الحوار الوطني, كيف, والى أين؟
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الخميس 02 أغسطس-آب 2012 10:24 م

تعددت الأطروحات والمواقف حول مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في فترة لاحقة لا يعلمها الا الله. والمعروف بأن ذاك المؤتمر مقررا له ان يناقش العديد من القضايا الجوهرية والحساسة المرتبطة بمستقبل بلادنا وشعبنا, وسوف تشارك فيه كل القوى والفعاليات دون استثناء. لكن وكما هو معتاد في بلادنا, لا يعلم أحدا كيف ستكون آلية النقاشات واتخاذ القرار في ذاك المؤتمر الموعود.

إذا حاولنا تصور فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل المزعوم, فإننا سنجد بان المجموعات التي يمكن ان تشارك فيه لا يمكن ان تلتقي عند نقطة اتفاق واحدة حول أي من القضايا المزمع طرحها فيه. فعلى سبيل المثال قضية الوحدة او الفيدرالية او الانفصال, هذه القضية مرتبطة بشكل وثيق بالقضية الجنوبية ومظالم أبناء الجنوب وحقوقهم المصادرة, حيث يعلن البعض بأنه مع حل القضية الجنوبية لكنه يصر مسبقا على تقييدها تحت سقف الوحدة دون توضيحات رافضا بشكل مطلق أي حديث عن الاعتذار لهم ، كما ترتبط قضية الوحدة بدستور البلاد الجديد الذي سوف يحدد شكل الدولة اليمنية الحديثة, هل هي دولة مدنية او دولة دينية او دولة قبلية او هجين مشكل من كل الأنواع.

لقد أعطى هذا التأخير والتشتت والالتباس فرصة لأصحاب القرار من قيادة المؤتمر الشعبي العام ليدفعوا بنائبهم الرئيس التوافقي الى تشكيل لجنة فنية قالوا بان لا دخل لها في مقررات المؤتمر, غير ان مهامها تتحدد بعرض القضايا على المؤتمر وتحديد نظامه الداخلي وإجراءاته وتقديم مشاريع قراراته ليصدرها رئيس الجمهورية بنفس الطريقة التوافقية التي على أساسها يتعرقل عمل حكومة التوافق وبرلمانه, فإذا اختلف أعضاء اللجنة الفنية حول أي من القرارات المطلوب أصدارها يكون القرار النهائي للرئيس التوافقي للمؤتمر الشعبي, دون ان يكون للمشاركين في مؤتمر الحوار الوطني يدا فيما يصدر من قرارات باسمهم.

إن الطريقة اليمنية للتوافق في اتخاذ القرارات المصيرية تشابه الى حد كبير ما كان متبعا في النظام السابق مع بعض الديكور التغييري المواكب لتطلعات شباب الثورة المغلوبين على أمرهم, كما يتشابه كثيرا التوافق اليمني مع الأسلوب السريع لاستقصاء الرأي عبر الاستفسار غير الواضح او الاستفتاء بنعم او لا. فعلى سبيل المثال إذا طرح السؤال, هل أنت مع الوحدة او الانفصال؟ فكيف ستكون إجابة من هو مع الوحدة بعد تصحيح مسارها والاعتذار لأبناء الجنوب ورد الاعتبار لهم وإعادة حقوقهم؟ فإذا كانت الإجابة الغالبة مع الوحدة, ستنتهي القضية الجنوبية وستبقى مظالم أبناء الجنوب وحقوقهم دون حل, مع ملاحظة الفارق السكاني بين الشمال والجنوب وإذا كانت الإجابة ضد الوحدة فالأمر مازال مفتوحا للبديل المقترح بالفيدرالية او الانفصال ولان الفيدرالية متنوعة الشكل والجغرافيا فإنها ستكون بحاجة الى مؤتمرات لحلها ، في كل الأحوال فان الطريقة المطروحة حاليا لا يمكنها إيجاد حل حقيقي وشامل ومرضي لجميع الأطراف حول القضية الجنوبية وحقوق أبناء الجنوب ، فحزبي المؤتمر والإصلاح الشركاء السابقين في ضرب الجنوب ونهب ثرواته وحقوق أبنائه يتفقان حاليا بطريقة توافقية على مناقشة كل القضايا المطروحة على مؤتمر الحوار الوطني دون شروط مسبقة عدى القضية الجنوبية التي يرفضان مناقشتها دون شرط الوحدة وتحت سقفها، فقد أعلن حزب الإصلاح على لسان رئيسه في مقابلة مع قناة سهيل بان حزبه التقى مع علي عبدالله صالح، ووقف معه عن قناعة منذ بدايات حكمه, وشاركوه في كثير من المواقف وقاتلوا معه ضد أبناء الجنوب في حرب صيف العام 1994م وضد أبناء المناطق الوسطى قبل ذلك, غير انه ليس مستعدا للاعتذار لأبناء الجنوب عن مشاركته في تلك الحرب الظالمة والفتاوى التي أصدرها ضد أبناء الجنوب, وغير مستعد لإعادة مكاسبه من تلك الحرب (الفيد) او التنازل عنها, وكذلك فعل قادة المؤتمر الشعبي العام.

