مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
مأرب برس - خاص
تحدثنا في المقال الماضي عن بعض الآراء والفتاوى المفخخة من بعض العلماء الذين يطرحون بعض الآراء التي ينقصها الشرعية والواقعية ، وهي كثيرة ، أشرنا إلى نماذج منها ، فيما مضى ، لم نقصد من ذلك إلا التناصح وإزالة اللبس ، فيما نراه ، على أنّ هناك طرفاً آخر في التوجيه الإجتماعي وصناعة الرأي العام ، وهم الإعلاميون ، له أيضاً بعض الآراء والمواقف الواجب الإشارة إليها ، في خضم المسيرة الإسلامية الظافرة ، داخل إطار الصحوة الإسلامية المباركة وخارجها ، نشير إليها فيما يأتي ، علّ الله تعالى أن ينفع بها ، وهي كما يلي:
أولاً: ضرورة تسلح هذه الفئة بالعلم الشرعي الكافي ، بمعنى أن يكون لدى الإعلامي المسلم القدر الكافي من فقه الحلال والحرام ، ومعرفة المحكمات الشرعية ، التي لا يسع المسلم بحال جهلها ، كأركان الإسلام والإيمان ، وأساسيات الشريعة المطهرة ، ولعلّ هذه النقطة بالذات هي سبب من أسباب الفتنة ، في الصف الإسلامي ، فليس شرطا أن يكون كل من انتسب إلى الصحوة أو الدعوة الإسلامية أن تكون كل آرائه صواباً ، بل لقد وقع في صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجهل ببعض الأحكام الشرعية ، وتحدثوا عنها ، ونقلتها إلينا كتب السنة ، كما في حديث عمار الذي كان يجهل كيفية التيمم ، وعمر رضي الله عنه الذي كان يريد تحديد المهور ، وفاته قول الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }النساء20 ، وكما كان موقفه رضي الله عنه من وفاة النبي ،صلى الله عليه وسلم ، واجتهاده بأن النبي لا يموت بل يرفع ، بل قال من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم مات ، ضربت عنقه!! حتى بان له الحق على يد أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين .
إلى غير ذلك من المواقف الكثيرة التي مُلأت بها كتب السنة والسيرة ، وإلى هنا لا إشكال كبير في الأمر ، فالجهل يعالج بالعلم والتعلم ، وشفاء العي السؤال ، وإنما الإشكال الأكبر من جهتين:
الأولى: إصرار بعض الإعلاميين أن هذا هو الشرع والدين ، فيقول بعضهم مثلا بولاية المرأة الولاية العظمى ، أو كون الحجاب الشرعي ليس دينا وشرعا يتعبد الله به ، وإنما هو عادة عربية أصيلة ، لا إلزام شرعا بها ، مثلا ، أو كون الربا الإستهلاكي ليس ربا ، أو قوله بأن المرأة الأولى والأفضل أن تستقل الموتور سايكل في المدن العامة ، بدلا من الستر والحشمة ، ما أمكن ، أو أن لها أن تكشف عن بعض مواطن الفتنة قياسا على الإماء في زمن النبوة ، أو أن تختلط بالرجال الأجانب ، في السينما والمقاهي والأماكن العامة ، أو جنوح بعض الإعلاميين إلى مطبّلين ومزمرين لسياسات القمع الحكومية ، وأبواق تدافع عن تقنين الفساد والظلم ومصادرة الحريات في المجتمع الإسلامي ، أو أقلام تدافع عن الخنا والفجور باسم الحريات الشخصية ، أو أقلام تسبّح وتحمد بالديكتاتورية السياسية والتعليمية والاقتصادية .. أو تمجّد الغرب وكلّ ما هو غربي بصرف النظر عن مدى موافقته للإسلام وعادات وتقاليد مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة ، أو تعزيز العنف الثقافي والفكري ، إلى غير ذلك مما يطول ذكره وإحصاؤه في هذا المقام .
إن مجموع هذه الآراء عبارة عن مفخخات ومتفجرات فكرية تمزّق المجتمع وتزرع فيه الانحلال والفساد والشتات ، وتشيّد مجتمع الكراهية والاستبداد ، وتعلي إمبراطورية الشيطان .
