السفير الامريكي وتمثال الحريه
بقلم/ منال القدسي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 16 يوماً
الخميس 01 مارس - آذار 2012 10:40 م

بقدر ما أثارت تصريحات السفير الامريكي جيرالد فايرستاين غضب عارم وربما تقزز في الشارع اليمني والعربي، بقدر ما اثارت أيضاً عدة تساؤلات!! هل كانت تصريحات أم تسريبات لجس نبض الشارع؟ وأياً كان الامر، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوه من سيحكم اليمن؟ وماجدوى قيام الثوره؟ وهل أستبدلنا صالح بفايرستاين؟

تصريحات أم تسريبات:

هذا لا يحدث إلا في اليمن أن يجاهر سفير دوله عظمى بتصريحات توحي بانه ليس سفيرا لدولته فحسب! بل هو حاكم عسكري، فمن يقرأ التصريحات الاخيرة للسفير الامريكي يستشعر بانه قد جاهر علنا بل متباهيا وربما متحدياً لمشاعر المواطنين اليمنيين وللمشاعر الثورية التي يعيشها ابناء الشعب اليمني التواق للحرية من حكم العائلة وتسلطها ليعلن بسماجة بأنه الحاكم الفعلي لليمن.

فمن أعطاه هذا الحق وهل بلغت به السماجة ليتجاهل ثورة الشعب وتضحياته من أجل إستعادة سيادة الدولة، وان كان النظام الساقط قد سمح له بالتمادي فعليه ان يعلم بأن الثورة لم تقم من أجل حماية مصالح امريكا، ومن يكون هو حتى يقرر مستقبل اليمن!! وكيف سيكون حكمها!! ، انه يفكر بعقلية الكوبوي وبحالة من اللاوعي، يعتقد ان اليمن هي الولاية الواحد والخمسين وهو رئيسا للولايات المتحدة!!.

من سيحكم اليمن؟

ردود الافعال الغاضبة وصلت الى السفير الامريكي وللسفارة الامريكية ولصناع القرار الامريكي ، فتصريحات فايرستاين أحدثت ثورة في المواقع الاخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي.. وبدلاً من جس نبض الشارع ، فقد أحدثت ثورة جديده ترفض التدخل الامريكي والوصاية على اليمن، وأعتقد بانه إذا كان هناك توجه لدى ثوار الساحات بمنح هادي بضعة أشهر لاعادة هيكلة الجيش وإقالة أقارب صالح، فان تصريحات فايرستاين قصرت المدة الزمنية، وربما تكون قد الغتها، فردود أفعال القراء والشارع اليمني تشير الى إصرار الشعب وتأكيده على رحيل أولاد صالح واقاربه ومنظومته الفاسدة، واعادة هيكلة الجيش ، الذي سيكون بمثابة خلع لباقي انياب النظام التي مازال ينهش بها هنا وهناك، وبعد الهيكلة سيكون القط دون انياب او مخالب.

ما لايدركه السفير الامريكي بان اليمنيون يعلموا جيداً بان امريكا هي من تحكم اليمن منذ حرب صيف 94م، فاليمنيون يعلمون بان صالح ماكان له ان يحقق أي إنتصار في الحرب الآثمة التي شنها على اشقائنا في الجنوب لولا الدعم القوي الذي تلقاه من الاستخبارات الامريكية التي تدخلت في الوقت الذي قرر فيه صالح الانسحاب وكاد ان يعلن هزيمته فمدت له الدولة العظمي يد العون بعد التوقيع على سلسلة من القوائم المتضمنة شروط مذلة ومهينة له، ولم يكن امام صالح من خيارات سوى ان يبصم عليها بالعشرة ليبقى رئيسا وان كان ذلك على حساب بلده وشعبه.

