بناء اليمن الجديد: بناء مؤسسات الدولة الفعالة (4)
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 15 يوماً
السبت 30 إبريل-نيسان 2011 06:25 م

 يا شباب الثورة ان من مهامكم الاساسية بناء مؤسسات الدولة الفعالة. فمن اجل ان تنجح الدولة الديمقراطية فانه لا بد و ان يتوفر لها شروط و متطلبات اساسية. فمن دونها فقد تكون هناك دولة ديمقراطية و لكنها غير فعالة. و في هذه الحالة فان الديمقراطية تفقد اهم مبررات وجودها.

 ان هذه الشروط و المتطلبات تكمن في ايجاد التوازن المطلوب بين الديمقراطية اي المشاركة الواسعة و الكفاءة اي القدرة على اتخاذ القرارات و حل المشاكل و تحقيق الانجازات. فاذا ما تم التركيز على المشاركة فقط فانه من الممكن جدا ان تكون مؤسسات الدولة ديمقراطية و لكنها قد لا تكون فعالة. و في نفس الوقت اذا ما تم التركيز فقط على الكفاءة فقد تكون مؤسسات الدولة فعالة و لكنها غير ديمقراطية. و في كلا الحالتين فان ذلك امر غير قابل للاستمرار مما يعرض المجتمع للاهتزازات و عدم الاستقرار السياسي.

  و من اجل ان تكون الدولة اليمنية القادم مستقرة و قابلة للاستمرار فان عليكم يا شباب الثورة ان تناقشوا و تتوصلوا للتوازن المطلوب بين الديمقراطية و الكفاءة في مؤسسات الدولة الجديدة. ان ذلك يمكن ان يتحقق من خلال على اطلاق ثلاث مسارات رئيسية و هي مسار اختيار القيادات السياسية الحالية والمستقبلية و مسار اختيار القيادات الادارية الحالية و المستقبلية و مسار تحديد العلاقة بينهما. اذ انه لا يمكن توفير الحد الأدنى من الديمقراطية و الكفاءة في مؤسسات الدولة بدون ذلك. و لذلك فانه لا بد من الفصل بين وظيفة و مهارات القيادات السياسية و بين وظيفة و مهارات القيادات الادارية. فوظيفة القيادات السياسية تكمن في اختيار السياسات و التوجهات و اقناع الراي العام بها. اما الوظيفة الاساسية للقيادات الادارية فتكمن في تنفيذ هذه السياسيات و التوجهات الموافق عليها على ارض الواقع باقل تكلفة ممكنة.

ان اعداد و تأهيل و اختيار القيادات السياسية الحالية و المستقبلية يجب ان يكون وفقا للأسس و المبادئ و الاعراف الديمقراطية حتى يمكن ضمان ديمقراطية مؤسسات الدولة. و لذلك ان المواصفات و المهارات المطلوبة لمن سيتولى اي قيادية سياسية يجب ان تكون متوافقة مع متطلبات الديمقراطية. فالقيادات السياسية الديمقراطية لا بد و ان تتمتع بقدر معقول من القبول العالم و الاخلاص و الصبر و التفاوض و التنازل.

و كذلك فان اعداد و تأهيل و اختيارات القيادات الادارية و المستقبلية يجب ان يرتكز على الخبرات الفنية و المهارات التنظيمية. فبدون ذلك فان الاعتبارات السياسية قد تتغلب على الاعتبارات الفنية مما قد يتسبب في فشل مؤسسات الدولة الديمقراطية.

و من اجل ايجاد تفاعل بين القيادات السياسية و الادارية فانه لا بد من تنظيم العلاقة بين الجانبين. فحتى تكون السياسيات و التوجهات و الاجراءات التي يقترحها السياسيون و يسعون الى اقرارها و قبولها من قبل الراي العام قابلة للتطبيق فإنها لا بد و ان تعتمد على مدى امكانية القيادات الادارية على تنفيذها. و من الضروري كذلك ان يتاح للقيادات الادارية ان تقترح بعض السياسات و التوجهات على القيادات السياسية و خصوصا تلك التي تكون ضرورة لنجاح و فعالية السياسيات الاخرى. كل ذلك يتطلب ان تكون اليات التفاعل بين الطرفين ملبية لكل من الديمقراطية و الكفاءة.

