الثورة في محافظة "إب" .. براءة اختراع واكتشاف تسبق بها نظيراتها !
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و أسبوع و 5 أيام
الخميس 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 05:39 م

إن دستورنا القرآني كما وصفه الله من أنه(لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وفيما يخص الحوادث أذكر هنا - من باب الاستشهاد والتمثيل فيما يخص موضوع المقال؛ قول الله - عز وجل: (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً). إن الأية الكريمة هنا تتحدث عن طائفة من الناس في سياق الجهاد في سبيل الله؛ طائفة كانت قلوبها معلقة بالجهاد ومتشوقة جدا إلى مشاركة إخوانها في جهادهم وفي والفتوحات الإسلامية التي كانت أكبر غاياتها توفير أكبر مساحة من الحرية للبشرية حتى يستطيع الناس أن يختاروا عقائدهم بحرية ودونما ثمة فتنة أو إكراه؛ بيد أنه قد حبس مثل تلكم الطائفة من البشر والمتشوقة نفوسهم للجهاد والسعي وراء فك القيود من على المستضعفين في الأرض حتى يتنفسوا مع البشرية جمعاء نسيم الحرية؛ بيد أن الذي حبسهم عن تلكم المشاركة الجهادية في البحث عن الحرية؛ حابس الفيل؛ ألا وهو الفقر؛ (لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ). 

وكما هو معلوم بأن العيون هي رسل القل و ب؛ والآية القرآنية قد رسمت لنا صورة مبدعة مجسمة ما يجيش في قلوب تلكم الطائفة من البشر؛ فهي لما رسمت أو تحدثت عن فيض من ال دم و ع في العيون؛ إنما هي بذلك الفيض أو الإخبار عنه تعكس؛ أو تصور فيضا من المشاعر الجياشة غير المشاهدة ولا الملموسة؛ فهناك حب وتشوق كبيران للجهاد (فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً)؛ إذا هناك فيضا من التطلع والشوق إلى المشاركة والجهاد رسمته لنا الآية الكريمة السابقة ؛ عكسه ذلك الفيض من الدموع، حال بينه وبين ما يشتهيه من الجهاد؛ قلة الزاد والمؤنة "الفقر " .

وتلكم الحادثة التي سطرها لنا القرآن الكريم منذ قرون؛ هي نفسها تتكرر الساعة في ال تاريخ المعاصر؛ كشف عنه ربيع الثورات العربي ، في اليمن في محافظة "إب" تحديدا؛ فما أشبه الليلة بالبارحة؛ فها هي الحوادث أو الوقائع تعيد نفسها؛ لتكشف عن طائفة من البشر أو نوع يزيد سواد الثوار والثورة بفيض من الدموع وفيض من الحزن وفيض من البكاء وفيض من الدعاء؛ لأنه كان يود المشاركة في المسيرات والفعاليات المختلفة ولم يتسطع ها ؛ حال الفقر/علي صالح "سيان" دونه ودون ها ؛ فالفقر في يمننا الحبيب هو متمثل في صورة علي صالح؛ وهو ؛ أي علي صالح / الفقر؛ الذي منع تلك الطائفة ؛ كبيرة العدد أو حال دونها ودون المشاركة في أفضل الجهاد و في أنصع وأمضى صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التاريخ المعاصر ؛(فعاليات الثورة المباركة في اليمن).

ومن هنا تأكد لنا زيف وكذب علي صالح وقواه النافذة عن ما كان يسميه (الأغلبية الصامتة) ؛ حيث كانت تتحدث عنها تلك القوى النافذة ورئيسها ، وفي حقيقة الأمر - ومرارته في الوقت ذاته ؛ لا يوجد ما يسمى ( أغلبية صامتة كما كنا نتوهم أو كما كان يخيل إلينا ؛ بل الذي كان يوجد في حقيقة الأمر ه و (أغلبية فقيرة) أو حزينة؛ حال الفقر/صالح دونها ودون التوق إلى مشاركة إخوانها الثوار في ساحات وميادين الحرية؛ ولعل الفضل في ذلكم الكشف يرجع إلى الثورة في محافظة "إب"؛ إذ رفعت الغشاوة عن أعيننا و عن أعين الكثير من الناس في الداخل والخارج وعرت للجميع مثل تلكم أكذوبة كان يتحدث عنها ( اللانظام اليمني ) ؛ حتى جاءت ثورة "إب"؛ لتسجل لنفسها براءة اختراع واكتشاف في آن معا؛ عندما قامت بإنشاء ساحتين جديدتين لصلاة الجمعة؛ و اكتشاف من خلال ذلك (أ غلبية فقيرة ) لا صامتة أو محايدة أو تحب صالح وتصف إلى جانبه كما كان يروج؛ إذا هي أغلبية فقيرة/حزينة؛ حبسها الفقر؛ هذه هي حقيقة أمر أولئكم الصوامت أو الصامتين ؛ كشفت عنهم ثورة إب عندما شرعت باتخاذ خطوة إجرائية؛ هي جدا مهمة حيث افتتحت - على سبيل التوسع - ساحتين جديدتين للحرية وإقامة صلاة الجمعة في مدينة يريم المجاورة لمحافظة ذمار، وفي مدينة القاعدة المجاورة لمحافظة تعز؛ فإذا بتلكما ساحتين نضاختين بالناس أو فياضتين؛ تعكسان في الوقت نفسه ذلكم الفيض من الدموع والفيض من الشوق الذي حبسه الفقر وحال دونه ودون المشاركة في فعاليات الثورة ؛ فقد رأينا ذلكم الفيض معاينة ؛ في مشاركة عشرات الآلاف في كل من تكلما الساحتين كل على حدة ، ما كان المشاركون فيهما يستطيعون حمل أنفسهم إلى الدائري في مركز المحافظ؛ بدليل أن الأعداد لتي رأيناه في تلكما الساحتين ؛ لم تؤثر على ال زخم المليوني في الدائري؛ بمعنى آخر : إ ن أعداد قليلة من القاعدة ويريم هي التي كانت تأتي إلى الدائري في إب مركز المحافظة .

