اليمن..إلى أين؟
بقلم/ عبدالملك طاهر المخلافي
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 11 يوماً
الأربعاء 29 أغسطس-آب 2007 07:36 ص

مأرب برس – خاص

• وأنا أتأمل ما يدور في الساحة الوطنية من تجاذبات وتوترات سياسية واجتماعية حادة قفزت إلى ذهني نظرية معروفة في علم الإدارة السياسية تسمى نظرية المجال, مفادها: أنه في أي مجتمع أو منظمة توجد قوتان رئيستان تتجاذبان الساحة: قوى دافعة تضغط بقوة نحو إحداث التغيير, في حين أن هناك قوى كابحة تدفع بالاتجاه المعاكس, وتقاوم بشدة ذلك التغيير, حتى تصل القوتان إلى نقطة محددة كحصيلة لذلك الصراع, وبناء على ذلك تتأسس أوضاع ومصالح معينة). فخلال الشهور القليلة الماضية بدأت تظهر على امتداد الوطن سلوكيات وتحركات ونشاطات مختلفة الدوافع والمقاصد والغايات: تمردات مناطقية.. احتجاجات شعبية.. اصطفافات قبلية .. قفزات سعرية.. اعتصامات صحفية وطلابية .. كان أخطرها - من وجهة نظري - على الوئ ام الاجتماعي والمستقبل الوطني اللجوء إلى الورقة القبلية, والتلويح بها في وجه قيادة الدولة؛ حيث تم مؤخراً إشهار عدد من الكيانات القبلية والمشيخية, التي كان أولها ما اسمي بمجلس التضامن الوطني الذي تبنى فكرة تأسيسه الشيخ حسين الأحمر.. وهو كما فهمنا منه, تكتل قبلي يرمي إلى إصلاح وتصحيح مسار الدولة, واجتثاث ظاهرة الثأر والفساد!. انبرى على إثره الشيخ ناجي الشايف للعمل على تأسيس كيان قبلي مناهض له. كذلك أٌعلن بُعيد ذلك عن انشأ مجلس مشيخي آخر من قبل بعض مشايخ قبيلة بكيل أطلق عليه مجلس مشايخ بكيل الوطنيين, بحسب ما ورد في بعض المصادر الصحفية, وربما أن تحالفات قبلية أخرى سيُعلن عنها خلال الأيام القادمة. إن أكثر ما نخشاه أن تنتقل عدوى التكتلات القبلية والمناطقية لتصيب مناطق أخرى وتقود إلى إيقاظ قبائل نائمة وإحياء عشائر مندثرة, وهكذا ستعج الساحة بكتل قبلية يصعب إيقاف تداعياتها. في حين أن الجميع يعلم أن المشكلة الصومالية بدأت على شكل اصطفافات قبلية قادت إلى توتير الحياة الاجتماعية حتى خرجت عن سيطرة أهل الحل والعقد, فكان الانهيار العظيم, وكان من الصعب جداً لملمة حبات العقد بعد انفراطه.

• قد يكون من الطبيعي لدى من بدأت تقلقهم معطيات وحقائق المستقبل من أبناء القبائل والمشائخ أن يلجأ إلى البحث عن أي أطر أو مؤسسات مهما كانت قبلية أو اثنية أو مناطقية أو مذهبيه للاستقواء بها والاستعراض من خلالها أمام الدولة.. غير أنه من غير الطبيعي ومن غير المفهوم أن نجد شخصيات حزبية ومدنية تحتل مواقع متقدمة في أحزابها, ولطالما ناضلت من أجل إرساء مداميك المجتمع المدني ودولة النظام والقانون .. نراها تدير ظهورها لأحزابها وتولي وجوهها شطر الكيانات التقليدية المتخلفة.. هل معنى ذلك أن الأحزاب كمؤسسات عصرية وقفت عاجزة عن إحداث التغيير المنشود, وان القبيلة أضحت بمثابة الآلية البديلة لذلك؟! لست مع أصحاب هذه الفرضية, وإنما يبدو أن الهدف من الاستظلال تحت هذه الكيانات ليس أكثر من نكاية بالسلطة وإيغار لصدرها, حتى ولو كان ذلك على حساب السلام الاجتماعي. 