إن قدراً بسيطا من الفقه والعلم ، يرفع طرح مثل هذه القضايا في صحفنا ومجلاتنا ومواقعنا الإلكترونية ، ففي كل قضية مما ذكر نصوصا شرعية يصل بعضها حد التواتر ، إن لم تكن جميعها .
إن مما ذكره العلماء في وجوب طلب العلم أنه يجب على التاجر أن يتعلم القدر الشرعي الكافي لمعاملاته التجارية ، والمجاهد يجب عليه أن يتعلم ما يكفيه من أحكام الجهاد ، ويدخل في هذا كل أصحاب الحرف والمهن ، فيجب على الجميع أن يتعلم القدر الشرعي الكافي الذي يُعرف به الحلال والحرام منها ، حتى لا يَهلك أو يُهلك ، فكيف بمنابر التوجيه والإرشاد في الأمة؟! لا شك أن الأمر أوجب وألزم .
وأقترح لعلاج هذه الإشكالية بأن يتم عمل دورات شرعية برعاية رسمية وشعبية لنشر وتعلم أحكام الإسلام لدى الإخوة الإعلاميين ، ويستضاف لها كبار العلماء والدعاة ، وأقترح أيضا تطعيم مناهج كليات الإعلام بهذه الأصول والكليات الشرعية التي يتطلبها الإعلام الإسلامي ، وهذا سيوفر علينا كثيراً من الطاقات والأموال والإمكانيات التي تهدر في حمأة الصراعات الفكرية ، ما كانت لتقع لو أن لدى هذا الطرف أو ذاك أبجديات الأحكام الشرعية التي لا يسع المسلم جهلها .
الإشكالية الثانية في هذا المقام: أن يتعامل بعض العلماء مع هذه الأخطاء التي قد يكون بعضها عن علم أو غير علم على أنها مقصودة جملة ، فيلقون بتهم التكفير أو التفسيق دونما نظر لكون قائلها جهل أو ضل ، مما يتنافى مع أسلوب دعوة الهداية والإرشاد والرحمة والرأفة التي تتطلب الإعذار والتأليف والأناة والحلم ، وهذا لا ينافي تغيير المنكر وبيان الجرم وشناعته ، غير أن ما تقتضيه طبيعة الدعوة في أزمنة الاستضعاف والفتنة ، التلطف في البيان قدر الإمكان ، لا سيما أيضا مع شيوع الجهل .
ثانياً: لا يجوز ولا ينبغي نقد الأشخاص والهيئات على وجه التشهير والتلفيق والإثارة ، بل النقد الإسلامي نقد راق وسامٍ يستهدف تقويم الإعوجاج وإصلاح الأخطاء وتصحيح المسار ، ولذا يتحاشى الإعلامي المسلم التعرض للأشخاص والهيئات عموماً ، وخصوصاً العلماء ورثة الأنبياء وحملة الرسالة ، وهذه الجملة من الكلام فيها تفصيل يسير على النحو التالي:
أ- لا يدخل في هذه القاعدة النقاش العلمي القائم على الأصول الشرعية في البيان ، فلا بأس من بيان الخطأ وتوجيهه وتصحيحه ، وفق القواعد الشرعية المعتبرة ، لا على وجه التشهير أو الانتقاص أو تناول ذات الشخص ، بل الواجب هو تناول الفكرة ذاتها وبيان ما لها وما عليها ، دون البناء أو التأسيس عليها ، أو محاكمة النيات ، ما لم تكن منهجاً لصاحبها أو أصلا وقاعدة كلية له ، ويكون ذلك من قِبل أهل العلم والفقه ، كما سيأتي لاحقا بيانه .
ب- لا ينبغي تتبع زلات العلماء وهنّاتهم وأغلوطاتهم ، بل تطوى ولا تروى ، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ، وتغتفر هذه الزلات في بحار حسناتهم ، فالنظر إلى العلماء نظر الأعمى أو الأعور أو المغشي عليه من الموت ، لا يجوز ، لأن العبرة بالغالب من الأعمال ، كما قال تعالى : {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المؤمنون102 ، والكمال عزيز ، كما قال الإمام الذهبي .
