فتاة تسأل .. الحب عيب ولا حرام
بقلم/ إسلام أون لاين- أحمد عطا
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و يوم واحد
الأحد 26 يوليو-تموز 2009 06:15 م
 
 

أرسلت مراهقة تسأل بكل وضوح وشفافية وعفوية: "أريد أن أعلم لماذا الحب محرم؟ ولماذا يرفضه المجتمع؟" وأجابت عليها د.ليلى الأحدب "   المحررة فى النطاقات الاجتماعية بشبكة اسلام أون لاين.نت

بكل حسم ووضوح أيضا قائلة: "لم يقل أحد من مستشارينا إن الحب حرام، ولا حتى فقهاء هذا الموقع الكرام، ولكن الحب إذا أدى إلى حرام فهو حرام".

هل فهمتم شيئا؟ هل زال اللبس لديكم؟ هل نستطيع أن نحب الآن ولا يقف المجتمع بوجهنا؟ أم أن المجتمع سيخاف علينا من أن نقع في المحظور وبالتالي ليس مقبولا أن نطلق لمشاعرنا العنان؟

لا أدري.. ربما لأن ما قيل في الحب من آراء العلماء والفقهاء والباحثين وما رسخه المجتمع من عادات أكبر من أن نختصره في المقدمة، أو ربما لأن مراهقين هذا الزمان قرروا أن يحبوا بطريقة مختلفة، أثارت حفيظة المجتمع فمنع الحب من أساسه، وحرمه في الوقت الذي كان فيه الحب غير محرم دينا وفطرة.

من خلال رأي المراهقين، ومن خلال عرض التجارب الإنسانية الواردة على صفحة مشاكل وحلول الشباب نحاول الوصول لرأي محدد حول الحب ومشروعيته، هل هو حرام أم حلال؟ ومتى يمكننا أن نحب؟ ومتى يجب ألا نفعل ذلك؟

آراء متناقضة

من قراءتنا الأولى نجد أن مجتمع المراهقين متخبط؛ فلا رأي محددا له حول الحب، فتدافع إحداهن عنه قائلة: لماذا الحب حرام؟! "أريد أن أعلم لماذا الحب محرم إذا ضمن الشخصان نفسيهما، وكان هدفه الزواج؟ ولماذا لا يتفهم الأهل طبيعة أن هذا العصر يختلف عما عاشوا فيه؟!"، وتستنكر أخرى وجود الحب من أساسه فتقول في استشارة "دفاع حار.. الحب كما ينبغي أن يكون": "ما معنى الحب؟ وهل يوجد فعلا على أرض الواقع؟ لا أعتقد.. كل المشاعر بين الشباب لا تعبر إلا عن الجنس فقط، لا يوجد شيء اسمه (حب) إطلاقا".

"لو أن الحب كان حبا!" استشارة أخرى يبث فيها شاب في العشرين من عمره أنين حبه وولهه بابنة عمه التي رفضت الاستماع إلى أشواقه متعللة بأن ذلك حرام، فيقول: "أحببت ابنة عمي من فترة طويلة، وصار كل منا يحب الآخر لدرجة العشق، وفجأة وبعد مرور خمسة أشهر أحسست أنها تبتعد عني، وعندما سألتها أجابت: إن الطريق الذي نسلكه هو طريق حرام يغضب رب العالمين؛ ولذلك أنا أفضل أن نقطع علاقتنا، ولكن سيبقى الحب في القلوب، أما النصيب فهو بيد رب العالمين"، هل أدركت تلك الفتاة أن هذا هو الطريق الحرام الذي يؤدي إليه الحب فابتعدت من تلقاء نفسها؟

تتضارب آراء المعلمين أيضا حول الحب؛ فتشجع إحدى المعلمات تلميذاتها عليه فتقول: "إن الفتاة المراهقة التي لا تمر بتجربة حب ليست فتاة طبيعية، والتي لا تعيش مرحلة مراهقتها بشكل عفوي سوف تعاني من المراهقة في سن متأخرة". في حين يختلف آخر كليا مع هذا الرأي، وأرسل يسأل عن صحة ذلك في استشارة بعنوان: "سخافات الخلط بين الحب والجنس ".

