علي سالم البيض حصان طروادة القادم من طهران
بقلم/ ناجي منصور نمران
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 8 أيام
الأحد 01 يوليو-تموز 2012 07:46 م

الغالبية العظمى منكم تعرف قصة حصان طروادة الذي تسبب في إنتصار اليونانيين بقيادة الملك الإسبرطي مينيلوس على شعب طروادة ،وذلك عندما حاصر الجيش المهاجم المدينة لفترة طويلة ولم يفلح في إقتحامها ،لذا فقد أهتدى القادة إلى حيلة تمثلت في صناعة حصان خشبي ضخم يتم ملأه بالمحاربين الأشداء، وإهداءه للمدينة بعد إعلان فك الحصار عنها ، وليكن الحصان عبارة عن عربون محبة وسلام،ودليل على حسن النوايا، وبالفعل فقد قبلت المدينة الهدية، ودخل الحصان وسط ترحيب السكان، ولكنه كان يحوي بداخله مفاجأة لم تكن بالحسبان، حيث لم يشعر سكان المدينة بوجود جنود من الجيش المهاجم داخله ،والذين قاموا عندما سنحت لهم الفرصة بفتح بوابات المدينة المحصنة على حين غفلة ، لتقتحم القوات الغازية المدينة وتستولي عليها بكل سهولة،والسبب في ذلك الثقة العمياء وسوء تقدير الموقف من قبل الطرواديين، ولعل في هذه القصة تكرار لما يحدث الآن في اليمن ، مع إختلاف الغزاة والجنود الذين يصاحبون الحصان القادم يسابق الريح من طهران

على الرغم من عدم إيماننا العميق بنظرية المؤامرة كسبب رئيسي في كثير من المشاكل التي تصيب أمتنا ،إذ نرى أنه من الخطأ الفادح أن نلقي باللوم على الآخرين ونعلق على المتآمرين كل أخطائنا،وأعني بهم هنا القوى الإستعمارية الخارجية بمختلف صورها العسكرية ،والإقتصادية، والثقافية إلخ، والإدعاء أنهم وحدهم وراء كل الهزائم التي تلحق بنا، دون أن نجابه أنفسنا بشجاعة ولو لبرهة، ونعترف بأننا نمثل الجزء الفعال والحلقة الأهم في تمرير تلك المؤامرات اللعينة، وذلك من خلال مشاركتنا في بلورتها وتطبيقها على أرض الواقع لأي دوافع كانت كالإعتقاد أنها ستكون بمثابة الداعم لنا في تحقيق أهدافنا دون أن نحسب عواقبها وتلك قمة الغباء السياسي، أو حين نقبض الثمن مقابل تمرير تلك المؤامرات وهذه هي الخيانة الكبرى للوطن. 

وحتى لايُستشف من سياق حديثي إنكاري بوجود هذه النظرية،أقول أنها حقيقة موجودة طالما ولأمتنا أعداء يتربصون بها ،ولذا فمن الطبيعي أنهم لن يألوا جهداً في دس المكائد وحيك المؤامرات للإيقاع بالأمة، ولكن ومع كل ذلك فلدينا تصور واضح، مرده قناعه داخلية بنيناها على أساس من أحداث تاريخنا المليء بهكذا نماذج، أننا نظلم هذه النظرية كثيراً فهي- وإن كانت موجودة بدرجات متفاوتة - لاتتحمل وحدها كل تلك الهزائم،ولنأخذ على سبيل المثال حرب الخليج التي كانت نتاجاُ لإجتياح العراق للكويت ،وما لحقها من حروب طاحنة أنهكت العراق ودمرت قوته ،والسبب لا يتمثل فقط في المؤامرة الأمريكية حين أخذ الرئيس صدام رحمه الله الضوء الأخضر من قبل السفيرة الأمريكية في بغداد آنذاك (غلاسبي) عندما أعلنت أن بلادها لاترغب بالتدخل في أي صراع بين دول الخليج العربي ،وهو ما أسال لعاب العراق ليغزو الكويت، ودونما أدنى تفكير في عواقب تلك الحرب وما قد يترتب عليها من نتائج سلبية كان العراق في غنى عنها، فقد تم إتخاذ القرار السياسي الخاطئ ليغير خارطة المنطقة برمتها ،أليس من المعيب أن نحمل المؤامرة كل تلك الأخطاء التي نتحملها نحن بالدرجة الأولى، أليست الحقيقة تكمن في أننا لانزال نعاني من عدم النضوج الفكري،والضحالة السياسية التي أسهمت ولاتزال في كثير من مشاكلنا. 

