الحاجة إلى كوتا اجتماعية أولا
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 24 يوماً
الخميس 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 11:37 م

تطبق الكوتا وهي شكل من أشكال التمثيل النسبي في نظام الانتخابات بالقائمة النسبية لينتج عن ذلك تمثيلا لازما للأقليات التي يصعب نجاحها في المشاركة السياسية دون هذه الطريقة، وبسبب تغميط فئة أو طائفة دينية أو أقلية عرقية في المجتمع يلجأ النظام أو النخبة إلى اتباع هذه الطريقة للحؤول دون هضم فئة ما حقها في التمثيل والمشاركة السياسية .

في المجتمع اليمني تبرز نتوؤات اجتماعية مشوهة (بكسر الواو) للمشهد اليومي الإنساني وللمشهد الحضاري إن كان لنا من نية أن نحسن شروط حياتنا وفق سنن الكون " إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ليصبح لنا رصيد من مساهمة حضارية هي اليوم مفقودة على جميع الأصعدة ولا جدال.

إن حظا قليلا حصلت عليه بعض النساء من التعليم وقدرا أقل من المساواة الاجتماعية دفع بأقلية منهن بوعي إلى الواجهة يطالبن بمبدأ المساواة ، وقد رافق هذا الاتجاه نفاق سياسي رسمي وحزبي لاشتراطات الخارج حول الإصلاح السياسي والحكم الرشيد، فبدأنا نتحدث فيما يخص المرأة عن كوتا نسائية تمكنهن من المشاركة السياسية في الانتخاب والترشيح وتحصيص مقاعد في السلطة المحلية ومجلس النواب والدفع بأقل من المأمول إلى وظائف سيادية نجمل به الوضع الثقافي والاجتماعي شديد التخلف فنقول أن عندنا في الحكومة وزيرة أو سفيرة ...الخ.

إنني من المتحفظين على الكوتا النسائية لأنها تهمش حجم النساء الفعلي إلى نسبة 20% وتصادر حقوقهن في واقع اجتماعي يمثلن فيه نصف المجتمع. ولم ندرك خطورة هذا الخيار المترنح، وأنا ادعوا النساء المتحمسات للكوتا الانتخابية بأن يطالبن بكوتا اجتماعية اشمل، إنني مع أن يشارك الفرد ذكرا وأنثى دون التهميش بسبب الجنس أو اللون أو المذهب والمنطقة الجغرافية أو أي اعتبار آخر ، وليس من الإنصاف تحديد حصة للنساء بأدنى من حجمهن الحقيقي وهو نصف المجتمع.

صحيح أننا نعيش في مجتمع ثقافته ذكورية بامتياز ، ويتخذ من الآراء الدينية السطحية دينا تحرم النساء من حقوقهن، حتى أن المرأة بحكم الموروث الثقافي المتراكم سلبًا صادر حقوقها بما في ذلك الحق الشرعي في الميراث، فوجدت المرأة نفسها تذوب في هذه الثقافة وتسلم بشرعيتها وعلى استحياء منها ومجازفة أن تطلب من المجتمع ما ليس مألوفا فيه ، لكننا كمجتمع نسينا أننا عطلنا نصف المجتمع من المساهمة والإنتاج وكرسنا قيم سالبة كالظلم والحرمان والاستعباد والاستبعاد لنصف المجتمع من مسرح الحياة، بالتضاد مع مبادئ الإسلام الحنيف.

هذا الوضع - في اليمن دون سائر البلدان العربية - لا يمس النساء وحدهن فقط بل يمس فئات اجتماعية أخرى من النساء والرجال معا هم مهمشون ومستبعدون أيضا من مسرح الكرامة الإنسانية، إن تقسيما اجتماعيا فئويا لا يزال يهيمن على ثقافة المجتمع المهيمنة بالإكراه، وتتمثل في تقسيم المجتمع إلى سلم اجتماعي رأسي ( هيراركي) حتمي يصعب اختراقه إلا فيما ندر، وهذا السلم الاجتماعي يقذف إلى أسفله : بالنساء ، والمهمشين والأخدام والدواشن وفئات مهنية أخرى كالمزاينة والجزارين والزباليين....الخ ( ووظيفة المرأة في هذه الثقافة النشاز محصورة في : الزواج المبكر درءا للفتنة والبيت والخلفة وتربية الأولاد وخدمة الزوج).

إن المجتمع يعلن عن تكريسه لحالة التخلف بالحفاظ على موروثات من الحرمان والإكراه والاحتقار والاستبعاد واللامساواة، ولهذا نحن مطالبون بأن نقر في تشريعاتنا مبدأ الكوتا الاجتماعية لكل مستبعد وفتح كل موقع اجتماعي أو سياسي محتكر أمام الجميع وفقا للكفاءة، لقد كان عطاء بن رباح ذلك الحبشي الذميم معلما فذا وفقيها يقصده القاصدون لأخذ العلم منه.