أحيانا أخرى يقع المراهق ومدرسه كلاهما في الحب، فكيف سيكون رأي المعلم في تلك الحالة هل يحرم الحب على نفسه وعلى تلميذه، أم يحرمه على تلميذه ويحلله لنفسه؟! هذا ما سنراه في استشارة "طالباتي يفكرن في الحب.. وأنا أيضا!" فتتساءل إحدى الداعيات (25 سنة) كيف تنهى المراهقات عن الحب وهي تمر بنفس المشاعر.. تقول: "كيف سأصف الدواء وأمسك بأيديهن نحو الطريق السليم وأنا أشعر بأن بذور مرضهن تغزو قلبي؟! كيف أعظهن وأنهاهن وأنا يخامر قلبي من المشاعر مثلهن؟‍‍‍‍‍‍ كيف لو كشف ما يعتلج في قلبي؟ كيف سيحترمنني؟!".

 

كيف يكون الحب حراما؟

كل تلك الأسئلة وغيرها عن الحب تفندها د.ليلى الأحدب المستشارة الاجتماعية بشبكة "إسلام أون لاين.نت" قائلة: إذا أدى الحب إلى حرام (الزنا أو ما يقرب منه) فهو حرام، فالشاب والفتاة كلاهما يميل إلى الجنس الآخر بالفطرة، ومن الصعب أن يمنع الشاب -حتى لو كان خلوقا- غريزته من أن تمتطي خياله، وإذا كانت الفتاة متساهلة فقد يقع بينهما المحظور، فسيدنا يوسف عليه السلام قال: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن}؛ أي أنه طلب من الله سبحانه أن يصرف عنه كيد النساء اللاتي كن يردن أن يقيم معهن علاقة، فهذا نبي ولجأ إلى الله خشية الوقوع في الزنا، فما بالك بشاب يحب فتاة ويخرجان معا ويدخلان معا؟!

 

وتستطرد ليلى أن الخلط بين الحب والجنس أدى إلى سخافات شائعة بين الشباب والفتيات باسم الحب وهو منها بريء، فكما يساء استعمال الدين، والقانون، والأدب، والطب، وغيرها، فكذلك يساء استعمال الحب؛ وهو ما أدى إلى رفض المفهوم في حد ذاته عند الكثيرين من الملتزمين واعتباره حراما أو خروجا عن الأدب، أما الحقيقة فإن الإسلام -وهو الثوب السابغ للفطرة الإنسانية- لا ينكر أشواق الروح، ولا يهمل مطالب الجسد، بل يعترف بالميل الغريزي بين الجنسين؛ لأنه الأساس الذي تقوم عليه الحياة والنسل.

ليس الذكر كالأنثى

ولكن من المسئول عن تشويه صورة الحب ومعناه الإنساني الرائع؟ تقول ليلى الأحدب إن ذلك يرجع للمصدر الذي نستقي منه انطباعاتنا عن الحب، مثل قراءة القصص المباعة بأبخس الأثمان تحت اسم القصص الرومانسية، أو من خلال ما يعرض من أفلام عاطفية، وهي أبعد ما تكون عن العاطفة، وإنما هي جنس بحت، هذه القصص وتلك الأفلام تغري من لم يعرف قيمة الحب بأن يستغل الآخر باسمه، لذا يجب على الفتاة أن تكون أكثر حذرا من الشاب عن الأزمنة السابقة؛ لأن الأخلاق في تردٍ دائم.

وتبرر ليلى الأحدب رفض المجتمع للحب قائلة: إن المجتمع لا ينظر إلى الفتاة التي تخرج مع شاب لا تربطها به علاقة رسمية، سواء خطبة أو عقد قران، إلا على أنها فتاة لعوب؛ لأنه لا أحد يعلم إن كانت هذه الفتاة ستكون من نصيب هذا الشاب أم لا؟ كما أن المجتمع يخاف على فتياته؛ فقلب الأنثى ليس كقلب الذكر، فإذا كان الحب لدى الرجل من الناحية النفسية أغلبه إرادة أخذ وانتزاع، فإن الحب لدى المرأة معظمه رغبة منح وعطاء؛ لذا فكيف ستمنح المرأة حبها وعطاءها لرجل لن تتزوجه في الوقت الراهن؟!

