السلاح المتوفر لديه بكثرة ضد أبناء جلدتهم الذين خيروا الوقوف مع النظام الفاشي ضد توق اليمنيين الأحرار إلى نيل كرامتهم، والذين يستقبلون الرصاص بصدور عارية، الصدور التي لم تعد قادرة على كتم غيضها ولم تعد تقبل أن تعيش تحت أحذية العسكر.

إن الشعب اليمني الذي أنجب نساء مناضلات مثل توكل كرمان، قد آمن بنضال سلمي ضد نظام صالح الذي رحل عن كرسي الحكم ولم يرحل عن كواليس السياسة في اليمن، قد خرج إلى الساحات بنفوس طالبة للحرية ومتعطشة للعيش بكرامة يكفل لها ولأبنائها التمتع بخيرات بلدها والعمل لأجل اليمن بعيدا عن الحسابات الضيقة والمصالحة الفئوية مؤمنة بقدرتها على تحمل المسؤولية الوطنية أمام الله والوطن وأرواح الشهداء.

أؤكد وأقول أن الشعب اليمني حينما ينال حريته فإنه سيبدع في تطوير اليمن والخروج بها من أوضاعها الحالية إلى مكانة أفضل تليق بالشعب اليمني السعيد، سليل الأمجاد ووارث العروش وباني الحضارات، وناشر الإسلام في جنوب شرق آسيا، ولا أقول هذا الكلام من باب العاطفة ولا يدخل ضمن حديث المدح والإطراء، بل هو الواقع كما نراه، إذ أن العنصر البشري هو الأساس لنهضة الأمم وتقدم الشعوب، ولا أظن أن اليمن السعيد خاليا من الطاقات البشرية والكوادر التي تستطيع أن تتقدم ببلدها، فلا يعقل أن يبدع اليمني خارج بلده ويخفق في الداخل، فقد رأينا الكثير من النجاحات اليمنية في الخارج وهذا ما بنينا عليه أفكارنا، أضف إلى ذلك الموقع الجغرافي الذي منح اليمن مكانة متميزة في التجارة العالمية.

آخر القول لم يزعجني شيئا وأنا أتابع كلمة توكل التي بثتها العديد من القنوات الفضائية إلا كلمة أوسلو الموجودة في أعلى شاشة التلفاز، حيث تذكرني هذه الكلمة بالاتفاقية المشئومة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وهي اتفاقية استسلامية أدخلت القضية الفلسطينية في ثلاجة المفاوضات والمماطلات التي يجيدها أبناء صهيون.

* كاتب من عُمان.