أوروبا على هامش انفلونزا الخنازير
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر
الإثنين 11 مايو 2009 09:38 م

لم يحمل عصر من العصور من البراهين والدلائل على صدق رسالة الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما حمله عصرنا، من البيّنات والدلائل والبراهين، لأنه عصر العلم.

بالأمس القريب ضجت كل أوروبا من مرض جنون البقر، غير أن مئات الملايين من عبدة البقر، ومقدسي أبوالها وأرواثها وأزبالها، في القارة الهندية، لم تهتز لهم شعرة، في تقديس وتنزيه إلههم، المبرأ عندهم من كل النقائص والعيوب والأمراض، إلاّ من مرض الجنون، ذلك الإله المجنون المريض بهذا المرض الفتاك الذي أفزع العالم، وأعلن فيه حالة الاستنفار، أو قل حالة الطوارئ غير المعلنة، إلاّ أنا لم نسمع أحداً من عقلاء العالم ينال من قدسية البقرة المجنونة، رغم حالتها المرضية المرعبة هذه.

وهاهي أوروبا تعود مجددا إلى حالة الهلع والفزع والذعر خوفاً من مرض إنفلونزا الخنازير، ولعلّ من الطريف أن يظهر هذا المرض أولاً في أصدقاء وإخوان الخنازير، أعني اليهود، فهم أكثر ملاصقة ومعايشة لها، وليس بالطبع هذا هو المرض الوحيد الذي يحمله الخنزير، بل هذا أهم الأمراض وأخطرها، وإلاّ فإن الخنازير هي مستودع كل الأمراض والأوباء، وينصح الأطباء بالابتعاد عن معايشة الخنازير، كأهم علاج وقائي لهذا المرض وغيره.

هذه الإرشادات الطبية التي يعلنها اليوم أطباء الغرب وعلماؤه، سبق إليها الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً من الزمان، كما قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}النحل115.

وأرى من المهم في هذا المقام الإشارة أيضا إلى أنّ الكلاب تعدُّ مستودعا للأمراض والأوبئة، ومن الثابت علميا أن الكلاب تنقل أكثر من 50 مرضا معدياً، وذلك بسبب اعتمادها في غذائها على القاذورات والنجاسات، بخلاف القطط، فالقطط من الحيوانات الأليفة، وتمتاز بالنظافة والبعد عن النجاسات، بل القط هو الحيوان الوحيد الذي يدفن مخلفاته في التراب، بخلاف الكلب الذي في بعض أحيانه ربما عاد إلى مخلفاته فأكلها، ولذا جاءت تعاليم الإسلام، بجواز سكنى القطط في البيوت، وقال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) بخلاف الكلب الذي ورد النهي الشديد عن دخوله البيوت والمنازل، فضلا عن السكنى والمبيت أو المعايشة لأهل الدار، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم(إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة). والحديث في الصحيح.

هذه من المعلومات التي لا تكاد تخفى حتى عن عوام الناس اليوم، سبق الإسلام علماء عصرنا إلى تقريرها، وبيان تفاصيلها، بأسلوبه العالمي العلمي الفريد، الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان.

وبالجملة فأوروبا بشقيها الشرقي والغربي في حالة قلق واضطراب وخوف وهلع وجنون مستمر لا يقل عن مرض جنون البقر، إن لم يكن أكثر منه، بكل تأكيد.

لا تزال أوروبا تعاني من غصص الانهيارات المالية والاقتصادية التي فاقت كل التوقعات والحسابات والتقديرات، حيث سُرّح آلاف العمال من أعمالهم، وأفلست مئات الشركات والمصانع والمتاجر والبنوك، وباتت أمريكا وأوربا في مهب الريح.

يُرجع علماء الاقتصاد أسباب هذه الانهيارات الاقتصادية إلى جملة من العوامل، من أهمها ارتفاع سعر الفائدة، ولذا ينصح علماء الاقتصاد وخبراء السياسات الاقتصادية في الغرب، بضرورة خفض الفائدة إلى أدنى مستوى وهو الصفر، بمعنى إلغاء \"الفائدة\" من قاموس الاقتصاد الغربي، وهذا معناه، منع المعاملات الربوية، أو ما يسمى في الفقه الإسلامي ربا الفضل.

ولا تزال أوروبا تلعق جراحها الاقتصادية بسبب الربا، حيث وجدت أوربا نفسها، أسيرة لمجموعة من المرابين اليهود، ففي أمريكا على سبيل المثال يتحكم في الاقتصاد الأميركي خمس عائلات، فقط لا غير، هي من يدير الاقتصاد الأمريكي، وهي من يتلاعب بأقوات وحياة الشعب الأمريكي وكرامته، والشعب الأمريكي كله تحول إلى فئة من الخدم والعمال الكادحين لهذه الفئة البغيضة.