إننا مطالبون بأن يكون نظام الكوتا الاجتماعية في المدارس والجامعات والمنح والوظائف العامة والوظائف السيادية والوظائف النوعية كأساتذة الجامعات والقضاء والوظيفة الدبلوماسية وأعضاء الحكومة وأعضاء مجلسي النواب والشورى حتى يكون لهذه الفئات المحرومة في المجتمع من يدافع عن حقوقها المستلبة من موقع القدرة على الدفاع عنها.

الكوتا الاجتماعية ليس للنساء فحسب ولكن للأخدام والفئات المهمشة الأخرى، ولكل المستبعدين من مسرح المشاركة الاجتماعية دون حجمهم الحقيقي تحت أي مسمى، وكوتا اجتماعية لاتحدد بالمحاصصة الناقصة بدعوى التدرج ولكن كوتا تمثل هذه الفئات حسب عددها الحقيقي في المجتمع، فالنساء يمثلن نصف المجتمع فمن يقرر أن يصبح لهن نصيب 20 % في السلطة التشريعية والمجالس المحلية ، إنه نوع من تكريس الفوارق بالقانون بدلا من تكريسها بالأعراف، إننا ينبغي أن ندفع بالإناث إلى التعليم ونفرض لهن منحا ومساعدات مالية تستقطبهن إلى مقاعد الدراسة وتدفع أولياء الأمور بالتخلي عن حرمان بناتهم من هذا الحق، فإذا كانت مخرجات التعليم من الإناث مساو للذكور فإن المرأة حينذاك لاتحتاج إلى كوتا نسائية انتخابية فهي أجدر على انتزاع حقوقها كاملة دون نقصان.

لكننا إذا استمرينا في حرمان الإناث من التعليم فإن نظام الكوتا ولو كانت النسبة فيه عالية لن يكون مجديا فقد نبحث عمن ندفع بهن إلى الواجهة فلا نجد إلا ما ندر، إن نظام الكوتا الاجتماعية يبدأ من الحصة في التعليم حسب شهادة الميلاد والتعداد السكاني ، لماذا بعد 46 عاما من الثورة لا يوجد في بلادنا وزير أو رئيس حكومة أو سفير أو مدير عام أو أي وظيفة ذات قيمة من فئات الاخدام والمهمشين، لأننا في الحقيقة حرمناهم من حق التعليم فقضينا على مبدأ المساواة كأحد أهداف الثورة اليمنية ، وجعلنا منهم عالة اجتماعية على التحول الاجتماعي المتعثر.

إن الأقلية اليهودية في اليمن تحظى بدعم إسرائيلي وأمريكي غير خاف على أحد، وهذا الدعم بدأ يحسن شروط عيشهم وهجرتهم إلى إسرائيل عبر أمريكا، وإن وصول باراك أوباما إلى منصب رئاسة أكبر دولة في العالم سيخلق لدينا مشكلة في تحسين العلاقات السيئة جدا مع الولايات المتحد الأمريكية، ويكفي أن نستشهد بأن الدعم الأمريكي لكارثة حضرموت لليمن لم يزد على خمسين ألف دولار وهو مبلغ يساوي ثمن سيارة تايوتا لاند كروزر.

ألم ينتبه أصحاب القرار إلى أن الرئيس الأسود في البيت الأبيض، وهو أستاذ جامعي لا تنقصه الثقافة والمعرفة والاطلاع ولا يحتاج إلى من يكتب له الخطاب السياسي ليقرأه على الناس ، إن باراك أوباما فاز بفضل ذكائه وقدرته الفائقة على الإقناع وهذه كانت صفة يتميز بها دون غيره لأنه أكاديمي ومثقف وعالم وفقيه في العلوم السياسية والدستورية، فهو يعلم أن أبناء عمومته في اليمن لايحظون باحترام ولن يسكت، ولذلك لابد من اعتماد نظام الكوتا الاجتماعية للفئات المهمشة في اليمن وكسر التراتبية الاجتماعية السائدة، وياحبذا أن يكون أحد هؤلاء الأخدام مرشحا منافسا على منصب رئاسة الجمهورية في اليمن في العام 2013، لنثبت للرئيس الأمريكي الفائز في الانتخابات بأننا لسنا عنصريين ولا نرفض المساواة والعدل والقيم الإنسانية.

إن إعلان كينيا يوم فوز باراك أوباما عطلة رسمية سيكون له وقع خاص على الرئيس الفائز بالاهتمام بالدول الأفريقية، وهذا الاهتمام ربما يدفع بعجلة التطور في هذه البلدان بوتيرة أسرع من أي بلد عربي أو إسلامي، وهذه البلدان لن تنسى أن أبناء جلدتهم في بلادنا لم نعترف بهم كبشر فنزداد عزلة على من حولنا. إن شكوى من منظمة الأحرار في عدن إلى الرئيس الأمريكي الجديد قد تلاقي تجاوبا يفرض علينا إدماجهم بالإكراه لا بالاختيار، ونحن لم نعترف بهم كبشر قبل أن نعترف بهم كمواطنين.

