3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024 الجيش الروسي يعلن عن السيطرة والتقدم وهجوم صاروخي عنيف يستهدف خاركيف مكافأة فورية ومغرية من الاتحاد الكويتي للاعبين بعد هزيمة الإمارات الكويت تقهر الإمارات بهدف قاتل في خليجي26 مارب برس يكشف عن شبكة حوثية تغرر خريجي الإعلام للعمل مع منظمة مضللة في صنعاء محاولة تصفية مواطن خلال تلقيه العزاء بوفاة زوجته بمحافظة إب منتخب عُمان يحول تأخره بهدف أمام قطر إلى فوز 2-1 النائب العام السوداني: 200 ألف مرتزق يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع معارضون في تل أبيب: يجب على إسرائيل أن تضرب إيران بشكل مباشر إذا كانت تريد وقف الحوثيين المليشيات الحوثية تعتدي على أحد التجار بمحافظة إب
عاصمة اليمن صنعاء، مدينة ساحرة تعبق بالأصالة والعروبة في كل زاوية وشارع وزقاق. مدينة تقاوم التشويه العمراني، وتزهو بطابعها، عروس للجبال الشاهقة، طاعنة في حب ماضيها وتاريخ يرفض المغادرة ويصرّ على البقاء.صنعاء عالية القامة على تخوم جبال رمادية تهدهد من روْع المدينة وانفعالها وتمدّها بالسكينة واليقين .
مدينة مضرجة بالبساطة والطيبة ويعض الفقر على محيّاها تجاعيد الجدة بحكمتها ونظرتها الثاقبة وخوفها على سلالتها التي رحلت إلى الشمال. صنعاء آخر ما تبقى من بيوت سبأ وبوابات الحميريين وخندق متقدم للدفاع عن هوية العمران العربي في وجه بيوت الزجاج المطوقة بالاسمنت المسلح.صنعاء ملكة متوجة في حرية التكوين والبوح بالدهشة وسرّ اللون، وفضاء التشكيل.مدينة مسكونة بحب فلسطين وبالغيرة على العرب والعروبة، مدينة تحدها بعيداً الى الشمال أرض العرب والى الشرق أرض العرب والى الغرب بحار العرب والى الجنوب شطآن العرب، في صنعاء أينما وليت وجهك ستجد العرب.في صنعاء شاركت في مؤتمر دولي حول الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير وتعرفت إلى مجموعة رائعة من اليمنيين الذين يكرسون وقتهم والكثير من أموالهم والأهم عقولهم وقلوبهم من أجل أن يفعلوا شيئاً لفلسطين، شيئاً يليق بصمودها وشموخها وعطائها ومقاومتها. رجال يعملون بلا ضجيج ويحبّون بصمت، تشغلهم فلسطين في كل تفاصيلها، من الاسم وحتى لقمة العيش، رجال يتساءلون ترى كيف تنام فلسطين.. وماذا تأكل فلسطين كيف تتعلم فلسطين وكيف تداوي جروحها، شيئاً يذكرنا ويعود بنا إلى حماسة الناس في أيام المقاومة الأولى، شيئاً لا يمت الى التمنن والاستعراض بأية صلة، شيئاً ينتمي إلى الوطنية الأولى والقومية الأولى، يفيض بالنخوة ويرتجل العطاء. في صنعاء تعرفت الى جمعية كنعان التي يرأسها الأستاذ يحيى صالح بسيطاً كما الخبز ووطنياً كجبل. في صنعاء تعرفت الى أناس يحبون بلادهم وأهلهم ويغارون على أوطانهم ولهذا يعملون لفلسطين ليس بدافع الإحسان والشفقة بل بدافع الغيرة الوطنية والكرامة القومية ونبل الأخلاق الإنسانية. لا ينقصهم جاه ولا شهرة ولا ينتظرون ثناءً ولا مديحاً ولا حتى العرفان. في صنعاء تصل فلسطين درجة القداسة في زمن دمرت فيه القيم وتحطمت فيه صور البطولة ورموز العزة، وفي زمن أُخلي المسرح من كل ما يذكرنا بالهوية ويعود بنا الى حيث يجب أن نكون. في صنعاء المشهد عربي بامتياز.في صنعاء تبدو فلسطين قوية حاضرة وشامخة تحظى بحب أهلها وغيرتهم عليها. في صنعاء شعور بالانتماء الى هذه الأرض الطيبة، في صنعاء لمست معنى الجذور وأدركت أن اليمن ـ موطن الهجرة الأولى والهوية الأولى ـ يزهو بأهله ويفخر بانتمائهم إلى أرضه العتيقة، في صنعاء أدركت لماذا هذا اليمن، ما زال منيعاً وعصياً لا يعرف معزى ولا يهتدي إلى معنى إلا حينما يتعلق الأمر بفلسطين وحين يتعلق بهذه الأمة.في صنعاء ترقرقت الدموع في عيون معظمنا ونحن نستمع للفيلسوف المغربي الكبير ـ محمد عابد الجابري وهو يعرّف بنفسه إلى أعضاء المؤتمر من على منصته بأنه مغربي وعربي وأمازيغي من أصول حضرمية يمنية.