  ونحن وإن كنا نوقن بأن الرغبة الاستعمارية في السيطرة على اليمن، حلم أزلي قديم مايزال يعشعش في العقلية الإستعمارية نظراً لموقع اليمن الإستراتيجي ، ونؤمن- أيضا- أن إحتكار ذلك التوسع الأجنبي على دول عظمى بذاتها لم يعد له وجود الآن بعد دخول لاعبين جدد، أحدهم يرتدي عباءة دينية يبدو أنه يزاحم بقوة ، ولايقل في خطورته عن خطورة المستعمر الغربي، فهو يتربص بنا من وجهة نظر عقائدية، ويحاول أن يتسلل ويبسط نفوذه على الخليج العربي واليمن، فالعدو الإيراني أفصح عن رغبته التوسعية في اليمن منذ فترة طويلة ، ولاداعي هنا للتذكير بالدعم الايراني اللامحدود للحوثييين على المستوى المالي والعسكري وحتى السياسي والإعلامي في كل حروبهم السابقة ، والذي لايزال مستمراً سعياً من جمهورية الخميني إلى تهيئة موضع قدم لها على الأراضي اليمنية وستعمل على ذلك بشتى الوسائل لأهداف يأتي في طليعتها التمدد الشيعي والإقتراب من الأراضي المقدسة في السعودية والسيطرة على مضيق باب المندب ، علاوة على أن اليمن أصبح ساحة للصراع المفتوح بين إيران ودول الخليج ، حيث يأتي ذلك في سياق خطة ترمي إلى تطويق المملكة وتضييق الخناق عليها من عدة جهات من خلال السيطرة الكاملة على الخليج العربي ، وهذا مايفسر محاولة نظام العمائم في إيران السيطرة على البحرين واليمن بعد أن أحكم قبضته على العراق الجريح، وهاهو يخوض معركة حياة أو موت على أرض سوريا ، ويستميت من أجل بقاء نظام الأسد كونه الحليف الإستراتيجي لإيران وإمتداد للمذهب الشيعي

الحقيقة المرة أن رائحة المؤامرة في الملف اليمني قد فاحت رائحتها النتنة وبقوة أيامنا هذه، فالكل صار يعلم بالعلاقة المشبوهة التي أتضحت رؤيتها بين مابات يعرف بالقيادات الجنوبية في الخارج والنظام الإيراني والذي يحاول هذا الأخير كما ذكرنا الدخول إلى اليمن والتوسع فيه شمالاً وجنوباً ، وما تصريحات الرئيس علي سالم البيض الصريحة حول الدعم الإيراني له إلا دليل على قوة تلك العلاقة ،إذ أعلن البيض عن إستعداده لقبول أي مساعدة تقدمها إيران في دعم مشروعه الذي يتبناه في الإنفصال عن دولة الوحدة ، وقد كان من المقرر أن يقوم بزيارة لطهران مطلع هذا العام إلا أنها تأجلت بسبب خلافات بين القيادات الجنوبية حول الشخصيات المشاركة في الوفد وبعض الترتيبات الأخرى، وقد وصل هذا التعاون إلى مراحل متقدمة تتمثل في الدعم المالي الكبير للبيض، وتدريب بعض العناصر الذين دخلوا إيران بدون تاشيرات عبر دولة عربية وسيطة بحسب صحيفة الجارديان البريطانية ، الجدير بالذكر أن بعض الشخصيات الجنوبية قد حذرت البيض في وقت سابق من مغبة التعاون مع إيران لعلمهم بالثمن المطلوب دفعه مقابل ذلك التعاون، ولكن الرجل على مايبدو أنه غير آبه بتلك الأصوات وقد قبض الثمن بالفعل وما عليه إلا تنفيذ الصفقة. 

كما يبدو أن البيض ليس وحده من يرحب بتلك العلاقة مع الإيرانيين، فالرئيس الأسبق علي ناصر محمد أيضاً قد أشار،في حديث نُشر الأسبوع الماضي، إلى أهمية توظيف العلاقة مع إيران بما يخدم القضية الجنوبية على حد تعبيره . 

من يراجع تاريخ إيران ودعهما لكثير من الحركات والقوى السياسية سيؤمن وبلا شك أن وراء الأكمة ما وراءها، فعمائم إيران لاتدعم بدون مقابل ولا تدفع شئ لوجه الله بل لهم مآرب وأهداف لايعلمها إلا الله سبحانه، فلماذا يرتضي البيض لنفسه أن يلعب دور حصان طروادة، والذي يسهل وبكل بساطة للأعداء الدخول والتغلغل في أراضينا ، ولنا أن نتعلم من التاريخ المليء بالدروس والعبر

السؤال الذي يطرح نفسه هو أين دول الخليج - خصوصا السعودية- غافلة عما يحدث أو بالأحرى متغافلة عنه بإرادتها كون ذلك الأمر يعنيها، وإن تم إنفصال الجنوب لاسمح الله ، سيجعل ذلك من إيران صاحبة الفضل الأول في نجاحه، وبالتالي صاحبة اليد الطولى في كثير من الأمور،وهذا ينبئ بالكثير من المشاكل القادمة والتي ستؤثر على مستقبل اليمن والخليج عموماً