 في مقال هذا الاسبوع سيتم التركيز على المسار الاول اي على متطلبات اطلاق مسار اختيار القيادات السياسية و ما يتحتم على شباب الثورة القيام به من الان لوضع الاسس السليمة لانطلاق هذا المسار. ان اهمية ذلك تنبع من حقيقة ما تسبب به غياب كل من الديمقراطية و الكفاءة في فشل مؤسسات الدولة الحالية. فمن الواضح ان النظام الحالي قد سد كل الافاق على كل من تتوفر فيه متطلبات القيادات السياسية و يرغب في ممارسة العمل السياسي. و بدلا عن ذلك فان السلطة هي التي تحدد من يمارس العمل السياسي وفقا لمعايرها هي و التي لا تتضمن لا الديمقراطية و لا الكفاءة. اذ انها هي التي تختار من يترشح في الانتخابات و من يشغل المناصب السياسية او القيادات الادارية. و لا شك ان مواصفات السلطة لمن يتم اختيارهم تقتصر على الولاء و اولا و اخيرا.

 و من الواضح ان من تتوفر فيهم مقومات الولاء لا تتوفر فيه مواصفات القيادة السياسية و الادارية الناجحة مثل القدرة على اتخاذ القرارات و القدرة على الانجاز و الاخلاص و خدمة الشعب. و نتيجة لذلك فقد تركزت السلطات السياسية و الادارية في يد قلة في هرم السلطة. و لقد ترتب على ذلك عدم القدرة على التعامل مع العديد من الموضوع الهامة و عدم القدرة على ا تخاذ القرار المصيرية.

و نتيجة لذلك فقد ارتبط مصير الدولة و الشعب بمصير القلة المحتكرة لعملية اتخاذ القرارات. الامر الذي ستخدم لتبرير احتكارهم للسلطة. و اذا ما طلب منهم مغادرة السلطة ردوا بانه لا يوجد اي اشخاص او جهات مؤهلة للحلول محلهم.

 و لسوء الحظ فان احزاب المعارضة هي الاخرى قد نحت هذا المنحى. اذ انها تصر على التمسك بقيادتها التاريخية بالمراكز القيادية بحجة عدم قدرة الاجيال الشابة على ملئ الفراغ الناشئ عن تنحيهم عنها. و من اجل تبرير ذلك لأنصارها فإنها تغرس فيهم عدم الثقة في النفس و بالتالي احباط اي طموح لهم في تبوء أيا من هذه المراكز القيادية. فتنحي هذه القيادات عن مواقعها في الاحزاب سيؤدي لا ما حالة وفق زعمهم الى تشرذمها.

يا شباب الثورة عليكم ان تدركوا ان احتكار السلطة في ايدي القلة هو الذي منع التداول السلمي للسلطة و هو الذي اضعف مؤسسات الدولة و هو الذي جعل المشاكل تتراكم و اثارها الضارة تتضاعف و هو الذي خلق الياس و القنوط في نفوس ابناء الشعب. و اذا كانت ثورتكم قد خلقت املا جديدا بمستقبل افضل فان عليها ان تسقط هذا الشعار الخادع و المضلل. عليكم ان تمحوه من ذاكرتكم.

 

 و لسوء الحظ فان هذه الممارسات من قبل السلطة و المعارضة و وسائل الاعلام التابعة لهما الى بث الاحباط بين معظم القوى الفاعلة في المجتمع و على وجه الخصوص الشباب منهم. و قد استغل ذلك في الترويج للتمديد و التوريث لعدم وجود قيادات قادرة على ادارة البلاد. وعمل النظام على نشر خرافة " اذا ذهب الرئيس فمن يحل محله". و قد انخدع بها الجميع بدليل ترديدها من قبل طيف واسع من الشعب متناسين حقيقة ان اي انسان لا بد و ان يموت و في هذه الحالة فمن سيحل محله؟

يا شباب الثورة ان اول خطوة في هذا المسار هي ان تتخلصوا من تاثير هذه الخرافة. فالشعوب كانت قبل الاشخاص و ستستمر بعدهم. ان العديد منكم قادر على ان يكون قائدا سياسيا اذا ما انس في نفسه القدرة على ذلك و توفرت فيه المهارات المطلوبة. فليس المطلوب فيمن يتولى المناصب السياسية ان يكن رجلا استثنائيا.