• هذا بالنسبة لمن هم خارج مربع السلطة .. غير أن الغريب في الأمر أن نسمع خطاب سياسي مغاير يخرج من أروقة الحزب الحاكم, تتبناه قيادات عليا, وبلغة جريئة وصريحة وشفافة تفوق خطاب المعارضة, متجاوزة ما كان يُعتبر خطوطاً حمراء, متوجهة بالنقد إلى سياسات الحكم وطرائقه وألياته.. لقد سمعنا ذلك من الأستاذ أحمد الميسري والشيخ ياسر العواضي عضوا اللجنة العامة (المكتب السياسي) للمؤتمر الشعبي العام.. خطاب لم نألفه من قبل, ولم يجرؤ أي شخص يدور في فلك الحكومة أن يقول مثله, ولو كان بمرتبة مدير إدارة.. فكيف والأمر يصدر عن قيادات في قمة هرم النظام .. قد لا أكون مبالغاً إذا ما قلت أنها سابقة غير مألوفة في تاريخ العمل الحكومي والحزب الحاكم. ولكنها في ذات الوقت ظاهرة صحية أن نرى جيلاً جديداً من قيادات الحزب الحاكم انفصلت عن الثقافة السياسية التقليدية التي تقوم على المكابرة والتستر وعدم الاعتراف بالخطأ, حتى ولو كان ظاهراً للعيان كالشمس في كبد السماء.. ثقافة سياسية لا يعرف سدنتها سوى عبارات المدح والإطراء وعبارة ( كله تمام يا فندم), والعمل على إيهام القيادة أن كل شيء على ما يرام, وأن الأمور سابرة والخير من كل جانب, وأن من لا يرى ذلك فعليه أن يخلع النظارة السوداء, في حين أن الوضع العام يضمر يوما بعد يوم.

• حقيقةً قد لا ندرك مغازي ودوافع هذا الحراك السياسي والشعبي والإعلامي الذي تمور به الساحة هل: دعاية انتخابية مبكرة .. صراع على الحكم بعد 2013م .. صراع أجيال .. صراعات داخلية في بنية النظام.. صحوة ضمائر.. طفوح كيل ونفاد صبر .. إبراء ذمة واخلاء مسئولية.. خلط أوراق وتمييع قضايا.. خطوة للتغيير من داخل البلاط ..أم ماذا؟

• في ظل هذه الأجواء المشحونة, والتوترات السياسية والاجتماعية والاقتصادية, أعتقد أنه يتعين على الرئيس علي عبد الله صالح أن يستشعر مسؤليته التاريخية نحو مستقل البلد باعتباره صمام أمان هذا البلد, والعارف بخارطة القوى المؤثرة فيه, والممسك بمعظم أدوات القوة وخيوط اللعبة السياسية, والقادر على ترويض الجميع, وصاحب الشرعية التاريخية والدستورية والثقة الدولية, أن يقوم بأجراء جملة من الإجراءات الملحة ومنها أولاً: العمل بصورة جدية على تنظيف البيت اليمني من فئران وقطط الفساد والعمل بصورة عاجلة على إنعاش الوضع المعيشي للناس, وبذلك يسحب فتيل انتفاضة شعبية محتملة, ويستميل القاعدة الشعبية إلى صفه في مواجهة الخصوم من المتربصين بالوطن واستقراره ونظامه السياسي. ثانياً: يجب على الرئيس أن يفكر جدياً بهندسة صيغة مناسبة لمستقبل الحكم في البلاد, وذلك تحسباً لأي أمر طارئ, واستعداداً لما بعد 2013م, إذا كان ينوي فعلاً ترك الحكم وعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة. وذلك لأن الأمر بات يبعث على الخوف والقلق في ظل هذه المرحلة التي تحبل كل يوم بمزيد من التحالفات والاستقطابات والاحتقانات والتشنجات والأطماع التي بدأت تخرج من جحورها, و تطل بقرونها يوماً بعد يوم, لتتلمس طريقها نحو موقع من الأعراب في الخارطة المستقبلية للسلطة.

• قد يقول قائل إننا دولة ديمقراطية, والصندوق هو الفيصل في حسم أي خلاف على السلطة.. أقول: نعم ولكن هذا كلام نظري ودعائي لا يصمد أمام حقائق واقعنا المعقد, فنحن مجتمع لم نصل بعد إلى مستوى من النضج الحضاري الذي يساعدنا على تداول إدارة مدرسة بطريقة سلمية.. فكم من صراعات دارت رحاها جراء ذلك .. نحن أصحاب تجربة ناشئة لا زالت في الدرجة الأولى على سلم الديمقراطية الطويل, ولا يمكن التعويل عليها والوثوق بها كآلية فاعلة في إدارة إشكالية كبرى كحكم أمة كبيرة. تجربتنا الديمقراطية لا زالت تتكيء على قاعد توازن المصالح, والصيغ التوفيقية, والتمثيل البيروقراطي والإقليمي, سواء على مستوى الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة, ولم يصل المجتمع بعد إلى مرحلة من الوعي تجعله يحني رأسه للديمقراطية وما تفرزه من نتائج مهما كانت, بل يبدو الأمر على نحو معاكس؛ حيث نجد أن الديمقراطية هي التي تحني رأسها دائماً, وتذعن لكل صيغ التوازن والتوفيق والتمثيل والتقاسم بدليل أن رئيس حزب معارض يتولى قيادة برلمان يأوي تحت قبته أغلبية ساحقة لحزب آخر. أليس من حقنا أن نقلق على مستقبل بلادنا ونتساءل.. إلى أين تسير اليمن.