ت- العالم الماجن ، وهو الذي يتبع هواه ومزاجه الفاسد في التحليل والتحريم ، فلا بأس من ذكر فساد آرائه وتفنيدها ، وتحذير الناس منها ، بشرط أن يكون ذلك من أهل العلم ، وفق ما هو مقرر شرعاً من حرمة السخرية والغمز واللمز ، وحرمة الكذب ، أما الصحفيون والإعلاميون فهم لا ناقة لهم في هذا الباب ولا جمل ، وبالتالي فالقول بجواز تحرير آراء العلماء والرد عليها من كل أحد ، قول غير صحيح ولا سديد ، بل يجب أن تكون مناقشة هذه الآراء وتصويبها وتصحيحها من أهل النظر والعلم والفقه والديانة والإطلاع على نصوص الشرع الحنيف ، ومحكماته ومشتبهاته ، وقطعياته وظنياته ، والواجب هنا الأخذ على أيدي من يتقحمون هذا الباب من صحفيين وإعلاميين ، الذين يضعون آراء العلماء على مشرحة أهوائهم وأمزجتهم وجهلهم ، فيخبطون خبطاً ويخلطون خلطاً لا يعلمه إلا الله ، بلا برهان ولا دليل ولا حجة ولا أثارة من علم .
وكم قرأنا واطلعنا لأقوام من الإعلاميين الذين لا يفقهون أحكام الطهارة ، يناقشون آراء أحمد بن حنبل ومالك والشافعي ومالك ، وأبي حنيفة ، وشيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم ، وغيرهم من أعلا م الهدى ، تصحيحا وتصويبا وتخطيئا ، قائلين هذا جائز وهذا غير جائز ، وكما قيل:
يقولون هذا عندنا غير جائز * ومن أنتم حتى يكون لكم عند .
ولذا يتوجه القول بأن آراء العلماء واجتهاداتهم الشرعية ، يناقشها العلماء ، وأهل الصنعة منهم ، وكما قيل دعوا الخبز للخباز ، ولعل أكثر ما نجده من تصارع إعلامي وتضاد فكري بين بعض علماء الشريعة والإعلاميين والصحفيين ، إنما هو بسب دخول الجهال ، وأنصاف العلماء وأرباعهم لمناقشة القضايا الشرعية التي لو وقعت زمن عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر .
وهذا بالطبع ليس على إطلاقه فهناك من القضايا الشرعية ما هو معلوم لدى عموم الأمة ، فلا بأس من بيانها وإيضاحها والدعوة إليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية ) .
3) كثير من الكتابات الصحفية والإعلامية ردود أفعال ، للأسف ، وهذا القدر لا إشكال فيه أيضاً ، وقد وقع قديما وحديثاً ، وسيظل ما بقي الليل والنهار ، وإنما الإشكال هو الانتصار للذات على حساب الحق ، وما نراه في صحافتنا من ملاسنات وصراعات وعراكات ، وأسواق عكاظ ، هو في هذا الإطار البعيد عن النقاش العلمي الرصين والهادئ والمستوعب للمسألة في محل النزاع ، بل هو عبارة عن تهريج وتفريغ لمشاعر الحقد والكراهية ضد هذا الطرف أو ذاك .
إن التجرد والبعد عن الأنانية والذاتية والأحقاد الشخصية شرط في الصحافة الإسلامية الناجحة والفاعلة .
4) غياب الوعي لدى جمهرة الأمة ، يعد عائقا كبيرا يقف في وجه البناء والإصلاح ، فحيثما سمع الناس فتوى من صغار طلبة العلم ، أو رأيا أو مقالا في صحيفة ، سلّم الجميع بكل ذلك ، و إن مما ساعد في غياب الوعي هذا السيل العرمرم من الفضائيات والفضاءات الإعلامية ، التي تمجد كل رويبضة ، وتضع كل من رفعه الله ورسوله ، وأعلى قدره ومكانه كالعلماء والصلحاء والخيرون في هذه الأمة المباركة .
وتلك هي الغثائية التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، إنها الغثائية التي تحرّكها أمواج المياه الآسنة يمنة ويسرة ، لا تملك لنفسها رأياً ولا حولا ولا طولا ولا مقاومة .
وعلاج غياب الوعي الإسلامي لدى جماهير القراء والكتّاب يبدأ من صناعة نماذج إسلامية إعلامية راقية في العرض والأداء والحوار والنقاش ، والوضوح والشفافية ، وتعزيز قواعد التصور الإسلامي في الضمير الإسلامي .
وأكتفي بهذا القدر ، على أن الموضوع يحتاج إلى مزيد تنقيح ودراسة ، وهذا جهد المقل ، والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل .