مأرب برس – خاص
إن الـعظماء مــن ذوي المبادئ في تاريخ أمتـنا عـبـر حـقب الـتاريخ المتـعاقـبـة كـثر .
فمنذ بزوغ فجر الإسلام بنوره الساطع ، على جزيرة العرب ، سجل التاريخ الإسلامي ـ في صفحاته الأولى ـ محمداً بن عبدا لله القرشي ـ عليه الصلاة والسلام ـ كأول عظيم في الإسلام .
فمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ صاحب مبدأ ، ورسالة بها استنارت الأرض ، وانكشف الظلام ، والتَّضح الطريق . ثم إن هذا العظيم ربَّى رجالاً عظماء كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وغيرهم من الصحابة العظام
ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ اقتدوا به ، وساروا علي نهجه وأثره .
ولم ينته عهد العظماء عند هذه الثلة ، بل تعاقب العظماء عبر حقب التاريخ ، ففي كل عصر نجد من أمته عظماء .
وإن شيخنا المناضل عبدالله بن حسين الأحمر ـ رحمه الله ـ الذي وافته المنية في يوم الجمعة بتاريخ 18/12/1428هـ لهو واحد من أولئك العظماء الأفذاذ .
فهو صاحب مبدأ وفكرة ، ورسالة سامية ، فعلى درب أسلافه سار ، وبنور الرسالة المحمدية استنار ؛ وأنار دروباً من البذل ، والتضحية ، والكفاح ، والنضال .
ألا يستحق إن يكون عظيماً ، مَنْ وهب حياته ، وشبابه من أجل دينه ، ووطنه ، وأمته ؟!.
ألا يستحق أن يكون عظيماً ، مَنْ قارع الظلم ، والاستبداد ، والطغيان في سبيل أن يحيا الشعب حراً ، أبياً ،آمناً مستقراً ؟!.
ألا يستحق أن يكون عظيماً ، مَنْ عُرِفَ بالحكمة ، والرزانة ، والرجاحة ، والشهامة ، والبسالة ؟! .
ألا يستحق أن يكون عظيماً ، مَنْ كان له حظاً وافراً في قيام الثورة ، والوحدة ، والدفاع عنها ؟! .
ألا يستحق أن يكون عظيماً ، مَنْ عُرِفَ بالسماحة ، والرحمة ، ونصرة الضعفاء ، والمضطهدين ، ومَنْ كان معيناً للفقراء والأيتام ؟!.
ألا يستحق أن يكون عظيماً ، مَنْ كان رائدَ مسيرة الإصلاح ؛ تلك الحركة الإسلامية العملاقة ، التي غيرت مجرى التاريخ في اليمن ، والتي يجتمع تحت لواءها خِيرةَ رجال اليمن من علماء ، ومفكرين ،وساسة ، وحكماء ؛ بفكر واحد ، وغاية واحدة , وهدف واحد ؟!.
حركة كان لها الفضل بعد الله عز وجل في حفظ مئات آلاف الشباب والشابات من الضياع والزيغ والانحراف .
إن حركة الإصلاح ، ومناقبها ، وتاريخها ، ونضالها ؛ لهي خير شاهد على عظمة الرجل ولو اقتصر جهده عليها لكفته أن يكون عظيماً من عظماء امتنا .
ألا يستحق أن يكون عظيماً مَنْ لم يقتصر همه على قضايا وطنه فحسب ؛ بل كان همه قضايا المسلمين عامة .
باعتبار إن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، وأن (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) .
إن في مقدمات اهتمامات شيخنا الفقيد القضية الفلسطينية (القدس) التي ظلت تراوده حتى كادت أن تأسر لُّبه .
ففي أثناء مرضه ، وقبيل الوفاة اتصل به الأستاذ المجاهد خالد مشعل ليتطمن على صحته فقال رحمه الله :ـ ( لا تُهِمَّنَي صحتي أكثر مما تُهِمَّنَي قضية فلسطين ) .