هذه الحالة المزرية إنسانياً، حذّر منها الإسلام كنتيجة حتمية للربا، حيث يصير المال دُولة بين الأغنياء الرأسماليين، فيما يتحول عموم الناس إلى خدّام وكادحين للرجل الرأسمالي المستعبد والمستعمر لهم.

وفي تقديري أنّ من الخطأ القول أن الشعب الأميركي شعب حر، لأنه في واقع الحال شعب مستعبد غاية الاستعباد، يعاني الأمرّين من البنوك وشركات التأمين المالية التي تقرضه بعض الفتات، ليظل طوال حياته أسيراً لها، يكدح لتسديد هذه الديون التي تتراكم وتتضاعف عليه أضعافا كثيرة، كلما عجز عن السداد.

وبالتالي فالشعب الأميركي هو ربما من أكثر شعوب الأرض استعمارا وعبودية وفقرا وضياعا، ولعلّ أزمة الدين العقاري في أميركا وأوروبا هي إحدى النتائج الحتمية لهذه الحالة المأساوية التي يعشها الرجل الغربي، حيث من المحال أن يسجن شعب أو قل شعوب بأسرها مقابل الديون الضخمة التي عليها، فكانت النتيجة الطبيعية هي هذه الانهيارات الهائلة، وعلى كل المستويات والصعد.

رافق وصاحب هذه الانهيارات انهيارات اجتماعية كبيرة، وانتشار للأمراض والأوبئة كالإيدز والسيلان والزهري وغيرها من أمراض العصر الفتاكة، مما جعل الحضارة الغربية في واقع الحال تعيش في غرفة الإنعاش، أو قل لعلها ماتت منذ زمن بعيد وشبعت موتاً، وإن كان يخيّل للناظر أنها لا تزال تقف على قدميها، تصارع هنا وهناك.

إن الحضارة الغربية - في حقيقة الأمر - إنما تقف حضارتها على منسأة سواعد العالم العربي والإسلامي المهاجر إلى أوربا وأميركا، وهم من يدير الحياة الغربية عمالا وصناعا وخبراء ومخترعين وزراعا وأساتذة، أو اللهم بقايا الغربيين الذين لم يسقطوا في وحل ومستنقع الحضارة الغربية وإباحيتها التي لم يشهد لها التاريخ الإنساني مثيلا.

وتحضرني هنا في هذا السياق قصة ذات دلالات عميقة، تعبر عن حقيقة الحضارة الغربية، فقد زار رجل شرقي أمريكا، وصدم لما رآه من حضارة ومدنية وعمران وصناعات..نظر إلى ناطحات السحاب والمصانع والشركات العملاقة، والخدمات والحريات وثورة الاتصالات والنت..نظر الرجل إلى إحدى ناطحات السحاب في نيويورك، فقال ترى ماذا في هذه الناطحة من عجائب وعلوم ومعارف وحضارة ومدنية وتقنيات..؟!لم يقف متفرجاً بل حملته قدماه إلى السلم الكهربائي ليضغط على الزر ليصل إلى الدور المائة ونيّفا، ليرى بعضا من عجائب ناطحات السحاب، حمله المصعد الكهربائي متثاقلاً، إلى الأعلى وهو ينظر إلى الأبنية والأسواق..تحت قدميه، حتى وصل إلى الدور المائة والثلاثين، دخل إلى ساحة كبرى، ليرى بشرا من الناس، عراة، يتسافدون تسافد الكلاب والحمير، يشربون الخمر ويحتسونها، لم يجد الرجل في هذه الأمة - من البهائم البشرية- أحدا يسمع منه أو يكلمه أو يسأله أو يحدثه، فكلٌ في شغل فاكهون.

تلكم يا سادة هي حقيقة الحضارة الغربية، حضارة الخمرة والمخدرات والإباحية والأمراض الفتاكة، تلكم هي أهم أزمات الحضارة الغربية التي لا منقذ لها إلا بالعودة إلى تعاليم الإسلام، التي يعلن عنها الغرب في كل يوم بأنها هي التعاليم الربانية، وأنها هي الأعظم والأسبق والأسلم والأعلى والأجمل، والأكمل والأفضل، والأسمى، وإن لم يشعر القوم، أو ربما يشعرون، لكنها الكبرياء بالباطل والجحود الذي أخبرنا الله ورسوله عنه في قوله سبحانه وتعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} النمل14.

والحمد لله رب العالمين،،

Moafa12@hotmail.com