وبناء عليه فإن بقية المدن اليمنية لو قامت بمثل ذلك أجراء وطبقت الفكرة نفسها ؛ لما بقي هناك ثمة صوامت - استغفر الله - ثمة فقراء قابعين في البيوت؛ ولما بقي ثمة بكائين من الحزن؛ ولخرج كل اليمنيين رغبة في المشاركة والجهاد في سبيل القضاء على بقية العصابة واستئصالها من يمن الإيمان والحكمة؛ وحتى تستأصل م عها حكم ا أشد كهنوتية وأشد استعبادا وأشد إفقارا من الحكم الإمامي الذي سبقه، ويبدوا أن الفقر والجوع والتخلف الذي يتمثل في صورة أشخاص؛ هم أفراد قوى صالح المتنفذة ؛ وكبيرهم صالح لا يريد أن يرحل من السلطة؛ إنما يري د أن يقتل ؛ ليجعل نفسه في صورة القذافي؛ أذ كان الأول متشابها مع هذا الأخير إلى حد كبير منذ بداية الثورة في يخص قاموسه اللغوي في التصريحات والخطابات والتهديدات والتحديات والاستخفاف بالثوات ؛ حيث لم نسمع عن الجرذان والطفيليات – بقصد الاستخفاف بالثوار- إلا في ليبيا القذافي ويمن علي صالح؛ فلعله تشابه في الحياة وفي الممات.

و ما دمنا قد تحدثنا عن الأغلبية الفقيرة؛ دعونا نسترجع أو نستذكر مقولة علي - كرم الله وجهه – إذ ينسب إليه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) والفقر قد تبدى لنا في العالم المعاصر ليس في صورة رجال بل في صورة م ن هم دون ذلك ؛ لأن صفة الرجولة ذكرت في القرآن الكريم في سياق الصلاة وإقامتها؛ وقي سياق الجهاد والاستشهاد، وفي سياق الدعوة إلى الله؛ هذه فقط هي مواطن الرجولة التي عددها لنا القرآن الكريم؛ وليست هناك مواطن غيرها؛ بمعنى أن الرجال هم الثوار فحسب ؛ لأن المواطن الثلاثة تنطبق عليهم تمام ال ا نطباق؛ فهم يصلون ويج ا هدون و يستشهدون ؛ بمعنى أن الفقر قد ظهر في اليمن وغيرها من البلدان العربية والإسلامية في صورة قتلة وسفاحين ومصاصي دماء اليمن ليبيا سوريا أنموذجا، وما رأينا الفقر يتبدى لنا في صورة رجل بما يعني هذا اللفظ من معنى في السياق القرآني؛ هذا من ناحية؛ ومن ناحية ثانية فإن سفاح اليمن لعله قد حدد خيار نهايته ؛ فهو كما يبدوا من مواقفه وتخريفاته انه سيجعل نفسه في صورة قذافي آ خر؛ إذ اليمنيون مصرون على تحقيق هدف ثورتهم؛ وعلي صالح في الوقت نفسه مصر على التمسك بالسلطة والنتيجة المنطقية ؛ هي أن علي صالح سيقتل شر قتلة وسوف يسطر لنفسه حروفا سوداء في صفحات التاريخ الأسود والأشد قتامة من ت نعاب الغراب.

وأخيرا ؛ فإنه كما سجلت ثورة إب براءة اختراع أو اكتشاف لما كانت تسمى - خطأ – بـ (الأغلبية الصامتة) والتي نستطيع أن نسميه ا الآن (الأغلبية الفقيرة) أو (الأغلبية الحزينة ) التي لم تستطع أن تحمل نفسها حتى تشارك إخوانها الثائرين في ساحات وميادين التغيير وفي فعاليات الثور ة ؛ فلم تملك إلا فيضا من الدموع والحزن؛ أسجل لها - بالنيابة عن نفسي وعن جميع الثائرين – ا لاعتذار ؛ إذ كان قد نالها منا - خطأ وسوء تقدير وعدم معرفة - الكثير من النقد اللاذع فقد كنا نتوقعها فئة محايدة وصامتة؛ في حين هي كانت معذورة بل محبوسة حبسها الفقر - أو على وجه الدقة والتوصيف الصحيح - حبسها علي صالح ؛ إذ فقر الشعب اليمني كما سلف توضيحه - مرسوم بين عيني علي صالح؛ وبمجرد أن يرحل من السلطة و بالنهاية لتي سيحددها هو - وقد سلفت الإشارة إليها- فإن الفقر والجوع والخوف سوف يندحر من يمننا إلى غير رجعة . اللهم احفظ ثورة اليمن عامة وثورة إب خاصة يا خير الحاف ظ ين ، ويا من أنت للحكام الظالمين نعم الخافظين.