في صنعاء أدركت كيف ان عباقرة الأمة وأفذاذها، هؤلاء المدافعون البواسل عن هوية الوطن ولغته.. هؤلاء الحالمون بالعدالة والحرية والتحرر والوحدة.. التواقون إلى تجاوز التخلف والفقر والبطالة والتجهيل.. أصحاب مشروع النهضة والتنوير والإصلاح والتغيير.. رأيت في صنعاء كل هؤلاء يتسابقون على المجاهرة بتأكيد معنى الجذور وقيمة الانتماء إلى بلادهم الأولى وموطنهم الأول. في صنعاء رأيت مناضلي الحرية والديمقراطية من كل بلاد العرب وهم يحدّقون في بوابات العرب وقلاع العرب وجبال العرب اليمنية، يتأملون بشعور الفخار والعزة، وليس بنظرة السائح ولا بدافع الفضول وإنما بشعور الابن العائد إلى وطنه بعد غياب طويل. في صنعاء عرّفت بنفسي إلى سيدة موريتانية شامخة الطول وتعبق بالملامح العربية.. قالت لي بعد أن عرفت أنني فلسطيني وقادم من فلسطين (أنتم أحباء قلوبنا، أنتم أعز الناس إلينا، أنتم من ننتمي إليكم ولا نعرف متى سنصبح جديرين بأن تنتموا إلينا. في صنعاء رأيت سيدة كويتية ومثقفة من عائلة عربية عريقة تبادرني القول (هل وصلتم من هناك؟) قالتها والغصة في حلقها.. (لا تصدقوا أحداً، نحن نحبكم). في صنعاء رأيت أجيالاً عربية جديدة، رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً يعرفون عن التحول الديمقراطي، وعن الإصلاح وعن الشراكة وعن التنمية وعن معوقات التحرر وآليات التغيير أكثر بكثير مما يعرفون عن مسابقات الأغاني ومطاعم الوجبات السريعة وأخبار الزواج والطلاق وعمليات التجميل لفنانات عصر الأمركة وثقافة الهوية الضائعة. في صنعاء رأيت أناساً يعرفون ابن خلدون وابن رشد وابن بركة ويحفظون أسماء كبار الشهداء عن ظاهر قلب دون تكلف أو خوف أو تردد. في صنعاء رأيت الجرح الفلسطيني يرتسم على وجوه العرب من مراكش وحتى خليج عدن، في صنعاء تملكني شعور غامر بأن فلسطين كانت فوق الاعتبارات وستظل فوق كل ضغينة وقبل كل قضية. في صنعاء عرفت وتيقنت أن فلسطين بانتمائها إلى عروبتها وبانتماء العروبة إليها أقوى من كل الأحلاف وكل المحاور وكل القبائل الأميركية الجديدة.في صنعاء أصغيت إلى شاعرة مغربية مولعة بأوطانها في بلاد العرب، شاعرة تعشق الشعر إلى درجة الشبق وتفخر بالأنثى العربية إلى درجة الزهو الثمل وتكتب لفلسطين في حدقات عيونها السمراء وبلون قمحيتها الداكنة.في صنعاء رأيت العرب العرب. في صنعاء عانقني الفلسطينيون الفلسطينيون من أصول يمنية. في صنعاء عدت الى وطني، ومن صنعاء أعود إلى وطني وأنا أدرك أكثر من أي وقت مضى كيف بدأت رحلة قبيلة طي العربية اليمنية وأين استقرت في بلاد الشام جنوبهاوشمالها، وكيف أهدت لبلادي اسمها الأول واسمتها باسم الهتها المقدسة (الضالات) وكيف تحولت فلسطين كاسم إلى فلات طي.. أو فلست الطيين حتى صارت فلسطين. في صنعاء حلمت أن مطراً ناعماً يهطل على الرباط ويسير الوديان والجداول لتصب في عدن . |