فليست النساء وحدهن من يقمعن أو يحرمن أويسـتـثـنـين ، فبلادنا كلها نظام من الاستثناءات ونظام من التهميش ونظام من التخريب المعبر عن الذات المتخلفة عن الركــب الحضاري ، وإلا بماذا نفسر الانحدار النشط في التعليم وهو الأساس لأي نهضة حضارية.

إننا نشهد في امتحانات الثانوية العامة توجه مجتمعي عام للغش العلني على مرأى ومسمع وهنا تحديدا تتحمل السلطة كافة التبعات من جراء هذا التغافل على استشراء الظاهرة، فلدينا لجان خاصة للغش، ومدرسون لكتابة الغش، وأولياء الأمور لشراء الغش، وطالب ممتحن لا يستطيع أن يجيب على الأسئلة بدون الغش، ونسبة نجاح عالية ، ومجاميع خارقة للعادة، وأوائل ثانوية بالغش، ومصححون ولجان تصحيح يبيعون ويشترون لتثبيت المعدلات حسب الطلب بالتزوير والغش، والجامعات تقبل الطلاب في التخصصات النوعية وفقا لنتائج كلنا متيقنين أنها غير حقيقية، والتعليم العالي تمنح طلابا مغشوشي النتائج وتبعثهم إلى الخارج لتكريس مزيد من الفشل ويأخذون نصيب غيرهم ممن لم يغش وهم قلة، ونريد بعد كل هذا أن نبني إدارة ونظاما سليما ووطنا حديثا.

إن طالبا سلك هذه الحياة بهذه الكيفية عندما يتسلم منصبا إداريا رفيعا أو يتسلم منصبا وزاريا كيف سينظر لمفهوم إصلاح المجتمع وبناء الوطن سوى بالغش، وعندما نسلم هذا الإنسان الإشراف على لجنة رقابية أو انتخابات أو امتحانات أو منصب القضاء، أو لجان إغاثة إنه سيكرر ما ألفه طول تجربته الشخصية.

إننا مدعوون - اليوم وليس غدا - أن نصرخ بأعلى أصواتنا : إن إصلاح البلاد تبدأ من إصلاح التعليم ، وإصلاح التعليم يقتضي إصدار تشريعات بإلزامية التعليم، ومجانية التعليم وهذا يتطلب إلغاء التعليم الموازي والنفقة الخاصة ، ودعم التعليم ومنح كل المنتسبين في التعليم العام حسب الكشوفات المدرسية من الروضة حتى الجامعة منحا ومساعدات مالية، وتطبيق نظام صارم من الشدة والقسوة في الدراسة والامتحانات، وتطبيق عقوبات رادعة على أولياء الأمور الذين يمنعون أبناءهم ذكورا وإناثا من التعليم، وإصلاح منظومة التعليم لتخريج بشرا يصنعون فرصهم بعلمهم وخبراتهم وليس بوظيفة الدولة.

إننا بحاجة إلى كوتا اجتماعية أولا قبل الكوتا الانتخابية تكون ملزمة، يتحقق معها مبدأ المساواة في التعليم للجميع ونضمن فيها أن يلتحق كل المواليد ذكورا وإناثا سودا وبيضا ومهمشين في سلك التعليم والاستمرار فيه حتى الثانوية، لنبدأ في تجديد المجتمع عبر تخريج أجيال متعلمين وعلماء ومثقفين وأخلاقيين وأصحاب مبادئ نكون قد شربناهم إياها في مقاعد التعليم بجميع مراحله.

في الأخير : للتذكير فإن أمريكا قوية بالمبادئ التي تحقق لأبسط إنسان القدرة على أن يحكم أمريكا ، إن إبراهام لنكولن كان نموذجا لهذا الإنسان البسيط حين أصبح رئيسا لأمريكا ولكنه كان أبيضا، غير أن باراك اوباما تحققت فيه كل صفات الاستثناء والتهميش ولم تحل هذه الصفات القدرية من أن يحقق لنفسه طموحا كان غير متوقع، لكنه صار ممكنا في نظام عادل يكفل للناس الحرية والمساواة والحقوق على السواء، ومن السذاجة أن ننتظر سقوط أمريكا دون أن نتعظ بأسباب تفوقها وأسباب ضعفنا. إن إخواننا الدعاة في منابر المساجد يبشروننا بسذاجة منقطعة النظير بسقوط أمريكا، عليهم أن يتعظوا بان سقوط الإمبراطورية الإسلامية وهي على ما هي من الضعف وافتقاد عناصر القوة الحديثة ظلت صامدة أكثر من ألف سنة وهي على وشك السقوط بدءا من القرن الخامس الهجري ، فكيف نمني أنفسنا بسقوط أمريكا غدا أو بعد غد وهي تملك من القوة والمنعة ما يدفعنا إلى البحث عن مكامن القوة والتطور لأنفسنا، أي أننا لا ينبغي أن ننتظر ونراهن على سقوط أمريكا لنبدأ بالتطور بعدئذ.