صراعات السلطة تستدعي جبهة التحرير لمقارعة المتقاعدين
بقلم/ عادل أمين
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 23 يوماً
الإثنين 18 فبراير-شباط 2008 05:41 م

مأرب برس – خاص

لسنوات طويلة لم نسمع أحداً من أركان السلطة (وبالأخص منذ قيام الوحدة في 22/مايو 90م ) يتطرق أو يشيد بالدور النضالي لكوادر وقيادات حزب جبهة التحرير سواءً في مقارعة الاستعمار في جنوب الوطن سابقا أو في مساندة ودعم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م وما بعدها .

ويبدوا أن النظام اليوم أفاق من غفوته واستعاد ذكراته وقرر التكفير عن خطأه باستدعاء جبهة التحرير من جديد ونفض غبار النسيان عنها، وإعطاءها دوراً جديدا تلعبه بعدما ظلت طوال الفترة الماضية – نتيجة لتفاهمات سياسية بين شركاء السلطة –قابعة في الظل، اليوم يُراد للجبهة الانتقال من هامش الأحداث إلى وسطها وفقا لاعتبارات سياسية جديدة أملتها مستجدات الأحداث وتطوراتها على الساحة الجنوبية .

لعبة البحث عن شركاء

من الاشتراكي إلى الإصلاح إلى اللقاء المشترك لم يكن نظام الرئيس الصالح راضياً عن احد هؤلاء كشريك في العملية السياسية (أما الشراكة في السلطة فخط أحمر أمام الجميع ) وكان وجود المعارضة على هيئة أحزاب مختلفة ومتناحرة مما يسعد النظام ويطمئنه بأن السلطة مازالت بعيده عن متناول أيديهم,وفي مأمن من أطماعهم وتطلعاتهم ، وقد تفاجأ النظام وأصيب بالذهول نتيجة لقيام تكتل أحزاب اللقاء المشترك التي لم يتصور أبداً ًأن يجمعها إطار واحد من العمل السياسي المشترك .

ومهما يكن الأمر فقد واجه النظام الحاكم صعوبة كبيرة في أن يهضم فكرة اللقاء المشترك أويستسيغها, وانتهت كل جولات الحوار بينهما إلى لاشيء ،وهو مادفع بالنظام مؤخرا لفتح قنوات الحوار مع أحزاب الظل (التكتل الوطني للمعارضة )كبديل جاهز لأحزاب اللقاء المشترك, ومعروف عن هذه الأحزاب أنها هامشية ولا وجود لها سوى في كشوفات لجنه شؤون الأحزاب الحكومية, وبعبارة أخري فهي ليست سوى مسميات لكيانات وهمية يستدعيها النظام وقت الطلب أوكلما وصل إلى طريق مسدود مع تحالف المشترك .

وفي الآونة الأخيرة ظهر لاعب جديد على ساحة الأحداث في المحافظات الجنوبية هو مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنين الذي قاد حركة احتجاجات شعبية واسعة في كل المحافظات الجنوبية ،واستطاع في فترة وجيزة أن يحول المطالب الحقوقية لأولئك المتقاعدين إلى سياسية في إطار ماصار يعرف اليوم بالقضية الجنوبية .

ولم يكن من خيار أمام المشترك سوى أن ينخرط في الحراك الشعبي المتنامي جنوبا ليرشده من جهة ويعممه على بقية المحافظات من جهة أخري ،وصار المشترك رافعه أساسية من روافع القضية الجنوبية حينما اعتبرها مفتاح الحل للإصلاح الشامل في اليمن ،والبوابة التي يجب أن يبدأ منها الجميع لإصلاح أحوال البلاد ،وهذا الموقف لم يعجب الحزب الحاكم بالطبع فذهب يفتش عن شركاء جدد يمكن أن يقبلوا بصفقات جانبية وتسويات من تحت الطاولة ،فكان ترحيب السلطات بعودة رموز معارضه الخارج وفتح قنوات الاتصال السرية معهم .

الصراعات الخفية

بعد أسبوعين فقط من ترحيب الرئيس صالح (29/11/2007م) بعودة معارضة الخارج لليمن هاجم عبد القادر باجمال – أمين عام المؤتمر الحاكم – من معسكر اللواء (107) في حضرموت(15/12/2007) معارضه الخارج ووصفها بالفطريات والفقاقيع ،بعد ذلك صرح مصدر مسئول بالمؤتمر (28/12/2007م)بان لا اعتراف ولا شرعية لأي معارضه في الخارج ،وسخر المصدر مما اسماه بالادعاءات والمزاعم من وجود معارضه في الخارج .

وكان باجمال قد صرح قبل ذلك باستعداده وقيادات حزبه للنزول إلى الشوارع والقتال دفاعا عن الوحدة ،وفي هذا السياق قال الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي بأن المؤتمر تحت قيادة باجمال يقود المشروع الديمقراطي إلى مأزق لصالح إلى المشروع الطالباني ،مضيفاً بأن المشروع موجود في ضمير المؤتمر وسلطته ،وكان موقع المؤتمر نت للحزب الحاكم قد أشار في وقت سابق إلى وجود تفكير جدي لحل حزبي إتحاد القوي الشعبية والاشتراكي اليمني .