يا شباب الثورة عليكم ان تدركوا ان سرعة نجاح ثورتكم يتطلب اسقاط هذه الخرافة. فمن من شك بان طولة فترة ثورتكم يرجع و بشكل اساسي الى الادعاء بانه لا توجد ايد امينة يمكن ان تستلم السلطة. الا ترون ان جميع المبادرات تدور حول التوافق على من سيستم السلطة. الا ترون كذلك ان الاسماء المتداولة محدودة و هي جزء من الماضي. و اذا لم تنجح في الماضي فما الذي سيجعلها تنجح في المستقبل. الا ترون انكم يا شباب الثورة مترددون في اختيار من سيقود المرحلة المقبلة لأنكم لا تثقون بأنفسكم و لا بأحد من خارج النخب السياسية السابقة التي فشلت و التي يجب ان تتيح المجال لغيرها.

 و من اجل ذلك فان عليكم ان تكون لديكم ثقة بنفوسكم. فمن حكمكم في الماضي سواء على مستوى مؤسسات الدولة او على مستوى الأحزاب السياسية او على مستوى منظمات المجتمع المدني هم بشر مثلكم. بل انكم تتميزون عليهم من حيث التعليم و القدرات. و اذا استطاعوا ان يديروا مؤسسات الدولة فإنكم بكل تاكيد تستطيعون.

 يا شباب الثورة ان نجاح ثورتكم يتطلب ان تفكروا بعقلية جديدة. و اذا ما تحقق ذلك فإنكم ستثقون بأنفسكم و بغيركم من ابناء اليمن الموهوبين الذي عملت السلطة و احزاب المعارضة على تهميشهم و سد منافذ الصدارة بينهم. اذ لتفتم شمالا و جنوبا سترون العديد و العديد منهم.

 فاذا لم تكونوا قادرين على تحمل المسئولية في المرحلة الانتقالية فان عليكم ان تختاروا من الاجيال السابقة عليكم ممن هو قادر على ذلك. اذ ان هناك مواصفات يجب ان تتوفر فيمن ينبغي ان يدير المرحلة الانتقالية مثل الحيادية و التجرد و الرؤيا و الاخلاص و التأهيل. فالحيادية ضرورية لإيجاد قطيعة من التحيز الذي ساد المرحلة السابقة. فمن مارس التحيز في الماضي فان احتمال تخليه عن ذلك في المستقبل ضئل جدا. و على هذا الاساس فانه ليس من الحكمة تجريب المجرب مرة ثانية.

 اما اشتراط التجرد فهو ايضا ضروري لان ما سيتم تأسيسه في المرحلة الانتقالية سيؤثر حتما على المرحلة التي ستليها. و على هذا الاساس فمن لا يتوفر فيه التجرد فإما ان يتساهل في واجباته لعدم وجود حوافز سياسية او غيرها تحفزه على القيام بما يجب عليه القيام بها او انه سيعمل على استغلال الصلاحيات التي ستعطى له لصالحه او لصالح انتمائه السياسي.

 و بما ان المرحلة الانتقالية هي مرحلة استثنائية فان نجاحها يتطلب قدرا كبيرا من الرؤيا فيما سيتولى زمام الامور فيها. و بما انها انتقالية فإنها لا بد و ان تتضمن قطيعة مع الماضي. و بما انها تأسيسية للمستقبل فإنها تتطلب قدرة على استشراف المستقبل. و لا يمكن ان يتعامل مع ذلك الا من يتمتعون برؤية واضحة. 

  لا يمكن لأي عاقل ان يجادل بالمصاعب الجمة التي ستكتنف المرحلة الانتقالية. و ما لم يتمتع من سيكلفون بإدارتها بالإخلاص فانهم ما سيلبثون ان يتراجعوا امام ادنى صعوبات و عراقيل قد تواجههم. ان التأهيل مهم للإنجاز مهام المرحلة الانتقالية بأسرع وقت و اقل تكلفة.

 و مع ذلك فانه يجب عليكم ان تعدوا انفسكم لتولي القيادات السياسية في المستقبل. و لذلك فان عليكم يا شباب الثورة ان تعملوا على فتح قنوات الاعداد لكل من لديه الموهبة و يرغب في العمل السياسي حتى يمكن للمجتمع ان يستفيد من مواهبهم.

 و من هذه القنوات تشجيع الطلاب في المرحلة الثانوية و الجامعية على اقامة منظمات طلابية تقوم على الانتخابات. و كذلك انشاء مجالس محلية على مستوى القرى و المديرات و المحافظات يكون اعضائها منتخبين. و من ذلك ان تكون قيادات الاحزاب السياسية منتخبة من خلال انتخابات حرة و نزيهة.

 اذا قمتم بذلك فإنكم ستعملون يا شباب الثورة على بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الفعالة ابتداء من الان.