لقد غاب عن السفير الامريكي بان الملايين السته التي صوتت لهادي، إنما هي في حقيقة الامر صوتت لخلع صالح رأس هرم الفساد وصانعه، والذي كان لدولتكم ياسعادة السفير الدور الأكبر في صنعه واستغلاله لخدمة اهدافكم ومصالحكم على حساب شعب قهرتموه وسلبتموه حريته وساعدتم بنهب ثرواته من خلال دعم حكومتكم المباشر استخباراتيا وعسكريا وماديا لبقاء هذا النظام الفاسد جاثما على انفاس هذا الشعب المقهور منكم ومن حكومتكم ومن تمثال الحرية في ليبيرتي ايلاند (جزيرة الحرية) الذي بكى وادمى بكاءا من سلبكم لحريات الشعوب وقهرها.. وما المياه التي تحيط بذلك التمثال إلا دموعا على المجازر التي ارتكبتموها في بقاع الأرض.

تصريحات السفير فايرستاين أعادت للذاكرة كلمات المعارض الشرس نعوم تشومسكي حين قال "أمريكا لا ترغب بوجود حكومات تتجاوب مع رغبة الشعوب، لانها تدرك بان هذا لا يضعف سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة فحسب، بل إنه سيخرجها من المنطقة".

ماجدوى قيام الثوره:

لقد تناسى السفير الامريكي بان اليمن مازال يشهد ثوره لم تنطفئ شعلتها بعد، بل العكس، لهيب الثوره الان في أوج اشتعاله ،وان كانت الموجة الاولى مضت ، فان هناك موجات ثورية قادمة وهناك تسونامي كاسح قادما في الطريق سيقتلع الفسدة والفاسدين من الجذور.. الشعب لن يرضى بان يستبدل حكم صالح بحكم فايرستاين ولن يقبل بانصاف الحلول ولن يقبل بالمزاوجة بين الفساد والثوره ، وان كان لن يقبل بكل ذلك فكيف يقبل بوصاية اجنبية وان كان مسنودا من دولة شقيقة.

فمنذ أكثر من عام وثوار اليمن عقدوا العزم على تحقيق كافة اهداف ثورتهم ، ثورة الـ 11 من فبراير وفي مقدمة تلك الاهداف إسقاط نظام صالح بكل رموزه واركانه، محاسبة الفاسدين ، محاكمة المجرمين من سفكوا الدماء وشردوا المواطنين ويتموا الاطفال و استعادة سيادة الدوله.

الشعب اليمني لم يكن يوما غبيا كما يتوقع الامريكان، ولكن سنوات طويلة من سياسات التجويع والتفقير والأضطهاد والأذلال صاحبتها عمليات تصفيات وسجن وتشريد للأحرار من ابناء هذا الشعب وكما يقال الصبور الى ان انفجر بثورته العظيمة التي قام بها وهي مستمرة حتى تحقيق كامل أهدافها بكافة الوسائل الممكنة ، ومن ضمن تلك الاهداف إستعادة سيادة الدولة على كافة الاراضي اليمنية.

إن ما يثير الاستغراب!! كيف أثارت تصريحات السفير الالماني في صنعاء هولقِر قرينإن مطلع العام الجاري غضب قيادات وأعضاء الحزب الحاكم سابقاً، حين علق السفير الالماني على الحصانة التي منحت لصالح وأعوانه، فثارت ثورتهم واعتبروا تصريحات السفير الالماني تدخل سافر في شؤون البلاد، بل واعتبرها الحزب الحاكم في ذلك الحين تدخل في سيادة الدوله!! في حين لم تتحرك وطنية تلك الثلة قيد أنمله من تصريحات السفير الامريكي التي كانت بمثابة إعلان بان اليمن خاضع للحكم العسكري الامريكي !! أين هولاء الوطنيين من تصريحات السفير الامريكي فايرستاين أم أنهم يعتبرون السفير الامريكي رئيس المؤتمر؟؟!!! أو ربما لسان حالهم يقول كما صرح ناطقهم الرسمي عبده الجندي "نحن نؤيد ما يقوله السفير الأمريكي كون ذلك يصب في صالح اليمن واستقراره".