ويبدو أن النظام فشل في عقد حوار (أو صفقة ) مع معارضه الخارج نتيجة لوجود ممانعة ومعارضه من باجمال والجناح الجنوبي المحسوب عليه المستفيدين من وجوده في السلطة ،ويخشى هؤلاء أن تكون عودة قيادة معارضة الخارج على حسابهم ،فمعارضة الخارج برموزها المعروفة (البيض –العطاس –علي ناصر –الحسني )هي الأكثر حضورا في فعاليات المتقاعدين الاحتجاجية باعتبارها شخصيات ذات رصيد وطني معروف في الجنوب ، في حين يفتقر باجمال والتيار الجنوبي المشارك في السلطة إلى ذلك الرصيد ويتوجس باجمال من خطورة توصل السلطة إلى اتفاق مع معارضة الخارج بشأن حل مشكلة الجنوب بالنظر إلى ماسوف يفضى إليه ذلك الاتفاق (في حالة ما إذا تم )من نتائج ستصب حتما في غير صالحة .

ويمكن القول بوجود حالة من الصراع غير المعلن داخل أروقة السلطة في اتجاه تنازع المصالح وتضاربها.

وإذا كان أمين عام المؤتمر (باجمال )لايروق له حصول أي اتفاق أوتفاهم بين الحكومة ومعارضة الخارج لأسباب خاصة به ،فهذا لايعني أن كل قيادات الحزب الحاكم توافقه الرأي ، فالبركاني على سبيل المثال رحب في أخر مقابلة له بعودة قيادات معارضة الخارج وعلى رأسهم البيض والعطاس وقال إن نضالهم الوطني ومساهمتهم في تحقيق مشروع الوحدة يغفر لهم خطأ الانفصال ،وهذا مؤشر واضح على وجود انقسام حقيقي داخل الحزب الحاكم بشأن الموقف من معارضة الخارج .

اهتزاز الثقة

توجد مؤشرات جديدة تنبئ بوجود حاله من عدم الثقة بين رأس النظام الحاكم وجناح عبد القادر باجمال ،ومن ذلك على سبيل المثال الاتفاق الأخير الذي وقعته السلطة مع الحوثيين في قطر ،فقد حرصت السلطة على أن تبقى القيادات الجنوبية (باجمال-مجور ) بعيدة عن ذلك الاتفاق, وذهب للتوقيع في قطر نيابة عن الحكومة الإرياني وعلي محسن ،وربما كان أحد دوافع النظام لعمل ذلك خشيته من إفشال الاتفاق فيما لو كان باجمال هو المعني بتوقيعه وانجازه .

الأمر الأخر (المؤشر الثاني ) هو عودة النظام لإحياء جبهة التحرير الوطني (المنافس والعدو اللدود للجبهة القومية التي صارت فيما بعد الحزب الاشتراكي اليمني ) ويتمثل برنامج الإحياء هذا في الإشادة بالجبهة وبالدور الوطني الذي قامت به في الشمال والجنوب ،وهي المرة الأولي التي يشيد الرئيس فيها بجبهة التحرير في حفل كرٌس أساساً للحديث عن فترة حصار السبعين يوماً التاريخية !

ولم يتوقف الأمر عند حد الإشادة بل تبعه إصدار صحيفة جديدة باسم حزب التحرير، ودعوة أعضاء الحزب وكوادره إلى الاجتماع لتحديد موعد عقد المؤتمر العام الرابع للحزب, كما أعلن بعض قياداته عن نيتهم افتتاح (44) مقراً جديداً للحزب في كل محافظات الجمهورية .

والأهم من كل ذلك أن السلطات وجهت الجهات المعنية بصرف مبلغ كبير جداً للحزب لينهض بأعبائه الجديدة بينما يقف باجمال عائقا أمام صرف ذلك المبلغ .

الرئيس يريد الدفع بلاعب جديد إلى ساحة الحراك الشعبي في الجنوب بعدما وجد أن باجمال وجماعته قد عجزوا عن فعل اى شئ لاحتواء ذلك الحراك ،وهو مايضع باجمال في مأزق كون الرئيس وجد أخيراً من يعتقد أنهم سيقومون بما عجزوا عنه باجمال وبقية شلته المتواجدين في السلطة ،وبالتالي سيقل اعتماده على باجمال لصالح القيادة الجديدة في حزب التحرير، وهذه القيادات ستحصل على حصتها من المكاسب من الحصة المخصصة لبا جمال وجماعته باعتبار هؤلاء الجدد سيمثلون عامل توازن جنوبي . 

وبهذه الطريقة ربما ينجح النظام في صناعة حالة من الصراع في الوسط الجنوبي سياسياً وجغرافياً, وتحويل مسار الصراع نفسه من صراع جنوبي شمالي كما يحلوا للبعض تسميته في قيادة الفعاليات الجنوبية (المتقاعدون) إلى صراع جنوبي – جنوبي , وبهذا الشكل يتم إجهاض القضية الجنوبية و إفراغها من مضامينها .

يأتي ذلك في ظل اشتداد النزعات الجنوبية وتأكيدات قادة الفعاليات الاحتجاجية بأن النضال السلمي سيتواصل حتى يستعيد الجنوب كامل حريته حد وصفهم.

كما يجئ كذلك في ظل مطالباتهم للقيادات الجنوبية في الخارج بتحديد مواقفهم م القضية الجنوبية بشفافية وترك الغموض والخلافات جانباً , وكذا دعوة أبناء الجنوب المتواجدين في السلطة للانضمام إلى لحراك الشعبي , بل ودعوة أبناء الجنوب في حزبي المؤتمر والإصلاح لتقديم استقالاتهم والعودة إلى صفوف إخوانهم في حركة الاحتجاجات ليناضلوا في سبيل نصرة قضيتهم .

• مدير تحرير صحيفة (العاصمة)

adelameen@maktoob.com