من ناحية أخرى يقول اليدومي في مقابلته مع قناة سهيل بان هدف الثورة هو إحداث تغيير في كل المجالات والتركة المثقلة بالتخلف والديون والظلم والفوضى والقتل وقطع الطرقات وقطع الكهرباء الناجمة عن النظام السابق, إضافة الى توحيد الجيش وإقامة العدل وتكافؤ الفرص وتوزيع الثروات في المجتمع, الا ان تركة النظام السابق المتمثلة في الحكم الفردي، الاستبداد، التوريث, لا تزال جميعها موجودة وان أهداف الثورة لن تتحقق كاملة إلا بعد انتهاء الفترة الانتقالية. غير انه يعود للتأكيد بان مؤتمر الحوار الوطني سينعقد دون هيكلة الجيش ودون اعتذار للجنوب ودون اية آمال في الدولة المدنية الحديثة التي لم يفهم مغزاها, قائلا نحن لم ندعوا لها وعلى من دعا لها أن يقدم مفرداته حولها. هنا يختفي تماما موقع الثورة الشبابية السلمية التي دعت منذ يومها الأول الى الدولة المدنية الحديثة دولة الحق والعدل دولة النظام والقانون على الجميع دون تمييز, لتتحول الى أزمة سياسية في أدبيات ووثائق حلفاء الأمس واليوم, تاركة رواد الثورة الشباب مشتتين في الساحات او غياهب السجون غير الشرعية, ومتنازلة عن أهداف الثورة التي ضحى الشباب من اجلها بأرواحهم ودمائهم ووظائفهم, متحملين العذابات والإعاقات والإساءات التي وصلت الى الأعراض والحرمات, دون ان يكونوا شركاء في قيادة الوطن وبنائه او حتى في اخذ رأيهم على اقل تقدير.

على هذا النحو الذي نراه حاليا وقد وضع الجميع في زاوية ضيق الوقت والترتيب العشوائي للأمور, فمن المؤكد بان الجميع سيختلفون حول كل القضايا ولا يوجد مجال للتطويل مما يفرض عليهم الاتجاه مرة أخرى الى حل توافقي يرضي الزعيم الذي يحتفظ لنفسه بالقول الفصل والحاسم في كل الأمور, ويبقى الوضع على ما هو عليه حفاظا على السلم الأهلي من إراقة الدماء مع إمكانية تمديد الفترة الانتقالية الى ان يتمكن احد الخصوم من حسم أمره بانتصار مباغت حاسم ونهائي ضد خصمه, عندها سيكون هو من يقرر نيابة عن الشعب وستكون هذه هي العدالة الانتقالية المنتظرة والانتقال السلمي الموعود والتغيير العملي المطلوب.

في الأخير تكون الأسئلة المشروعة هي:

هل هناك حسما آخر لهذا المسلسل التوافقي المشبع بتعذيب الوطن والمواطن؟

هل يستطيع الشباب المنقاد بجهالة تغيير واقعه فعليا, في حين لم يستطع حتى مجرد التأثير في قادته السياسيين منتهيي الصلاحية من كل الأحزاب؟

كيف يمكن للشعب اليمني ان يتوقع تغييرا من قيادات سياسية تتشبث باستماتة بمواقعها على كل المستويات الحزبية والإدارية دون تراجع؟

كيف يمكن ان نتوقع التغيير وكل مسؤول جديد او قديم يمسك بعدد من المهام التي يتقاضى عنها مرتبات لا تعد ولا تحصى ولا تنتهي, (وزير وعضو برلمان ورئيس للجان لا تعد ولا تحصى للتعويضات ومساعدات النازحين في شمال الشمال وجنوب الجنوب)؟

كيف يمكن ان نتوقع التغيير وعضو البرلمان ممثل الشعب يستلم مرتبات ومكافئات رئيس الوزراء وكل امتيازاته, إضافة الى مرتبات الوظائف التي يشغلونها عسكرية كانت او مدنية رغم انقطاعه عنها او تحوله منها او عدم ارتباطه بها أصلا؟

كيف يمكننا توقع التغيير, وكل اللجان والندوات والاهتمامات تنحصر في صنعاء فقط؟

وهناك غير ذلك الكثير الكثير, لذلك نتساءل, لماذا لا توضع كل قضايا الحوار الوطني للنقاش العام في كل المواقع على طول البلاد وعرضها؟ لماذا لا تطرح تلك القضايا على كل مراكز الأبحاث اليمنية والكليات والمعاهد المتخصصة في اليمن؟ لماذا لا تنزل استبيانات علمية على كل مواطن ليقول رايه؟ لماذا لا تفتح جميع الصحف اليمنية أبوابها بنزاهة وصدق لكل الآراء المختلفة حول تلك القضايا المصيرية, واستخلاص المقترحات البناءة؟