ولسنا ندري ماهي معايير الاستقرار لدى أتباع صالح؟ فاي تصريحات السفيرين تعد تدخل مباشر في شؤون اليمنيين ، السفير الالماني:

" للمواطنين اليمنيين وكذا السياسيين الحق في الاعتراض على البنود الخاصة بحصانة صالح ومعاونية"

أم السفير الامريكي:

* أمريكا ستحتفظ بقيادات الجيش من أسرة صالح لسنوات عديدة، ولا تنوي التخلص منهم في الوقت الراهن.

* الولايات المتحده راضية عن كل أبناء صالح والحرس الجمهوري هو الأفضل في تجاوبه.

* سنعمل الولايات المتحده على تغيير العقيدة العسكرية للجيش اليمني، وستعمل على تعيين مهام جديدة له، فالجيش اليمني سيعمل لحساب أميركا في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ضد القرصنة، ولحساب دول الخليج.

ياسعادة السفير فايرستاين

إن الشعب اليمني ناضل وقام بثورته من اجل بناء الدولة المدنية الحديثة الحره .. فالشعب اليمني يؤمن بالشراكة والصداقة مع الاخرين، ولكنه يرفض بشده التبعية والاحتلال والتدخل السافر في شؤونه الداخليه.. والشعب عندما يريد فان المشاريع الشخصية الضيقه تتأكل أمام إرادته.

الشعب اليمني الذي ضحى بدماء خيرة شبابه ، لن يرضيه تغيير شخص ولن يعود حتى يطهر البلاد من كافة رموز الفساد ويستعيد سيادة الدوله على كافة أراضيه.

إن مايحدث في اليمن ثوره، ولكنها ثوره تتباطأ وتيرتها احيانا وهو ماشجع بعض المتطاولين الى التمادي في تصريحاتهم متناسيين تضحيات الشعب من أجل حريته وكرامته وإستعادة سيادته.

ياسعادة الحاكم العسكري بإمكانك إن تأمر وتنهي بعض الأذيال ويغلب عليك الشعور بأن البلاد هي تركة صالح ورثها لكم ، وهذا مجرد شعور يدخل في باب الأمنيات .. ولكن لتعلم بان إرادة الشعب اليمني التي أقتلعت صالح ستضع حدا لتدخلاتكم السافرة في شؤون اليمن، وان كنت الآن في مبنى سفارتكم تحقق مع المعتقلين السياسيين الذين أسميتهم "بالمتمردين" وتزجوا بهم في معتقلاتكم الخاصه ، وربما يتم نقل البعض منهم الى معتقلاتكم السرية في بعض البلدان العربية، فبامكانك حتى اللحظة ان تسجن من شئت منهم وكل من يقف بوجه أمريكا ولكن الى متى؟؟؟؟؟ فغداً آت لاشك فيه ولن يضمن لك احد ان تفر بملابس نومك خوفا من ان تنال ما أرتكبته يداك ولسانك من آثام في حق اليمن واليمنيين؟

ياسعادة السفير والحاكم.. لقد تجاهلت ومازلت حتى اللحظة الاصوات الغاضبة السلمية التي تنادي بالافراج عن الصحفي البطل "عبدالاله حيدر" الذي مازال يقبع في سجون الامن السياسي منذ أكثر من عام ونصف بأوامر وتعليمات صادرة منك ، بسبب تغطياته الصحفية عن مكافحة الارهاب في اليمن ولكونه الصحفي الوحيد بشهادة احدى المنظمات الحقوقية الذي تطوع لتغطية أحداث جريمة المعجله تلك الجريمة البشعة التي راح ضحيتها مالايقل عن 100 قتيل.

ورغم كل المناشدات التي أطلقتها المنظمات الحقوقية والصحفية للمطالبة بالافراج عن الصحفي عبدالاله حيدر، الا انك ما زلت مصرا على بقاءه في السجن!! .. فبحق تمثال الحرية الشامخ والخارج من الماء في جزيرة الحرية مطلا بهامته على نيويورك ، كفوا عن التدخلات في شؤوننا الداخلية واطلقوا الزميل الصحفي حيدر قبل ان تجبروا قصرا على إطلاقه.