لله درك يا شيخ المبادئ النبيلة، الأصيلة في عصر تخلى فيه كثير من الناس عن هذه المبادئ
واستبدلوا الأدنى بالذي هو خير ، ورضوا بان يكونوا مع الخوآلِف .
لله درك ودر المدرسة التي استقيت وتشربت منها هذه المبادئ العظيمة التي استحققت أن تكون بها من العظماء في زمن الانكسار والخذلان .
إي وربي إنه من العظماء الندر في زمن أثقل كاهله الأقزام وباعة المبادئ والمساومين بقضايا الأمة الإسلامية .
ألا يستحق أن يكون عظيماً ......... بلى ، بلى ، بلى يستحق ذلك ، وهو جدير وأهل له .
إن الكلمات لتنفد قبل نفاد عطاءه ، وتضحياته ، ومناقبه ، ومواقفه الشجاعة .
وإنني لا أستطيع أن أعطيه حقه خلال هذه الأسطر؛ فالرجل تاريخ أمة ، وبحر جد متسع ، عميق عذب ، بعيد المنال فلم أذكر من تضحياته كما أسلفت إلا الشيء اليسير .
إن في سير العظماء دروس ، وعبر ، لأولي الألباب من ذوي القلوب النيرة .
فالواجب علينا جميعا أن نقف على سيرهم بتأمل ، وتمعن ، ونسأل أنفسنا ؛ أين نحن من هؤلاء ؟
لماذا لا نكون عظماء مثلهم ؟ أهم بشر أم غير ذلك ؟ بالتأكيد هم بشر ولكنهم أصحاب همم عالية ، ورسالة ، وفكرة يحيون بها ، ويموتون لأجلها دون تزحزح بآذلين الغالي والنفيس من أجل أدءها ، وبلاغها على الوجه المراد .
إن العظماء يموتون مثل باقي الناس ( كل نفس ذائقة الموت ) ولكن تبقى مآثرهم ومواقفهم الشريفة وتاريخهم الناصح مخلدا في ذاكرة التاريخ ، وسيظل الناس يذكرهم بالخير والثناء والرضاء .
وإن شيخنا الراحل ، وقائد مسيرتنا العطرة لهو واحد من أولئك العظماء الذي سيظل التاريخ عبر حقب الزمان يذكرهم بالخير والرضاء والثناء ، نعم سيظل تاريخه نورا يضيء لنا الدرب .
إن رحيل الشيخ عبدالله رسالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، رسالة لأولئك الذين تُخيَّلُ لهم شياطين الإنس والجن غرورا بأنهم عظماء وأصحاب انجازات وبطولات وتضحيات .
فهم تائهون في أحلام اليقظة والخيال بعيدين عن الحقيقة والواقع .
فالحقيقة أن ألئك أصحاب انجازات وتضحيات وانتصارات ولكن ، في الظلم ، والاستبداد ، وقتل الشعوب ، وتجويعهم ، ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم إلى غير ذلك من المآسي التي يصنعون ، فخيل إليهم بأنها انجاز وتضحية وانتصار حقيقي ، فأنَّى لهم ذلك .
ألم يأْنِ لأولئك القوم بأن يجعلوا من رحيل هذا العلم الشامخ نقطة تحول في حياتهم وتاريخهم لكي يكونوا عظماء ينالون بذلك رضاء الله والناس أجمعين .
إنني أكتب هذه السطور وأنا على أمل أن تتغير الموازين إلى الأفضل عِظةً وعِبرةً برحيل فقيد اليمن والأمة الإسلامية ذو الفضل ، والتاريخ الحافل ،بالعطاء ،والتضحية ، والبذل ، والمواقف الباسلة الشجاعة نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا.
تغمد الله الشيخ عبدالله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته مع النبيين والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا . آمين آمين امين يا رب .
فحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله وإن لله وإن إليه راجعون .
في الخميس 03 يناير-كانون الثاني 2008 08:29:54 ص