نصائح تربوية

وردا على اللبس الذي أصاب بعض المعلمين، والتوجيهات الخطأ التي يقولونها لتلاميذهم من المراهقين تقول ليلى: من المهم أن يعرف المراهقون والمراهقات أن الحب ليس عيبا ولا حراما؛ كي لا يتجهوا بعواطفهم المتقدة في هذه السن وجهة خطيرة جدا، وهي الوجهة المثلية، بل يجب أن يشرح لهم أن الحب شعور قسري لا يتعلق به تكليف، ولا يدخل في نطاق الأحكام أو المحظورات؛ فالإسلام ليس له انتقاد على الحب، ولكنه ينتقد الانحرافات التي يقود إليها هذا الحب.

كما ترجع ليلى الأحدب سبب تفلت المراهقين إلى كونهم تربوا على أن مجرد التعامل -بل والتفكير- في الجنس الآخر هو منكر وكبيرة من الكبائر، فلما بلغوا غدا ميلهم الفطري أكبر من قدرتهم على إلغائه أو تجاهله، فمضوا وراء ميلهم ليحولوه من مجرد ميل إلى عمل مخالف، ولو كانت تربيتهم قد بنيت منذ الصغر على الاعتراف بهذا الميل، مع ترشيده وتقويمه لما كان وصل بهم الحال إلى ما وصلوا إليه من تناقض.

 

وتدعو ليلى الأحدب إلى لفت نظر أبنائنا وبناتنا إلى وجود جنس آخر في مجتمعاتنا، جنس يمكن أن نتعامل معه كما نتعامل مع جنسنا بنفس سلامة الصدر ونقاء النية، إضافة إلى بعض الحدود الإضافية والضوابط الشرعية التي تحافظ على سلامة العلاقة.

لا تدنسوا الحب

وختاما تعرف ليلى الأحدب الحب قائلة: إن ما يدعوه الناس حبا ليس حبا أبدا.. إنه شهوة التملك.. حافز للانتزاع أو رغبة جنسية "خام"، لو أن ما يدعى حبا كان عمقا في الروح، وصدقا في القلب، ومجرد توق للرفقة، واهتماما بسعادة الآخر، وبذلا للحنان.. لو كان حبا خالصا دون شهوة جسدية أو مصلحة عاجلة لكانت الحياة رائعة.. هذه العبارة لا تنكر وجود الحب ولكنها تشكو طبيعته، إنها القصة القديمة عن الهوة التي تفصل الفكرة الخالصة عن تجسيدها الأرضي؛ فالحب من أسمى وأرقى العواطف البشرية، لكن عندما نطبقه واقعا فإن الحب يئن منا ومن تدنيسنا لقداسته.

وفي النهاية تسترشد د.ليلى دينيا برأي الدكتور البوطي عندما سألته إحداهن عن الحب ما هو؟ وكيف نتعامل مع من نحب؟ فقال: "الحب شعور انفعالي، وليس فعلا اختياريا؛ ولذا لا تتعلق به الأحكام الشرعية من حرمة أو وجوب أو كراهية.. ومن المعلوم أن الأحكام التكليفية إنما تتعلق بما هو داخل في وسع الإنسان لقوله عز وجل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، فالشارع -جل جلاله- لا يقول لك: لا تحب، ولكن يقول إذا أحببت فلا تنحرف، ولا يقول لك: لا تكره، ولكنه يقول: إذا كرهت فلا تظلم، ولا يقول: لا تجع، ولكنه يقول إذا جعت فلا تسرق".

ومن هنا ندرك أنه على الإنسان إذا أحب ألا يستسلم لدوافع حبه في نطاق السلوكية والتصرفات الاختيارية إلا ضمن حدود الشريعة وأحكامها التكليفية المعروفة.

* إسلام أون لاين